السيف العظيم
كانت الأجواء مفعمة بالتوتر، حيث كان جوغول يتجول في أروقة الطائفة كما لو كان ظلًا يبحث عن ضوء.
كانت خطواته تتردد في الممرات الخشبية القديمة، تصدر صدىً يشبه أنين الماضي، بينما كان قلبه يضرب بقوة، مضطربًا في صدره.
"أين يمكنك أن تكون، تشيونغ؟"
تمتم جوغول لنفسه، وعيناه تمسحان زوايا المكان كالعصفور الذي فقد عشه، تبحثان عن أي علامة تدل على وجود تشيونغ ميونغ.
الهواء كان مشحونًا برائحة الخشب القديم، مختلطًا برائحة العشب الرطب من حديقة الطائفة، مما أضاف شعورًا بالحنين.
لكن تلك الرائحة لم تستطع إخفاء القلق الذي كان يتسرب إلى قلبه كالماء تحت الباب، يغمره شيئًا فشيئًا.
"هل رأيتم تشي... الشيخ تشيونغ ميونغ؟"
سأل جوغول، وعيناه تتأملان وجوه التلاميذ حوله بتوتر.
كانت ملامحهم تتجمد كأنها أحجار في نهر جاف.
"أليس في غرفة زعيم الطائفة؟" رد أحد التلاميذ،
"أجل، إنه يقضي وقته هناك دائمًا."
أضاف آخر، وكأنما كان يحاول طمأنته، لكن جوغول لم يكن في مزاج يسمح له بالاستماع إلى التطمينات.
"فهمت."
همس جوغول، محبطًا. تركت كلماته أثرًا عميقًا، كغيمة ثقيلة تتجمع في سماء تفكيره، تتوعد بعاصفة قادمة.
في الواقع، تقبل جوغول حقيقة أن تشيونغ ميونغ هو سلفهم وقديس السيف منذ زمن طويل، لكن تلك الفكرة كانت تزعجه أكثر مما تريح.
"إنه غير مألوف."
تمتم لنفسه، وهو يشعر بأن الفوضى تعصف بأفكاره، كأمواج تتلاطم ضد صخرة.
تشيونغ ميونغ الطفل،
تشيونغ ميونغ المتعلق بأخيه،
قديس السيف وسيد الظلام وهما يلهوان،
ثم... تشيونغ ميونغ الذي عاد من الحرب فاقدًا ذراعه.
كانت تلك الصور تتراقص أمام عينيه، تتشابك مع ذكريات مريرة، ككابوس لا ينتهي.
بينما كان يتجول في تلك الذكريات، شعر بالانغماس فيها، وكأنما كان يتلمس شيئًا مفقودًا في ظلام قلبه.
في البداية، كان من المثير للاهتمام معرفة المزيد عن تشيونغ ميونغ، لكن مع الوقت، أصبح الأمر مؤلمًا.
تذكر اللحظة التي رأى فيها تشيونغ ميونغ عند عودته، وكيف عادت إلى ذهنه ذكرى ذلك اليوم.
في أيام تشيونغ ميونغ الأولى في جبل هوا، بعد أن أخبره جوغول بكل شيء حول انهيار الطائفة، خرجت من فم تشيونغ ميونغ ضحكة فارغة، كأنما كانت تعبر عن خيبة أمل عميقة.
في ذلك الوقت، لم يفهم جوغول الأمر، بل اعتبره محض جنون.
لكن الآن، كيف يمكنه وصف تلك اللحظة؟
على الرغم من قلة معرفتهم بتشيونغ ميونغ، كان هناك شيء واحد واضح كان تشيونغ ميونغ متعلقًا بجبل هوا بشدة، كأنما كان الأمر ينتمي إلى روحه.
*كيف سيكون شعوره؟*
عندما علم أن المكان الذي يعتز به أكثر من أي شيء قد انهار بسببه.
لم تكن غلطته حقًا، لكن هل سيفكر تشيونغ ميونغ حقًا بذلك؟ بدأ جوغول يعبث بشعره بانزعاج، وكأنما كان يحاول نزع تلك الأفكار من رأسه.
"ااااه، هذا معقد."
صرخ، وهو يشعر بأن عقله يمتلئ بكلمات لم تُقال، كضباب يتكاثف حوله.
لم يكن من شخصيته التفكير في مثل هذه الأمور المعقدة.
لذا عزم على البحث عن تشيونغ ميونغ من جديد.
...........
بينما كان هيون جونغ يتصفح مذكرات تشيونغ ميونغ، بدت كل صفحة كأنها باب يفتح على عوالم من الألم والمعاناة.
رائحة الورق القديم، كانت تخنق أنفاسه، وتجثم على قلبه.
كان صوت الصفحات وهي تُقلب كأنينٍ خافت، يهمس له بأسرار لم تُروَ، فتحفر في أعماق قلبه.
كل كلمة كانت كأنها سكين تغرز في لحم روحه.
عبارات مليئة باليأس والحنين، تشبه صرخات مدوية في فلاة من الصمت.
كانت مشاعر تشيونغ ميونغ تتجسد في كل حرف، وتظهر كالأشباح التي تتجول في زوايا عقله.
عندما تذكر هيون جونغ تلك المعارك التي خاضها تشيونغ ميونغ، شعر بوجعٍ في صدره كأنه يتعرض لصفعة من الماضي.
كانت جراحه ليست مجرد آثار على الجلد، بل كانت رموزاً لمآسي لم تُنسَ.
في تلك اللحظة، كانت العتمة تحيط به كغيمة ثقيلة، تسقط الأمطار فيها كدموع السماء.
وكان صدى قلبه يدق كجرسٍ ينذر بالخطر، بينما كان يراقب كيف أن العالم من حوله يتلاشى في ضباب من الحزن.
وكأن الأشجار الخاوية كانت تراقبهما بشفقة، تتمايل بأغصانها كأنها تعبر عن حزنها.
شعور انعدام الأمل كان يختلط برائحة التراب المبتل، وكأن الأرض نفسها تبكي على الفقد.
كلما تعمق في الكلمات، كان يشعر بأن الجروح التي يحملها تشيونغ ميونغ ليست مجرد جراح جسدية، بل كانت جراحاً روحية، تمزق نسيج الحياة الذي يربطه.
في النهاية، أدرك هيون جونغ أنه، رغم كل شيء، كان محاصرًا في دوامة من المشاعر.
كأن قلبه قد شُدّ بحبال من الألم، بينما تغرق روحه في بحيرة من الحزن.
وفي ذلك الدفتر، بين كلمات تشيونغ ميونغ، وجد نفسه عالقًا، يشعر بالضياع، كأنه يبحر في عتمة لا نهاية لها.
كان يتجلى له صوت تشيونغ ميونغ في كل صفحة، حيث كانت الكلمة الأولى التي تشرق في كل نص هي "ساهيونغ".
وكأن تلك الكلمة تحمل في طياتها عاطفة عميقة تتجاوز مجرد عنوان. كان يتساءل في نفسه: من هو هذا "ساهيونغ"؟
تشيونغ ميونغ، هو التلميذ الأصغر في الطائفة، بالنسبة له جميع التلاميذ هم ساهيونغ، لكن تلك الكلمات لم تكن موجهة لأي واحد منهم.
كانت تتسرب من قلبه كأنها نداء إلى روح غائبة، شخص يملأ فراغاً عميقاً في داخله.
كانت الكلمات تشعرك بأن هناك من يحتل مكانة خاصة في حياته، شخص تعلقت به أحلامه وآلامه.
بينما كانت أصابعه تتلمس الورق، شعر هيون جونغ بالعواطف تتجلى في كل عبارة.
كان "ساهيونغ" بمثابة مرآة تعكس كل ما كان يختبئ في أعماق تشيونغ ميونغ.
كان الشخص الذي يبوح له بأسراره، من يتوق إليه بشغف، والذي يحن إليه كالأرض العطشى للمطر.
كانت كلماته كالأغاني الحزينة التي تلامس الروح، ترشده في ظلمات الوجود.
لربما كان "ساهيونغ" هو الحلم الضائع، أو الصديق الذي فقده في معركة، أو حتى شخصاً لم يلتقِ به بعد.
كان تشيونغ ميونغ يتحدث إليه كما لو كان حاضراً، كأنه يناديه من بعيد.
في كل كلمة، كان هناك شغف وحنين، ينسج خيوطاً من الأمل وسط الضياع.
هيون جونغ، وهو يتابع القراءة، شعر بعمق تلك العلاقة الغامضة.
كان يمثل الارتباط الذي يربط الإنسان بالعالم، الصراع بين الوحدة والانتماء، والشغف الذي يدفع الروح نحو الضوء في أحلك اللحظات.
في تلك الكلمات، كانت تُنسج قصص من الفقد والبحث عن المعنى، وكأن تشيونغ ميونغ كان يعبر عن كل ما لم يستطع قوله في وجه من يحب، تاركًا هيون جونغ محاصرًا في دائرة من التساؤلات والأحاسيس الجياشة.
وهكذا، احتضن هيون جونغ الدفتر بين ذراعيه، كأنه يحتضن روح تشيونغ ميونغ نفسها.
انهمرت الدموع من عينيه، تدحرجت على خديه كأنها نهر من الحزن، تغمر لحيته بلطف.
كانت دموعه تعبّر عن كل تلك المشاعر المكبوتة، عن الألم الذي عاناه، وعن الحنين الذي يؤلمه بشكل لا يُحتمل.
في تلك اللحظة، شعر كأن العالم من حوله قد اختفى، وكأن كل شيء قد تجمد.
كل ما تبقى كان صدى كلمات تشيونغ ميونغ، تتردد في أذنه كأصداء ماضي مؤلم.
....................
في جبل هوا، حيث السكون يلف المكان كعناق دافئ، كان جوغول غارقًا في أفكاره، عندما تسللت أشعة ضوء مزعجة إلى عينيه.
ضاق عينيه كما يفعل طائر صغير أمام وهج القمر، ثم نظر إلى مصدر الضوء ليكتشف الراهب هايون جالسًا تحت شجرة البرقوق.
كان ضوء القمر يتلألأ على رأسه الأصلع، مما جعله يبدو ككوكب يتأمل في الحياة.
"أيها الراهب؟"
نادى جوغول، محاولًا كبح انزعاجه.
كانت نبرته تتأرجح بين الفضول والقلق، كمن يتحدث إلى روح غامضة.
"لا أعلم ما الأمر، ولكن إذا كنت ستجلس، ألا يمكنك الابتعاد عن الضوء؟ إنه يدخل في عيني."
لكن بينما كان على وشك متابعة حديثه، تراجع بالخلف في ذهول. هايون، بعينيه الكبيرتين، بدأ يبكي بشدة، كأنما كانت دموعه نهرًا متدفقًا.
"هاه؟ أيها الراهب؟ هل أنت بخير؟"
"هيه... لما؟... ما الخطأ... الذي ارتكبته؟"
جاء صوته ضعيفًا كهمسات الرياح في ليلة عاصفة.
جوغول، مرتبكًا، تذكر الأيام الماضية حيث كان تشيونغ ميونغ يتنمر على هايون ويضربه في كل فرصة.
إذا جلس
"هاه؟ لما تجلس، أيها اللعين؟ أليس لديك احترام؟"
إذا وقف
"لا، هذا الوغد! هل رميت عقلك بعيدًا؟ ألم أخبرك ألا تقف؟"
"لكنك قلت ألا أجلس!"
"ها؟؟؟؟؟"
"آسف..."
وفي وقت الطعام كان وجه تشيونغ ميونغ منزعجاً وهو يحدق بهاي يون الذي كان يحاول تناول الطعام بعيداً عن الأنظار
"هل...فعلت شيئاً خاطئاً؟"
"لا، هذه هي المشكلة"
"هاه؟"
أو بلا سبب
"لقد أخطأت، أيها الشيخ."
"هاه، أخطأت؟ إذن فلتحصل على ضربة إن أخطأت!"
لشيء عابر.
"أوي، أنت!"
"نعم، أيها الشيخ."
"هل يمكنك رؤية ذلك؟"
أشار تشيونغ ميونغ بيده بعيدًاكما ضيق هايون عينيه وبدأ بالنظر، لكنه رأى فقط...
"جبل؟"
"ليس هذا، أيها الأحمق، خلفه!"
نظر هايون إليه بدهشة.
"كيف بإمكانه أن يرى ما خلف الجبل؟"
"هاه؟ ألا يمكنك؟"
"لا."
"هل تعتقد أن الأمر انتهى إذا لم يمكنك رؤيته؟"
ولأنه أصلع
" إذن، لقد فقدت شعرك؟"
"أجل، أيها الشيخ."
"ألن ينمو؟"
"هاه؟"
"لما؟"
"هاه؟"
"لا، هذا اللعين! أتحب لهذه الدرجة أن تكون من صلعان شاولبن؟ لما لا تذهب هناك، إذاً؟ لما تبقى هنا؟"
.................................
ظلّ الصمت يلفّ المكان كالكفن، ثقيلًا لدرجة أنه يكاد يُخنق الحياة نفسها.
لم يسمع بايك تشيون سوى دقات قلبه المتسارعة، كأنها موجات تسونامي تجتاح عقله. عرق بارد يلتصق بجبينه، وعيناه تتجولان بعصبية من زاوية إلى أخرى، وكأنها تبحث عن مخرج من هذا المأزق. كان يشعر وكأنّ كل أنفاسه مراقبة، وكأنّ كل حركة منه ستكشف سره.
توجه تشيونغ بنظرة ثاقبة نحو بايك تشيون، نظرة تحمل في طياتها الكثير من الأسئلة والاتهامات.
كانت عيناه تتألقان في الظلام، وكأنهما عينين لحيوان مفترس يترقب فريسته. لم ينطق بكلمة واحدة، لكن صمته كان أشد إيلامًا من أي صرخة.
شعر بايك تشيون وكأنّ الجدران تضيق عليه، وكأنّ الهواء يختنق في رئتيه. حاول أن يبتلع ريقه، لكن حلقه كان جافًا. كل خلية في جسده كانت تصرخ في رعب
كان الجو مشحونًا بالكهرباء، وكأنّ البرق قد يضرب في أي لحظة. وشعر بايك تشيون بأنّ حياته كلها تتلاشى أمامه، وأنّه على حافة الهاوية.
وفي تلك اللحظة بينما كان تشيونغ ميونغ يحدق به بصمت وحين كان على وشك فتح فمه
"أيها الشيخ"
تلميح الفصل
الحلم فيه ثلاث أجزاء
مشاعر الحيرة الانكار والشك هي المشاعر الي بتجتاحو بس يفيق وليس بداخل الكابوس
بالكابوس كانت مشاعره متضاربة ما شعور واحد
الجزء الأول من الحلم بكون الحقيقة الي هو مصدقها
الجزء التاني هو الحقيقة الي مكذبها
الجزء التالت هو حقيقي بس بنفس الوقت لا والحدث الرئيسي بصير بهاد الجزء
..................................
كان الجو مشحونًا بالتوتر، حيث ارتسمت ظلال القمر على الوجوه كأنها لوحات سريالية.
وعينا تشيونغ ميونغ المتقدتين كجمرتين مشتعلتين، وهو يحدق بحدة ببايك تشيون، محاولًا فك شفرة هويته الحقيقية.
الهواء كان بارداً، يهب بلطف، مختلطًا برائحة العشب الرطب والجبال، لكن ذلك لم يخفف من وطأة القلق الذي يتسرب إلى قلبه.
عندما نطق التلميذ فجأة بتلك الكلمات، تجمد تشيونغ ميونغ للحظة، وكأن الزمن توقف.
كان صداها يدوي في أذنه كجرس إنذار، ولكن سرعان ما استعاد توازنه، ونهض بسرعة، مشيًا بخطوات حاسمة نحو حافة السطح، حيث كان ملمس الأرض البارد يلتصق بأقدامه.
نظرته كانت تتنقل بين بايك تشيون، الذي وقف بذهول، وبين الفراغ الممتد أمامه، حيث كانت الجبال تحرس الأسرار القديمة.
"لم ينتهي حديثنا هذا بعد"
تحدث تشيونغ ميونغ بصوت بارد
" أيها الشيخ!"
التلميذ، الذي لاحظ الدماء المتسربة من يدي تشيونغ ميونغ، صاح بقلق
"يدك!"
لكن الأخير لم يعره التفاتة، وكأن الكلمات كانت رياحًا تتلاشى.
تسارعت خطوات تشيونغ ميونغ، وبدأ نبض قلبه يتزايد كدقات طبول الحرب، بينما كانت أنفاسه تتعثر في صدره، كأن كل ذرة هواء في تلك الليلة كانت تعانده.
وصل أخيرًا إلى باب غرفة أخيه، ودفعه بقوة، مما أحدث صريرًا كأنين روح محبوسة، ليعبر عن الفوضى التي تعم داخله.
عندما فتح الباب، كانت الأضواء خافتة، ورائحة الدواء تغطي المكان كغيمة ثقيلة.
وقف لحظة، محدقًا في تشيونغ مون الذي كان مستلقيًا على السرير. لم يكن بأحسن حال، لكن عينيه فتحتا أخيرًا.
كانت حالته تعكس معاناة الأيام التي قضاها بلا وعي.
جسده هزيل بشكل واضح، كأن الحياة قد تخلت عنه لبعض الوقت.
وجهه كان شاحبًا، بلون القمر في ليلة بلا نجوم، وعينيه مغلقتين، لكن جفونه بدت مرتخية، مما جعل ملامحه تعكس الضعف والهشاشة.
عندما تأمل في أخيه، كانت نظرته ضبابية، كما لو أن العالم من حوله كان يتشكل ببطء.
علامات التعب والإرهاق كانت واضحة على وجهه، كأن كل لحظة من الغيبوبة قد تركت أثرها.
لكن، وقبل أي شيء، كان حياً.
هذه الحقيقة وحدها كانت كافية، لذا تشيونغ ميونغ، الذي ابتلع مشاعره بداخله، شوه وجهه بانزعاج شديد.
"ساهيونغ إلى متى كنت تنوي النوم بحق؟، أتعلم كم كان من المرهق لي أن أتولى جميع أعمالك...آآآه كلما أتذكر ذلك يزداد غضبي"
لكن إجابة لم تأت من تشيونغ مون الذي ظل يحدق بتشيونغ ميونغ بصمت، كأن الكلمات قد تاهت في حلقه.
شعره الأسود كان فوضويًا، ينساب على كتفيه بشكل غير مرتب.
جسده مغطى بضمادات بيضاء، لكن تلك الضمادات لم تكن تكفي لإخفاء آثار الكدمات والجروح التي ما زالت تزين جلده، كما كانت دماء حمراء قرمزية تقطر من يده.
وعند رؤية الكم الفارغ بسبب ذراعه المقطوعة، عادت لذاكرته ذلك المشهد، كان مشوشاً بشكل كبير، حيث اندلعت الفوضى كعاصفة لا تُحتمل.
في عيني تشيونغ مون، تناثرت الجثث على الأرض مثل أوراق الشجر الميتة، وكل منها تحكي قصة من الألم والفقد.
بحر الدماء القاتمة كان ينساب كشلال أحمر، يبتلع ما تبقى من الأمل، ويترك في أعماق الهاوية شعورًا باليأس.
رائحة الدماء، مختلطة برائحة العشب المحترق، كانت تخنق أنفاسه، وكأن الهواء نفسه كان يحمل عبء الفوضى.
كانت أصوات الصراع تتعالى، صرخات الألم والجرحى تتردد في أذنه كأنها نغمات حزن، تملأ قلبه بالخوف والقلق.
افتقرت الأرض تحت قدميه إلى الرحمة، وهي تحتضن الجثث والأشلاء، وتذكره بأن الحياة هنا كانت هشة جداً.
في ذلك المكان كانت يد تشيونغ ميونغ تتدلى بلا حياة، الدماء تتدفق منها كالنهر المظلم، تنساب على الأرض القاسية.
لكن في تلك اللحظة، لم يكن لديه الوقت للتفكير في ذلك.
كان عقله مشغولًا بالصراع، وكأن الألم الذي بدأ يتسلل إلى وعيه كان غريبًا عليه.
بدلًا من أن يتراجع، كان يواصل القتال كأنه مجنون، عينيه لا تبتعدان عن الأعداء، بينما كان العالم من حوله يتحول إلى ضباب من اليأس.
كان هناك شعور بالفراغ في قلبه، وكأن كل شيء قد فقد معناه.
ومع كل لحظة تمر، كان اليأس يكتسح قلبه، كأنه طوق من حديد يضغط عليه بشدة.
لم يكن لديه ما يخسره، ولا أمل في النجاة.
كان يقاتل حتى آخر نفس، لكن تلك المعركة لم تكن سوى استنزاف لجسده وروحه.
في تلك اللحظة، أدرك أن الحياة لم تعد شيئًا يستحق القتال من أجله، بل كانت مجرد سلسلة من المعاناة التي لا تنتهي.
وبينما كان تشيونغ مون غارقًا في ذكرياته المظلمة، حيث كانت صور المعركة تتردد في ذهنه ككابوس لا ينتهي، انقطع صمته فجأة عندما سمع أصوات اندفاع التلاميذ القلقين إلى الغرفة.
كأنهم تيار من الطاقة المتفجرة، اجتاحت أصواتهم المكان، تتداخل مع همسات الرياح الباردة التي تسللت عبر النوافذ المفتوحة، مما أضفى شعورًا من الفوضى والارتباك.
"زعيم الطائفة! لقد استيقظت!"
"أخيرًا!"
"لقد نجونا!"
"زعيم الطائفة!"
"ااااه!"
تشيونغ مون، الذي شعر بشيء من السعادة عند رؤية الوجوه المتلألئة بالأمل، بدأ يتفحص تعابيرهم.
عيونهم كانت تتلألأ، ولكن في أعماقها كان هناك إرهاق واضح، كأن الظلال التي تلقيها الأضواء الخافتة كشفت عن معاناتهم.
كانت تلك الوجوه تحمل قصصًا من الفقد والصراع، وكأن كل واحد منهم كان يحمل عبء الأيام الماضية.
لكن لاحظ تشيونغ مون شيئاً غريباً في تعابيره بدت فرحتهم وكأنهم كانوا يتنفسون الصعداء بعد عاصفة.
"أخيرًا سنتخلص من هذا الشيطان!"
همس أحدهم بصوت متوتر، بينما أضاف آخر
"كان الأمر صعبًا في الأيام الماضية. القتال مع طائفة الشياطين كان أسهل."
عند سماع تذمر التلاميذ، حدق تشيونغ ميونغ بهم بحدة، وكأن نظراته كانت خنجراً يقطع الهواء، مما جعلهم يتراجعون قليلاً.
في لحظة، ساد الصمت، وكأن الكلمات تجمدت في حناجرهم. لم يستطيعوا إخفاء القلق الذي اجتاحهم، بينما تبادلت العيون نظرات مذعورة، كأنهم كانوا في مواجهة عاصفة لا يمكنهم الهروب منها.
تحولت ملامح وجه تشيونغ ميونغ من التعب إلى حدة، كأن تجاعيد الإرهاق قد تسارعت في التلاشي لتكشف عن عاصفة من الغضب.
كانت عينيه تتقدان بشعلة من الكراهية، تعكس الصراعات الداخلية التي تمرّ به كأمواج متلاطمة.
عرفت كل تفاصيل وجهه، من انقباض جبينه إلى تشنج فكيه، أنه كان على وشك الانفجار.
"ها؟؟؟؟ الطائفة الشيطانية؟؟؟"
نطق بها وكأن الكلمات كانت تتسرب من بين أنفاسه كسمٍّ قاتل. بدا كأنه شيطان خرج من الجحيم، ملامحه متجهمة، وعيناه تتسعان كأنهما تبحثان عن فريسة.
مد يده بسرعة إلى سيفه المعلق على جنبه، كأنما كان ينوي أن يُسقط غضبه على كل من حوله.
"لماذا لا أريكم كيف يكون القتال معهم، إذاً؟؟؟"
كانت كلماته تتفجر كالرعد، تحمل تهديدًا صريحًا، وكأنها تحدٍّ مفتوح.
لكن قبل أن ينفجر غضبه في وجههم، جاء صوت تشيونغ مون كنسمة هادئة وسط العاصفة.
"تشيونغ ميونغ."
كان صوته منخفضًا، لكنه يحمل ثقلًا من السلطة والتهديد.
"أنزل سيفك."
"تشه."
أخرج تشيونغ ميونغ زفيرًا مكتومًا، وعاد سيفه لمكانه لكنه ظل مُعبّرًا عن امتعاضه.
بدا على وجهه كأنه يقاوم أمواج الغضب، ومع ذلك، أطاع الأمر في النهاية.
خرجت تنهيدة خفيفة من شفتي تشيونغ مون، وهو يرى تعبير أخيه المتجعد، بينما ارتسمت على شفتيه ابتسامة حانية.
ما الذي فعلته بهم بغيابي؟
كانت تلك الفكرة تتردد في ذهنه، تحمل شعورًا بالقلق والتعاطف.
وفي تلك اللحظة، شعر تشيونغ مون بشيء غير مألوف يمسك بيديه، مما جعله يخفض بصره.
أغلق عينيه بسرعة، حيث كان النور مشعًا بشدة، لكنه سرعان ما تلاشى ليظهر رأس أصلع مستدير، وعيناه مليئتان بالدموع.
"هاه؟"
تمتم، متسائلًا عن هذا المشهد الغريب.
"أيها الراهب؟"
" لا، ما الذي يفعله هناك؟ "
"لماذا الراهب من شاولين أكثر سعادة من تلاميذ جبل هوا؟"
كان السيوف الخمس الذين نظروا لهذا المشهد العبثي حيث يكون تلاميذ جبل هوا سعداء بخلاصهم من الشيطان أكثر من سعادتهم بعودة زعيم الطائفة، بينما يكون راهب شاولين ممسكاً بيديه بسعادة والدموع تنهمر من عينيه.
ولكن قبل أن يتمكن تشيونغ مون من مواساته، جاءته ركلة قوية من تشيونغ ميونغ، أرسلته محلقًا بعيدًا.
"لا! هذا الوغد، ما الذي تفعله بالاقتراب من ساهيونغ؟ الوغد الأصلع الشبيه بشاولين!"
كانت كلمات تشيونغ ميونغ تتردد في الفضاء، كأنها صرخات في عاصفة بلا نهاية.
في تلك اللحظة، لم يعلم هاي يون أي الأمرين يحزن، كونه تم إلقاؤه بعيدًا أم شعوره بالإهانة عند وصفه بالشبيه بأوغاد شاولين.
"منذ متى أصبحت طائفة شاولين يمكن استخدامها كشتيمة؟"
كان هذا التساؤل يتردد في عقله، بينما كان يحاول استعادة توازنه، في وقت كانت فيه الفوضى تتصاعد حوله.
لم يلتفت تشيونغ ميونغ إلى هاي يون، بل أطلق صوته كالرعد في أرجاء الغرفة، مفعمًا بالغضب.
"ما الذي تفعلونه الآن؟ لماذا لا تعودون إلى غرفكم، أيها الأوغاد؟ تُزعجون شخصًا استيقظ لتوه؟ أليس لديكم عقل؟"
كلماته كانت كالسياط، تنغرس في قلوب التلاميذ، مما جعلهم يتراجعون بخوف.
بدأت نظراتهم تتبادل الحيرة والقلق، وهكذا، بدأ الجميع بالانصراف مسرعين، وكذلك السيوف الخمس همت بالخروج وحينها
" انت"
استدار جوغول بتعجب ونظر من حوله للتاكد ان كان المقصود
" اجل؟"
"خذه معك"
"هاه؟"
اشار تشيونغ ميونغ بذقنه نحو هاي يون المعلق بالحائط بانزعاج لذا اتجه جوغول مسرعا محاولا اخراجه ومن ثم سحبه بعيدا
كان رأسه الأصلع المستدير يرتطم بالأرض بشدة والدموع تتدفق من عينيه
"الوغد"
ومن ثم عاد الصمت ليغلف المكان من جديد، كغطاء ثقيل يغطّي الغرفة الهادئة.
ولم يبقَ سوى تشيونغ ميونغ وتشيونغ مون.
رمى تشيونغ ميونغ جسده على السرير، وكأن ثقل العالم قد انزلق على كاهله، وعبّر عن انزعاجه بوضوح.
كانت ملامح وجهه مشدودة، وعيناه تحملان وهج الغضب الذي لم يُطفأ بعد، بينما انحدرت زوايا فمه في تعبير عن الاستياء.
"لماذا أشعر أنهم يزدادون وقاحة هذه الأيام؟ هؤلاء الأوغاد."
"تشيونغ ميونغ"
كانت كلماته تتدفق كالنهر الجارف، محملة بإحباط متزايد.
"لاسيما ذلك الوغد. بالنهاية، الحمار الأصلع الوغد"
"تشيونغ ميونغ"
ثم ساد الصمت مرة أخرى، وكأن الغرفة كانت تتنفس بعمق، تنتظر ما سيحدث بعد ذلك. كانت الجدران تتردد بأصداء مشاعرهم، كأنها تشاركهما عبء الألم.
"هل أنت بخير؟"
جاء السؤال المفاجئ من تشيونغ مون، كنسمة هادئة تدخل الغرفة.
عند تلك الكلمات، توقف تشيونغ ميونغ عن الكلام كما لو كان صخبه السابق مجرد كذبة.
تجمدت ملامحه، وعاد إلى حالة من التأمل العميق، كأنه ينظر إلى أعماق نفسه، حيث تتصارع الذكريات والأحاسيس.
تأمل تشيونغ مون في وجه أخيه، الذي بدأ يتغير، من الغضب إلى الهدوء.
كان هناك شعور بالتحول، كأن الغيوم التي كانت تحجب الشمس بدأت تتلاشى.
كان للصمت ثقل خاص، بينما كانت الأنفاس تتداخل بينهما.
شعرت الغرفة كأنها شاهد على صراع داخلي عميق، حيث كان كل واحد منهما يحمل عبئاََ من التجارب والمآسي.
تحدث الصمت بلغة لا تحتاج إلى كلمات، كأنه يربط بين قلوبهم، يذكرهم بأنهما معًا في هذا الكابوس، رغم كل ما يحيط بهما من ظلام.
......................
مرت لحظة صمت ثقيلة في المكان، وبدا الزمان يتمدد والثوان تمر كساعات في المكان، ولم يُسمع سوى صوت تنفسهما المتلاحق.
لكن سرعان ما تمالك تشيونغ ميونغ نفسه، وابتسم ابتسامة عريضة، محاولةً منه لتلطيف الأجواء المشحونة.
"من يقلق على الآخر الآن؟ ألا ترى كيف هو جسدك؟ اااه ساهيونغ، يجب أن تكون ممتنًا لي،"
قالها بتعابير مرحة، لكن نبرته كانت تحمل شيئًا من السخرية.
لكن تلك الكلمات، التي كانت تحمل نبرة فكاهية، لم تستطع أن تُخفف من وطأة المرارة التي بدت على وجه تشيونغ مون.
تلاشى الابتسام من وجه تشيونغ ميونغ، وعاد للصمت، وكأن كلمات السخرية علقت في حلقه، وتحولت إلى رماد.
بعد برهة، استجمع تشيونغ مون أنفاسه وأخرج زفيرًا عميقًا، كأنه كان يخرج كل الآلام التي تراكمت في صدره.
لطالما كان تشيونغ ميونغ هكذا، يخفي جراحه وآلامه خلف كلماته، يصطنع الابتسامة ويتذمر.
لم يكن الأمر مجرد قناع، بل كان أشبه بخداع للذات.
لم يرغب في أن يشعر بالضعف ولو للحظات، لذا كلما اجتاحته تلك المشاعر، كان ينفضها سريعًا، ويستبدلها بتذمر وسخرية.
"تعال."
أشار تشيونغ مون لتشيونغ ميونغ بالاقتراب، لكن الآخر لم يفهم الإشارة.
تابع تشيونغ مون كلماته.
"هل كنت تتجول بهذا الشكل الفوضوي بين التلاميذ؟ ماذا عن كرامتك كشيخ؟"
أجابه تشيونغ ميونغ بلهجة مُتهكمة،
"كرامتي؟ يا ساهيونغ، هل تعتقد أنني أستطيع التفكير في كرامتي بينما أركض في ساحة المعركة؟"
كانت نبرته تحمل خليطًا من السخرية والألم، وكأن كل كلمة كانت تعبر عن صراعه الداخلي.
"لا، هل ستبدأ بالتذمر بمجرد استيقاظك؟ ما هذا؟"
كان صوته يحمل نبرة استنكار، لكنه أيضًا كان يحمل حبًا وقلقًا عميقين.
لكن وعلى الرغم من شكواه، جلس تشيونغ ميونغ بالقرب من تشيونغ مون، الذي التقط الضمادة الموضوعة بجانب السرير.
راح يضمد اليد الجريحة لتشيونغ ميونغ بحذر، حيث كانت حركاته دقيقة، لكنه كان يعبس وهو يقول
"عليك معالجتها بشكل صحيح لاحقًا."
رد تشيونغ ميونغ بعد أن سحب يده المضمدة،
"إنه مجرد خدش صغير، لا يحتاج هذا."
ولكن نظرات تشيونغ مون الحادة لم تفارقه، مما جعله يتنهد بعمق ويقول
، "أجل، أجل، فهمت."
ثم قال تشيونغ مون بإصرار،
"التفت."
"لماذا؟"
سأل تشيونغ ميونغ بتعجب، متظاهرًا بعدم الفهم.
"التفت!"
جاء الأمر أكثر إصرارًا، مما جعل تشيونغ ميونغ يشعر بجدية الموقف.
"حسناً."
وهكذا، التفت تشيونغ ميونغ، مانحًا إياه ظهره.
بدأ تشيونغ مون بتمشيط شعر تشيونغ ميونغ بيديه، بحركات لطيفة وحنونة، بينما تنساب خصلات شعره السوداء
كانت خصلات الشعر السوداء تنساب كخيوط من حرير تحت أصابعه. كل خصلة كانت تلمع برقة في ضوء القمر المتسلل من النافذة، وكأنها تحمل في طياتها ذكريات أيام مضت.
كانت الحركات لطيفة، وكأن تشيونغ مون يحرص على كل تفصيلة، متجنبًا أي سحب أو شد قد يسبب الألم لأخيه لكنه لم ينسى أن يتذمر حتى في تلك اللحظة الجميلة.
"ألم أخبرك أن على الطاوي الحفاظ على مظهر لائق طوال الوقت والاعتناء بشكله؟"
كان صوت تشيونغ مون يتسم بالقلق، على الرغم من نبرته الحادة.
"لا، ساهيونغ، هل تريد مني وسط ساحة المعركة أن أقول: أوه، انتظر لحظة، يجب أن أعدل ملابسي أو ما شابه؟"
كانت هناك تحدٍ في نبرة صوته، لكنه أيضًا كان يحمل لمسة من الفوضى الداخلية، كأنه يحاول أن يبرر لنفسه خياره.
"هل هذه ساحة معركة؟"
سأل تشيونغ مون، وهو ينظر إليه بجدية، كأنما يحاول استنكار عدم مسؤولية أخيه.
"أنت هنا لتكون قدوة، لا لتكون فوضويًا. ماذا سيقول التلاميذ عنك؟"
حينها نقر تشيونغ ميونغ بلسانه وراح يهز رأسه
"تسك تسك لم أعلم أن ساهيونغ سيكون جاهلاً هكذا"
"هاه؟ أنا؟"
اتسعت عينا تشيونغ مون بدهشة،
"ساهيونغ ألا تعلم؟، الحياة أشبه بساحة معركة."
كان تشيونغ مون عاجزاً عن النطق أمام هذا الهراء المفاجئ، لكن قد فات الآوان لإصلاحه وقد سبق السيف العدل.
ومن ثم بعد لحظة من الهدوء قال تشيونغ ميونغ
"ساهيونغ، لا تفقد الوعي مرة أخرى"
كانت النبرة هادئة وقلقة بحق وهذا جعل تشيونغ مون على وشك التأثر للحظات، لكن استمر تشيونغ ميونغ قائلاً
"لقد اضطررت للقيام بعملك لمدة عشرة أيام! عشرة أيام! الآن عرفت لماذا لم تتزوج ساهيونغ، لن يكون لديك وقت لرعاية أطفالك."
"إنه بسببك، إنهأنت... أنت السبب الأكبر لمشاكلي وعدم زواجي!"
قالها تشيونغ مون بنبرة مختلطة من الجدية والامتعاض.
لكن تشيونغ ميونغ تابع حديثه، غير مدرك لافكار تشيونغ مون، وابتسامة عريضة تتألق على وجهه.
"لا تقلق، ساهيونغ، سأعتني بأطفالك جيدًا! هيهيهي! لذا تزوج وأنت مرتاح البال."
كانت تلك اللحظة التي كان فيها تشيونغ مون فخورًا بشكل كبير لعدم زواجه بعد.
مجرد تخيل اثنين من تشيونغ ميونغ كان كفيلًا بجعل معدته تلتوي بشدة، وكأنه يحمل رعبًا لا يُحتمل.
وأخيراً بعد أن انتهى من تمشيط شعره، وكان يبحث عن شيء يربط به شعر تشيونغ ميونغ لكنه تفاجئ برباط أخضر ممدود أمامه.
كان تشيونغ ميونغ الذي أخفى وجهه قد أعطاه الرباط الذي كان يحتفظ به في جيبه، رباط مصنوع من قماش ناعم باللون الأخضر المميز لعائلة تانغ.
ببطء، قام تشيونغ مون بجمع خصلات الشعر المتناثرة. بينما كان يربط الرباط الأخضر حول الشعر، كانت يده تلامس جلد رأسه برفق، وكأنها تنقل له شعور الأمان.
الرباط كان يشد الشعر بلطف، مما أعطى مظهرًا أنيقًا، وكأنما كان يجمع بين الفوضى والترتيب في آنٍ واحد.
ومن ثم نظر تشيونغ مون إلى وجه أخيه، وكانت الابتسامة تعكس الفخر والحنان.
"ها قد أصبحت أفضل الآن،"
"هذا مزعج"
راح تشيونغ ميونغ يتحسس رأسه، فبعد أن كان يربطه بشكل عشوائي وفوضوي بدا الآن منظماً بشكل أنيق.
لكن تشيونغ مون تجاهل تذمره هذا بدقة وتحدث بحدة
"حسناً، فلتذهب الآن."
"هاه؟"
جاء رد تشيونغ ميونغ باندهاش.
"يجب أن تتلقى العلاج بشكل صحيح."
كان صوته يحمل نبرة من الإصرار.
"ما الذي تتحدث عنه، ساهيونغ؟ هل أثرت إصابتك على دماغك؟"
سأل تشيونغ ميونغ، معبّرًا عن استغرابه.
"أيها الوغد، أراهن أنك لم تتلقَ علاجًا صحيحًا منذ ذلك الوقت!"
كان تشيونغ مون يحدق فيه بحدة، وكأنما يحاول تحذيره.
"لا، ولكن هل هذا مهم الآن، ساهيونغ؟ ألا تريد معرفة ما جرى؟"
كانت نبرة تشيونغ ميونغ تحمل مزيجًا من الإلحاح والانزعاج.
"اذهب الآن."
أصر تشيونغ مون، وكأنه يحاول قطع الحوار.
"ساهيونغ!"
حاول تشيونغ ميونغ التمسك بالحديث.
"لا تعد قبل أن تعالج بشكل صحيح!"
جاءت كلماته كأمر لا يقبل الجدل.
عبس وجه تشيونغ ميونغ وهو يغادر الغرفة، يتذمر ويتخبط بقدميه.
"لا، أنا الذي كنت قلقًا عليه، ويعاملني هكذا! بحق الإله، أليس من الصعب عليه مدحي قليلاً؟ لقد قطعت رأس تشونما اللعين واعتنيت بالطائفة بشكل جيد، جيد جدًا!"
وكأن تلك الكلمات كانت تعبيرًا عن استيائه.
لكن لحظة من الابتسامة ارتسمت على وجه تشيونغ ميونغ عند تذكر ما فعله قبل أيام، وشعر بانتعاش في معدته، لكنه سرعان ما عاد للتذمر من جديد.
"ذلك الشيطان المتذمر لا يمكنه قول كلمة جيدة بعد جر الناس هنا وهناك! تبا لهذا!"
.......................
انتقل هيون جونغ إلى الصفحة التالية في دفتر تشيونغ ميونغ، وكأن قلبه كان ينبض بشغف كلما اقترب من الكلمات التي تحمل عبء الذكريات.
*ساهيونغ، لا أعتقد أنني أخبرتك بهذا من قبل.*
تلك الكلمات كانت كالصدى الذي يتردد في عمق روحه، تحمل بين طياتها قلقًا وندمًا.
* ليس من طبيعتي قول شيء كهذا، من الممتع أكثر إغاظتك، لكن.....*
* أنا حقًا ممتن وأسف.*
كانت العبارات تتشابك معًا، تخلق صورة مؤلمة عن صراع داخلي.
"لو أنني استمعت إلى كلماتك."
"لو أنني لم أكتفِ بالتذمر والتسبب بالمشاكل."
شعر هيون جونغ بثقل تلك الكلمات، كما لو كانت أحمالًا مثقلة على كاهله. كانت هناك رائحة عفنة من العرق واليأس تفوح من الكلمات، وكأنها تنقل له شعورًا بالعجز.
*لو أنني اهتممت بتدريبي أكثر.*
*لو كنت أقوى.*
*هل كانت النتيجة ستختلف؟*
تجمدت أنفاسه، وكأن تلك الكلمات قد نحتت في قلبه. كيف يمكن لفتى في العشرين أن يحمل كل هذا الندم؟ كانت مشاعر تشيونغ ميونغ تتدفق من الصفحات، وكأنها نهر من الألم والحنين، تدعوه إلى الغوص في أعماق معاناته.
ثم انتقلت أصابعه نحو الصفحة التالية، وكأن قلبه كان يتسارع في صدره. كانت تلك الصفحة مغطاة بأثر من الدماء، وظهرت كأنها جزء من قصة مأساوية.
*ساهيونغ، اليوم كان هناك هجوم من قبل سابا وتحالف الشر*
*حدث هذا حينما ابتعدت للحظة.*
شعر هيون جونغ بقشعريرة تمر في جسده، وكأن الرعد يزمجر في السماء، عند تذكر ذلك اليوم
*لقد فقد أحد التلاميذ ذراعه*
* لو كنت أسرع قليلاً، هل كنت سأتمكن من حمايته؟*
تجمدت أنفاسه مجددًا. كان هناك ألم واضح في تلك الكلمات، كأنها تنقل له صرخات الألم التي لا تُسمع.
*كانت تلك هي المرة الأولى في جبل هوا هذا... التي لوحت فيها بالسيف للقتل، وليس سيف البركان.*
*ذكرتني رائحة الدم والألم المنتشرة تحت المطر بساحة معركة مألوفة، مما أعطاني إحساسًا مرعبًا بالانفصال.*
تلاشت الألوان من وجه هيون جونغ، وهو يتذكر ذلك اليوم من جديد، ذلك الكابوس المأساوي الذي حل على جبل هوا
*حاولت جمع أفكاري المشتتة، لكن الأمر لم يكن سهلاً.*
كانت هناك مشاعر من الضياع، كأن عقل تشيونغ ميونغ كان يتنقل بين ذكريات مرعبة.
لم يعلم أي ذكريات هي تلك لكن لم تكن كلماته إثر صدمة، لكنها أخفت بداخلها خوفاً عميقاً.
*بطريقة ما، حينها ألمتني ذراعي اليسرى السليمة أكثر من الجرح الذي اخترقه السم.*
شعر هيون جونغ بأن تلك الكلمات كانت تعبر عن الألم النفسي الذي لا يمكن رؤيته، وكأن الجرح الداخلي كان أشد فتكًا من أي إصابة جسدية. ألمٌ صامت، يلتهم الروح.
لكنه لم يعلم، كيف أن ذلك اليوم أعاد له ذكرى الحرب اللعينة وألم الذراع المقطوعة والفقد المرير.
"أعتقد أنني لن أتمكن من النوم لفترة."
"كل شيء هنا قاتل، ولكنني لم أمت."
"إلا أنني دفنت روحي منذ وقت طويل."
تجمد قلب هيون جونغ، وكأن تلك الكلمات قد شقت طريقها إلى أعماق روحه. دفن روحه؟ كيف يمكن لشخص أن يعيش بينما يكون قد دفن جزءًا من نفسه؟ كانت تلك الجمل كالعواصف التي تتجمع في سماء روحه، تثير الاضطراب والألم.
تذكر كيف عاد تشيونغ ميونغ ذات يوم، مصابًا بجروح خطيرة، ومع ذلك كان يصرخ بأنه لن يموت، ويمازح كالمعتاد.
كانت تلك اللحظات تخفي وراءها شعورًا عميقًا باللوم، والألم الذي نقش في مكان لا يستطيع أحد رؤيته.
شعر هيون جونغ بأن الكلمات التي قرأها كانت تعبر عن مأساة عميقة، وكأن تشيونغ ميونغ كان يحاول أن يُظهر القوة، بينما كان يصارع الظلام الذي يكتنفه.
وكلما قرأ أكثر، كانت تلك المشاعر تتعمق، كالغوص في نهر عاصف، يستحضر ذكريات الألم والفقد.
تلميح الفصل
مشاعر تشيونغ ميونغ كانت مألوفة بالذكرى الأولى والثانية شعر أنها مألوفة بغض النظر عن طريقة تفكيره بشأنها
بس الجزء الثالث كان متل متفرج شي غريب ومنفصل
يمكن لتشيونغ ميونغ الحقيقي كان هداك الجزء الي في أعمق مشاعره
تعليقات
إرسال تعليق