الفصل السابع عشر

 جبل هوا هو جبل هوا 


اتسعت عينا هيون جونغ بصدمة، إذ لاحظ شيئًا غريبًا بارزًا من أسفل السرير.

كان طرفه الظاهر أسود اللون، مما دفعه لتضييق عينيه في ريبة محاولاً لفهم ما يراه.

"أهذا رداءه؟"

همس لنفسه، وعقله يسرح في ذكريات تشيونغ ميونغ، ذلك الفتى الذي كان يرتدي لباسًا أسود ضيقًا كالسارق كلما خطط لمشكلة ما.

تلك الذكريات كانت كخيوط من الشوك تلتف حول معدته، مما جعله يهز رأسه في محاولة لطرد تلك الأفكار المقلقة.

وضع الرباطات جانبًا، واندفع نحو الشيء الغامض، كأنه كان مدفوعًا بقوة خفية.

"هذا..؟"

تمتم، وهو يسحب الشيء برفق، ومع الحركة، بدأ الشيء يتضح أمامه.

"دفتر؟"

بدا كأنه شيء مُخبأ بعناية، كطفل يحتفظ بسرّه الثمين.

شعور غريب اجتاح هيون جونغ، إذ لم يكن من الغريب وجود دفتر في غرفة تلميذ لطائفة طاوية، لكن الأمر كان مختلفًا تمامًا عندما يتعلق الأمر بتشيونغ ميونغ.

لم يستطع هيون جونغ تخيل تشيونغ ميونغ وهو يمسك كتابًا ويقرأه بعناية، باستثناء دفاتر الحسابات المالية التي كان يتفحصها بدقة كمحصلي الضرائب.

كان غلاف الدفتر باللون الأسود القاتم، كسماء الليل الخالية من النجوم، وفي منتصفه، كان هناك رمز جبل هوا، زهرة البرقوق الحمراء، مرسومة بدقة وكأنها تعكس شغفًا دفينًا.

فتح هيون جونغ الدفتر بترقب وفضول، قلب الصفحات بسرعة، والتي كانت مهترئة ومتجعدة، وكأنها تحمل قصصًا مؤلمة.

كان الخط في بعض الصفحات كان أنيقًا ومرتبًا، والكلمات تنساب بسلاسة.

لكن في صفحات أخرى، كانت الكتابة فوضوية، وكأن الفتى كان يحاول التعبير عن مشاعر متضاربة، مما جعل الحروف تتداخل وتتراكب، وكأنها تنفجر من قلبه.

و في بعضها، توقفت الكلمات في منتصف السطر، كما لو أن الكاتب قد قُطع عن أفكاره بصدمة، مما جعل هيون جونغ يشعر بضغط في صدره.

بعض الصفحات كانت مجعدة بشدة، وأخرى ممزقة، وبدا على بعضها آثار مياه جعلت الحبر الأسود يتسرب، مما أضفى طابعًا من الارتباك على المحتوى، لم يعلم أكانت عرقاً أم دموعاً ابتلعها بصمت.

لكن ما أثار قلقه أكثر كانت تلك الصفحات التي احتوت على آثار سوداء قاتمة، في البداية كان غير قادر على تحديد ماهيتها. لكن عند التفحص بتمعن، أدرك الحقيقة المروعة.

"دماء؟"

همس، وقد تسللت قشعريرة إلى عموده الفقري.

عند رؤية تلك الدماء، انتشرت في ذهنه صورة تشيونغ ميونغ، الذي يقف أمامه بابتسامة، بينما جسده مثخن بجراح حادة، بملابس ممزقة ودماء تتدفق من آثار المعارك التي خاضها.

شعور بالانقباض اجتاح قلب هيون جونغ، لكنه دفعه لمتابعة تفحص الدفتر.

لم يكن ينوي قراءة محتواه حتى لا يتطفل على خصوصية تشيونغ ميونغ، لكن استوقفته صفحة بدا نصفها ممزقًا، وعليها آثار خدوش، بدا كما لو أنه تمسك بها بشدة وهو يصارع بكتابتها.

بدأ هيون جونغ بقراءة ما تبقى من الكلمات بتوتر، كأن كل حرف كان ينطق بمعاناته

"ساهيونغ.."

"أنا... هل أفعل الصواب؟"

كانت تلك الكلمات على الصفحة الممزقة تحمل مشاعر تشيونغ ميونغ الحقيقية، تلك المشاعر التي كان هو نفسه يرفضها.

شعور بالبرودة تسرب إلى جسده، بينما كانت تلك الكلمات المهزوزة والضعيفة تبدو متناقضة تمامًا مع شخصية تشيونغ ميونغ القوية.

تشيونغ ميونغ دائمًا ما كان يقف أمامهم واثقًا، يتخذ قراراته بلا تردد، كما لو أنه لا يشك ولو للحظة واحدة بنفسه.

تلك الثقة كانت السبب في اعتماد الجميع عليه، بما في ذلك هيون جونغ، الذي كان يتأمله بشيء من الحسد والألم.

على الرغم من كونه زعيم الطائفة، إلا أنه شعر بالعجز، وكأن الجبال نفسها كانت تثقل كاهله.

كان كل ما استطاع فعله دوماً هو الانتظار في صمت، مخفيًا قلقه واضطرابه، كما هو الحال الآن، حيث كان يصارع السيوف الست لإنقاذ تشيونغ ميونغ المحاصر بذكرياته.
لم يكن الأمر بيده،
كان يخشى،
ويتردد آلاف المرات،
غير مدرك لأي طريق يجب أن يسلكه.

وفي تلك الأوقات، كان تشيونغ ميونغ دائماً ما يقف أمامه، يرشده للطريق الصحيح بثقة، وكأن لا شيء يمكن أن يقف في طريقه.

"....لم .أكن أعلم."

تسربت من فمه كلمات خافتة، تعبر عن عجزه وضعفه. أعاد قراءة تلك الكلمات مرارًا وتكرارًا، وكلما فعل ذلك، زاد إدراكه للواقع الذي طالما تم نسيانه أمام تلك الابتسامة الراسخة.

تشيونغ ميونغ كأي شخص آخر كان

يتردد

يعاني

يتخبط

كان إنساناً  من لحم ودم

..............

"تشيونغ ميونغ هذا..."

حاول بايك تشيون التدخل، لكن صوته كان يرتجف في الهواء، وكأن الكلمات تتصادم مع جدران الفضاء، كان جسده يتراقص بين الرغبة في الإنقاذ والخوف من العواقب.

"تشيونغ ميونغ؟؟"

"هاه؟"

نظر تشيونغ إليه ببرود، وعيناه تسطعان بتهديد بارد.

كان صمته أكثر فتكًا من أي كلمة قد تُقال. كل جسد جوغول، وبايك، ويونغ جونغ كان مشدودًا، كأنهم ينتظرون حكمًا لا مفر منه.

"هل ماتت الأخلاق بالطائفة في غيابي؟"

كانت تلك هي اللحظة التي أدركوا بها أن الشخص الذي يقف أمامهم الآن لم يكن هو تشيونغ ميونغ نفسه، بل كانوا أمام الحضور المهيب لقديس السيف.

كان تشيونغ قد تحول، وكأن روحه قد استحضرت قوة قديمة، قوة تفيض منها هيبة لا تُضاهى. كلما زادت حدّة الموقف، كلما ازدادت هيبته، وكأنما كانت الطاقة تتدفق من جسده كالنهر المتدفق.

"هذا..."

اخترقت نظرات تشيونغ ميونغ الحادة جسد بايك تشيون، الذي سارع بتصحيح كلماته بصعوبة، وجهه شاحب وكأن الدم قد تجمد فيه.

"أعني، أيها ....الش...يخ، يمكنني أن أشرح هذا."

"أنا استمع."

كان صوت تشيونغ منخفضًا، لكنه حمل في طياته عاصفة من الغضب المحتدم، مما جعل الجميع يشعرون بأنهم محاصرون.

بايك تشيون، الذي نال فرصة للحديث أخيرًا، يعاني من ضغط هائل. كيف يمكنه تبرير الأمر في هذا الموقف المقلق؟

"إذا؟"

جاءت الكلمات مفاجئة، وبسبب ضغط تشيونغ ميونغ، تكلم أخيرًا

"فقده"

"هاه؟"

كانت دهشة تشيونغ واضحة، لكن صوته لم يفقد برودته.

"لم يحلق شعره بل فقده."

"هاه؟"

بايك تشيون، الذي بدأ ببصق أي كلمات تخطر على باله بتوتر، تابع مندفعًا

"لقد فقده مع تقدم السن، كان شعره طويلاً ولامعًا ولكن..."

تظاهر بايك تشيون بالتأثر بينما لحقته السيوف الخمس بهذه المسرحية الهزلية.

"هذا صحيح."

"المسكين."

"لا بأس."

"تشجع."

اتسعت عينا هاي يون وهو يحدق بهم بذهول، بينما بدا على وجه تشيونغ ميونغ، الذي استعاد هدوءه، علامات الارتباك وهو يقلب بصره بين السيوف الخمس وهاي يون، الذي بدأت عيناه الكبيرتان تفيضان بالدموع.

"...."

"هذا.. أنا آسف."

"لا بأس، يمكن أن يحصل ذلك."

"ابتهج."

"شكرًا لك.. أيها الشيخ."

كان صوت هاي يون ضعيفًا، وكأن الكلمات خرجت منه بمشقة.

"الأوغاد."

همس هاي يون، بينما كانت نظراته تتبدل بين الضحك المحرج والغضب، كما لو كان يرسم حدودًا بين الحياة والموت.

تلاشت التوترات في الجو، لكن الشرارات من الغضب لا تزال مشتعلة في عيني تشيونغ، بينما بدأ الآخرون يشعرون بالارتياح مع تلاشي حدة الموقف.

كانت اللحظة تجسد توازنًا غريبًا بين الخوف والسخرية المظلمة، حيث كانت الأجواء محملة بالتهديد، لكنها أيضًا كانت تتسم بنوع من العبثية التي لا يمكن تجاهلها.

وفي تلك اللحظة

"تشيونغ ميونغ"

.................

"ارفع يدك بشكل صحيح!"

صرخ تشيونغ مون، وعينيه تتألقان بالغضب، كان وجهه متجهمًا، وذقنه مشدودًا.

"تشه."

تشيونغ ميونغ الذي استقبل تلك العيون الحادة يده بسرعة نحو الأعلى، لكن داخله كان يستمر بالتذمر.

"ما الذي فعلته بشكل خاطئ؟ لقد أخبرته، ذلك الديكتاتور الظالم فقط يبحث عن فرصة لتوبيخي."

كانت نبرة صوته تحمل استنكارًا واضحًا، بينما كان يعبس وجهه، ملامح الانزعاج تتلاعب على شفتيه.

لكن سرعان ما هدأت مشاعره عند رؤية وجه تانغ بو المنتفخ بشدة، ملامحه مشوهة، وعيناه تتوسلان الرحمة.

"لا أبها الرف نا ثيخ للعالة هذا كشير تى أها لم تئن فلطتي"

(لا، أيها الرب، أنا شيخ للعائلة، هذا كثير! حتى أنها لم تكن غلطتي!)

جاءت كلمات تانغ بو مموهة وصعبة الفهم، وكان يتجنب النظر إلى تانغ باك كأنه يخشى أن تتجدد معاناته.

ابتسم تشيونغ ميونغ بشكل غير إرادي، وبدأت ضحكات خفية تتسرب من فمه، بينما كان قلبه يشعر بشيء من السعادة.

فعلى الرغم من أنه تعرض للضرب أيضًا، إلا أنه تفادى معظم الضربات بمهارة.

لكن تانغ بو كان عاجزًا عن فعل ذلك، مما زاد من استيائه، التفت تانغ بو نحوه ليشاهد وجهاً هو الأكثر إزعاجاً

"هاهاها! هل تظن أنني فعلت هذا مرة أو مرتين؟ من السهل تفادي ضربات ساهيونغ!"

كان **تشيونغ ميونغ** يتحدث بنبرة مرحة، وعيناه تلمعان بسخرية، وكأنما يستمتع بموقفه.

شعر تانغ بو بالغضب يتصاعد في داخله، بينما كان يحدق في تشيونغ ميونغ بنظرات قاتلة. كانت عروق وجهه بارزة، وكأنها تعبر عن نيران الغضب المتأججة في داخله.

"الوغد."

وبينما كان تشيونغ ميونغ يستمتع باللحظة، ناداه تشيونغ مون مجددًا، لكن هذه المرة بنبرة أكثر حدة.

"تشيونغ ميونغ."

"....."

ظل تشيونغ ميونغ صامتًا للحظة، كأنه يتجنب مواجهة الغضب المتزايد.

"تشيونغ ميونغ."

"نعم؟"

أجاب بحذر، وعيناه تتسعان قليلاً.

"هل يمكنك أن تشرح الأمر بشكل صحيح الآن؟"

جاء السؤال بصرامة، مما جعل تشيونغ ميونغ يتمتم بصوت خافت، وجهه يعكس تذمره.

"لا ما هذا بحق؟، أنت حتى لم تستمع إلي وقمت بضربي هكذا."

خرجت تنهيدة عميقة من فم تشيونغ مون، بينما كان يراقبه بعينين متعبتين، كأنه يحاول احتواء الفوضى التي أحدثها.

بينما كان تانغ باك يراقب هذا المشهد بصمت وإعجاب عميق، كانت ملامحه تظهر اهتمامًا كبيرًا.

لقد كان تشيونغ مون قادرًا على جعل هذا الكائن المتوحش يجلس بصمت، رافعًا يديه.

لهذا السبب هو زعيم طائفة جبل هوا.

كان هذا ما سيجعل سمعة السيف العظيم لجبل هوا ترتفع بقوة فيما بعد، حيث سيقال:

"السيف العظيم قادر على جعل حتى الوحوش تفهم لغة البشر."

لكن هذه قصة أخرى، لوقت بعيد...

...............................

بينما كانت سوسو تصر على أسنانها بقوة، محاولة كبح الغضب الذي يتدفق داخلها.

يداها كانت تتحركان بسرعة فائقة، كأنهما ريشة في مهب الريح، بينما تغرز الإبر الفضية لعائلة تانغ المحملة بطاقتها الداخلية في جروح الجرحى، وكأنها تسكب الأمل في عروقهم.

"التالي!"

خرج من فمها صوت حاد وقوي، يملأ المكان كصوت جرس يدعو إلى العمل. كانت عيناها، المشتعلتان كجمرتين، تعكسان الكراهية والغضب العميق تجاه الطائفة الشيطانية التي كانت السبب في هذه المأساة.

كل جريح تتعامل معه كان بمثابة صرخة احتجاج على الظلم الذي وقع عليهم، مما جعل قلبها يغلي كالحمم البركانية.

عندما رفعت بصرها باتجاه التلاميذ، لاحظت تراجعهم قليلاً للوراء برهبة، كأنهم قد رأوا شبحًا.

"لما لا تذهب أنت؟"

همس أحدهم، بينما كان صوته يرتجف في الهواء.

"ساهيونغ، إن إصابتك أكثر خطراً مني!"

أضاف آخر، لكن سوسو لم تلتفت لحديثهم.

"ألن تأتوا؟"

خرجت الكلمات من بين شفتيها المطبقتين كفوهة بركان، لم يكن ذلك غضب سوسو موجهاً نحوهم.

إنما كان نتيجة للمشاعر التي تتصارع بقوة في أعماقها، كأمواج تتلاطم على صخور جرف صخري.

بينما كانت تكبت غضبها، عبرت عن ذلك بملامح وجهها القاسية.

شفتاها المشدودتان، وتعبيرات وجهها التي تحمل ثقل الألم الذي لا يُحتمل، كانت تنبئ عن صراع داخلي عنيف.

كل جريح يمر أمامها كان كأنه يحمل جزءًا من عذاباتها، مما زاد من شعورها بالمسؤولية العظيمة تجاههم.

"هل ستأتون أم أتي إليكم؟"

شق صوتها الهادر سكون المكان كخنجر حاد ، مما دفع التلاميذ للتحرك بسرعة وتلبية ندائها.

لكن في تلك اللحظة، وبينما كانت سوسو على وشك الالتفات، توقفت فجأة.

جسدها، الذي اعتاد على الحركة، كأنما يرفض التحرك، كما لو كانت غرائزها تصرخ لتمنعها من اتخاذ أي خطوة.

بدا المكان وعلى الرغم من صخبه ساكناً من حولها، كان بإمكانها الاستماع بشكل جيد لصوت ضربات قلبها، كل دقة كانت تردد صدى الرهبة في روحها.

لم تخرج الأنفاس من فمها، وكأن الهواء قد تجمد في صدرها.

بصعوبة، أدارت وجهها باتجاه مصدر تلك الهالة القاتلة.

هناك، في ضوء الشمس الخافت، كان تشيونغ ميونغ واقفًا كتمثال من الجليد، سيفه اللامع مصوبًا نحو رقبة هاي يون.

كانت تلك اللحظة كالصاعقة، حيث اجتاحت سوسو مشاعر متناقضة؛ الرهبة، الخوف، والقلق، جميعها تجمعت كعاصفة في أعماقها.

كان كل شيء من حولها يتلاشى، والألوان تتبدد، كأن العالم قد غاب عن الوجود.

فقط تشيونغ ميونغ، بوجوده المهيب، كان يتجسد ككابوس، يلوح في الأفق، محتجزًا كل الأمل في قلوبهم.

"ساهيونغ؟"

خرج من فم سوسو صوت متردد، يكافح للخروج كعصفور جريح.

على الرغم من المسافة التي تفصلها عن المشهد أمامها، إلا أن نية القتل الغامرة قد تسللت إلى جسدها، قيدت حركتها وكأنها سلاسل من حديد.

شعرت أن كل جوارحها تصرخ وتحذرها، وكأنها في قلب عاصفة، تدرك أن اللحظة التي تتحرك فيها ستكون نهاية حياتها.

لم تستطع تحريك عينيها عن المشهد المروع.

بدا كل شيء ضبابيًا من حولها، كما اختفت الأصوات من المكان، تاركةً فقط صدى دقات قلبها التي ترددت في أذنيها كجرس إنذار.

فجأة، سوسو التي سمعت صوت ارتطام معدن بالأرض، حولت بصرها للأسفل.

كانت الإبر الفضية، التي كانت في يديها، مترامية على الأرض، وكأنها تجسيد لفشلها. جسدها ارتعش بشدة، كقصب رفيع في مهب الريح، مستسلمًا لنوبات الرعب التي اجتاحت أعماقها.

"أهذا حقًا ساهيونغ؟"

همست، وكأن الكلمات لم تكن سوى خيط رفيع من الأمل يتلاشى في الهواء.

لكن، وكما لو كان كل ذلك كذبة، تلاشت تلك النية القاتلة كالسراب.

أطلقت شهيقًا قويًا، وانهارت على الأرض، تتنفس بقوة كما لو كانت تعيد اكتشاف الحياة بعد غياب طويل.

لم يكن حال السيوف الخمس أفضل؛ بل كان وضعهم أسوأ.

كانوا على مسافة قريبة من تشيونغ ميونغ، وبالأخص هاي يون، الذي وقف متجمداً في مكانه، غير قادر على الحركة.

في هذا الموقف كان حتى التنفس يمثل تحديًا صعبًا بالنسبة له، كما لو كان يصارع رئتيه اللتان قد أغلقتا.

تلاشت نية قتل تشيونغ ميونغ من المكان، وعادت الأجواء الهادئة، لكن على الرغم من ذلك، كان السيوف الست غير قادرين على الحركة، بأطراف مرتعشة وأنفاس ثقيلة.

كانت أبصارهم مرتكزة نحو تشيونغ ميونغ، الذي رمقهم بطرف عينه، بينما يعيد سيفه الحاد لغمده، وكأنما كان يفعل ذلك بحركة رشيقة، تُظهر قوة لا تُضاهى.

بعد لحظة من الصمت، تحدث بصوت بارد كالجليد، عميق كبئر سحيق، يخترق الأذن كسهم ويترك خلفه شعورًا بالرعب يجلد الأعصاب.

"تحركوا."

عندما سمعوا هذا الصوت، تحركت أجسادهم من تلقاء نفسها.

كان الخوف الذي حفر عميقًا في أرواحهم يدفعهم لتنفيذ الأمر، وقبل أن يستوعب عقلهم ما يحدث، انطلق السيوف الخمس بسرعة لمساعدة التلاميذ الآخرين.

بينما كانت نظرات تشيونغ ميونغ تعود لوهلة نحو هاي يون، الذي كان ما يزال متسمراً في مكانه، سرعان ما ابتعد تشيونغ ميونغ عن المكان بهدوء، كأنما كان يترك خلفه أثراً من الرهبة، ويشعل في قلوبهم شعلة من الخوف والتحدي.

.................

عادت يدا هيون جونغ إلى بداية الدفتر، وعقد ذراعيه ببطء، كمن يستعد للغوص في بحر من الأسرار.

بدأ يقرأ الكلمات المكتوبة بتمعن، وعيناه تتنقلان بين الحروف كما لو كانا يتلمسان جراحًا قديمة.

**"ساهيونغ"**

**"لقد عدت.. إلى جبل هوا"**

**"لكن"**

اتسعت عينا هيون جونغ بدهشة، وكأن صدمة كهربائية قد مرت عبر جسده.

"عاد؟... ما الذي يعنيه هذا؟"

تسارعت دقات قلبه، وظهر تعبير من عدم التصديق على وجهه.

كانت لديه فكرة غامضة عن علاقة تشيونغ ميونغ بجبل هوا، فقد كان معظم التلاميذ يظنون أنه ابن أحد الأعضاء الذين فروا من الطائفة.

لذا، لم يبدو أن استخدام تعبير "العودة" غريبًا في هذا السياق. لكن ما جعل هيون جونغ يتساءل، كانت الكلمات التي تلت ذلك.

**"جبل هوا لم يكن نفسه"**

أثارت هذه العبارة شعورًا غريبًا في صدره، وكأن صدى الكلمات يدق على أبواب ذاكرته، مذكرًا إياه بالتغيرات التي شهدها الجبل.

"ماذا يعني بذلك؟"

**"عند رؤية ذلك أدركت الأمر"**

هز هيون جونغ رأسه، كأنما يحاول طرد أفكار مزعجة. كانت تلك الجملة تحمل ثقلًا، وكأنها تعبر عن إدراك مؤلم.

**"آه لقد تركت وحدي"**

شعر بشيء ثقيل يجثم على قلبه، وكأن الدفتر أصبح مرآة تعكس آلام تشيونغ ميونغ.

*"وحدي"*

كانت الكلمة تتردد في ذهنه كصدى بعيد.

في تلك اللحظة، أدرك هيون جونغ كم كان الفتى الصغير يعاني في صمته، وكيف كانت الوحدة تأكل في روحه.

**"لم يبقى أحد"**

انقبض قلبه، وكأن جرحًا قديمًا قد فتح من جديد.

*"لا أحد"*

كانت تلك الكلمة غامضة بشكل غريب لكنها اخترقت قلبه كسهم حاد يمزقه.

**"كانت الزوايا المألوفة غريبة وغير مألوفة"**

تجمدت أنفاسه، وكأن الكلمات تنسج خيوطًا من الحزن حوله.

كيف يمكن أن تصبح الأماكن التي تعرفها، والتي كانت تعد ملاذًا، غريبة؟

"هل كان هذا ما يشعر به تشيونغ ميونغ؟"

هل كان الجبل الذي يعرفه قد تحول إلى شيء آخر في عينيه؟

**"أنا... فقط.. من عاد"**

انفجرت مشاعر متضاربة في قلب هيون جونغ، وكأن كل كلمة كانت تشق طريقها إلى أعماق روحه.

**"طبيعة جبل هوا هي أن يزدهر، لكن زهوري لم تكن جميلة."**

شعر هيون جونغ بشيء من الألم يتسلل إلى أعماق نفسه.

"زهوره؟ ما الذي يعنيه هذا؟"

في تلك اللحظة كان الألم يتسلل إلى أعماق نفسه، كخنجر ينغرس في قلبه.

زهوره؟ ما الذي يعنيه هذا؟

عادت به الذكريات إلى اللحظة الأولى التي رأى فيها أزهار البرقوق تتفتح، رقصات الألوان في النسيم، وكأن الحياة كانت تتدفق بين أوراقها.

الأزهار التي أزهرت على طرف سيف تشيونغ ميونغ، رمز جبل هوا، التقنية التي ظن أنها لن تعود.

لكن كان تشيونغ ميونغ يرى أزهاره غير جميلة؟، إذا كانت الأزهار التي تبث الحياة في الجبل المنهار ليست جميلة، فأين يكمن الجمال بحق؟

**"كانت تتقد دوماً كاللهب المستعر، وكنت أنا دوماً من أحرقته تلك النيران."**

عند قراءة تلك الكلمات تجمدت أنفاسه.

*أحرقته؟*

كيف يمكن لفتى في سنه أن يحمل مثل هذا العبء؟ كيف يمكن أن يشعر بأنه السبب وراء كل الألم الذي حدث؟ كان تشيونغ ميونغ دوماًكالشعلة التي تضيء الطريق، لكنها الآن بدت وكأنها تحترق من الداخل، تلتهم نفسها بلا رحمة.

**"تشيونغ ميونغ، الاسم الذي منحني إياه جبل هوا، لذا فإن جذوري كانت جبل هوا فقط."**

شعر بشيء من الحزن يتسلل إلى قلبه، وكأن جدارًا من قاتماً يتراكم حوله.

"جذوره كانت جبل هوا فقط؟"

كأن تلك الكلمات كانت تعبر عن انتماء عميق، لكنها أيضًا تعكس فقدان الهوية. كانت تشيونغ ميونغ محاصرًا بجذوره، وكأن جبل هوا أصبح سجنه، وعبءه في آن واحد.

**"ومع ذلك كنت سعيداً، سيافو جبل هوا، أزهار البرقوق الخاصة به، روح جبل هوا، كانت ما جعلني على قيد الحياة."**

بدا هيون جونغ بتخيل تشيونغ ميونغ وهو يقف بين أزهار البرقوق، محاطًا بجمال الجبل، وكأن تلك اللحظات كانت ملاذه الوحيد، كانت تلك المرة الأولى التي يدرك بها ذلك كيف يمكن لكلمة السعادة أن تسبب هذا الألم العميق، لا سيما عند قراءة الكلمات التالية

**"لكن الآن."**

توقف قلبه، وكأن الجملة كانت بمثابة جرس إنذار.

*ماذا حدث؟*

تسللت الظلال ببطء إلى الكلمات، أصداء من الحزن والخيبة. شعر هيون جونغ بتلك الظلال، لكنها كانت أكبر من أن يفسرها.

**"رؤيته هكذا جعلت قلبي يتمزق تحت وطأة الذنب."**

شعر بشيء من الضغط على صدره، وكأن الكلمات كانت تعبر عن كل ما كان يختلج في نفسه.

*الذنب؟* لماذا يشعر بالذنب؟*

لم يفهم هيون جونغ ذلك، في كل مرة كان تشيونغ ميونغ يتألم بها ويغضب لجبل هوا، العيون التي كان ينظر بها إليهم، كانت نيران الذنب تأكل روحه ولكن لم؟ ليس خطأه أن الجبل قد انهار لما بحق يحمل نفسه مسؤولية ما حدث؟ كان يتخيل معاناته كعاصفة تتجمع في سماء روحه، ولا يستطيع الهروب منها.

**"هل يمكن لندمي أن يعيد جبل هوا؟"**

تجمدت أفكاره، وكأن السؤال كان بمثابة صدمة.

*ندمه؟*

أحاط قلق عميق بقلبه، وكأن الكلمات تشكل سلاسل من المعاناة التي لا تنفك تلتف حول روحه.

**"هل..."**

توقفت الكلمات وكأنها تنتظر إجابة، وكأن تشيونغ ميونغ قد ابتلع كلماته

تسارعت دقات قلب هيون جونغ، ودموعه كادت تنفجر. كان يدرك أن هذه الكلمات كانت تعبيرًا عن صراع عميق وغير مرئي، وأن تشيونغ ميونغ، رغم كل شيء، كان لا يزال يبحث عن طريق للخروج من ظلامه.

لم يفهم كانت الكلمات غامضة، آلاف الأسئلة تتسابق في ذهنه، لكن الشخص الذي من المفترض أن يجيب لن يفعل، ستظهر على شفتيه ابتسامة غامضة كما العادة ليتجاهل السؤال بدقة دافناً مشاعره وأفكاره بعيداً

لذا تابع هيون جونغ القراءة لعله يفهم، لعله يكون قادراً على التخفيف من هذه المشاعر.

كل كلمة كانت كالسهم، تخترق حجب قلبه، محاولة أن تكشف عن جروحه التي لم يراها أحد، محاولًا أن ينقذ تشيونغ ميونغ من ظلامه، بينما كان هو نفسه يغرق في ظلال تلك الكلمات المؤلمة.

.....................

عند سماع الصوت المفاجئ، تخطى تشيونغ ميونغ هاي يون واتجه بصره نحو بوابة جبل هوا ليتغير تعبيره الجاد إلى آخر مرير ومتألم، وكأنما قد انكسر شيء في داخله.

في المكان الذي توقفت به نظراته أحد تلاميذ جبل هوا يقف وعلى ظهره رجل مصاب، غطت الضمادات القرمزية التي تشربت بالدماء جسد الرجل بينما أنفاسه تتسرب بصعوبة كأن الحياة تتلاشى منه.

هذا دفع تشيونغ ميونغ للتقدم  نحوه بينما تتسارع خطواته، في حين كانت السيوف الخمس الذين لاحظوا هذا التعبير تحدق بذهول بالمشهد.

تشيونغ ميونغ، الذي كان شامخًا ومهيبًا منذ لحظات، يبدو الآن كمن سينهار في أي لحظة.

لم يكن الجسد فقط هو المصاب، إنما الروح هي التي تفتت لتبدو مثل زجاج مكسور تتناثر شظاياه في كل مكان، كما لو صورة باهتة تفقد ألوانها شيئا فشيئاً.

وبعد لحظات...

توقفت خطواته أمام التلميذ بينما عيناه لا تزالان مثبتتان باتجاه الرجل بينما ينبض قلبه بسرعة، مليئًا بالقلق والخوف.

تنفس بعمق، محاولًا استجماع شجاعته، وبحذر تقدم نحو تشيونغ مون الذي كان جسده يتدلى بلا حراك فوق ظهر تلميذ جبل هوا.

"ساهيونغ"

نطق بها بصوت خافت، يكاد لا يُسمع.

التلميذ، الذي لاحظ الشهيق المتقطع والأنين الخافت لـ تشيونغ ميونغ، سارع لطمأنته

"لقد استعاد وعيه للحظات، وكان يبحث عنك."

تهادت يد تشيونغ ميونغ كفراشة جريحة وهو يرفعها باتجاه جسد تشيونغ مون، لكن اليد الممتدة سرعان ما عادت لمكانها، مشدودة إلى قلبه المكسور.

شعر السيوف الست في هذا الموقف  بألم عميق يكسوهم، كما لو كانوا جميعًا يتشاركون في هذا الحزن.

في تلك اللحظة ركع تشيونغ ميونغ على ركبتيه مشيراً للتلميذ أن يضع تشيونغ مون على ظهره

"لكن ساهيونغ"

صاح التلميذ القلق على حالته.

ولكن عينا تشيونغ ميونغ اللتان لم تفارقا جسد تشيونغ مون جعلتا التلميذ غير قادر على الاعتراض فما كان منه إلا أن أطاع الأمر.

بدأ التلميذ بوضع تشيونغ مون فوق ظهره، محاولًا أن يكون لطيفًا قدر الإمكان.

وببطء استقر الجسد المتداعي على ظهر تشيونغ ميونغ، شعر الأخير بثقل أخيه يضغط عليه كما لو كان يحمل جبلًا.

كانت اللحظة حاسمة، والألم يتأجج في كل زاوية من جسده، بدأت الدموع تتجمع في عينيه، لكن لم يسمح لنفسه بالبكاء، كان عازمًا على البقاء قويًا.

في البداية، التوى جسد تشيونغ ميونغ قليلاً، وكأن الوزن المفاجئ جعل ركبتيه تنحني تحت الضغط.

اتسعت عيناه  في قلق، بينما حاول التركيز على ما حوله، شعور بالدوار بدأ يتسلل إلى عقله، لكنه طرد تلك الأفكار بعيدًا وعزم على الوقوف.

بذل جهدًا هائلًا ليعيد توازنه، بينما كانت ذراعه اليمنى ترتجف، وهي تمسك بقوة بخصر تشيونغ مون، كما كانت المفاصل تتشنج من الجهد.

عندما حاول الوقوف، أحس بألم حاد يمتد من كتفه اليمنى، كأنما كان كل عصب في جسده يصرخ من الانزعاج.

عضلاته مشدودة، وكأنها تتألم من ثقل الحمل، ومع كل حركة، تقطعت أنفاسه، وكأن الهواء نفسه يتشبث به.

كل شهيق كان كأداة حادة في صدره، وكل زفير يسحب منه القوة.

خرجت أنفاسه بصعوبة من فمه، وكأن الهواء قد أصبح ثقيلًا.

نظراته كانت ضائعة، تتجول بين التلاميذ الذين أخفضوا بصرهم أمام المشهد المرير.

بدا وكأن العالم من حوله قد تلاشى، تاركًا له فقط شعورًا بالوحدة والعجز.

وأخيرًا نجح في الوقوف، إلا أن جسده كان يميل إلى الجانب، وكأن الجاذبية تسحبه نحو الأسفل.

قدماه كانت مترددة، وكأن الأرض تتأرجح تحت ثقلهما.

ومع كل خطوة،  شعر بأن جسده يتفكك، وأنه يقاتل ضد نفسه.

لم يكن هناك أي بريق من الأمل في تلك اللحظة، فقط شعور حاد بالأسى.

كل عرق يتصبب من جبينه كان يروي قصة من الألم والمعاناة، بينما كان يسير بخطوات ثقيلة، وكأن كل خطوة تمثل ذكرى مؤلمة.

بدا أن تشيونغ ميونغ في تلك اللحظة يجسد مأساة فظيعة؛ فقد كان يحمل أخاه، لكنه يحمل أيضًا عبء الفقدان والضعف.

أمام هذا المشهد المأساوي لم يتمالك السيوف الخمس أنفسهم كانت قلوبهم تتسارع، وأعينهم تلمع بالقلق، وكأنهم يشاهدون عرضًا مروعًا يجري أمامهم.

سرعان ما انطلقوا باتجاهه، محاولين دعمه، لكن   ثقل اللحظة التي تتجاوز مجرد تقديم المساعدة جثمت على صدورهم.

بايك تشيون، الذي كان الأقرب، حمل في عينيه مزيجًا من الخوف والقلق.

فكر في كيفية تخفيف العبء عن تشيونغ ميونغ، لكنه كان يدرك تمامًا أن الأمر ليس مجرد حمل جسد مصاب، بل كان يمثل محاولة لإنقاذ روح محطمة.

حاول أن يأخذ تشيونغ مون عن ظهر تشيونغ ميونغ، لكن في تلك اللحظة، اخترقت نظرات تشيونغ ميونغ القاتلة جسده، كأنها سيف حاد يقطع الصمت.

عكست عيناه الورديتان عمق الألم والفقد الذي يعاني منه، لتتوهج بتحدي لا يمكن تجاهله.

كأنها نار مشتعلة، تحرق كل من يقترب منها.

تلك النظرات لم تكن مجرد تعبير عن الغضب، بل كانت تجسد يأسًا عميقًا.

"ابتعد"

عند سماع الصوت الذي بدا كأزيز كئيب يجسد صرخة مكتومة لا تستطيع الخروج توقف بايك تشيون في مكانه، وعقله يدور حول كل ما كان يحدث، بينما يراقب تشيونغ ميونغ، الذي بدا كجبل، ثابتًا وعازمًا.

لكن في داخله، كانت هناك عواصف تتسلل، وتمزق روحه.

أمام تلك اللحظة المليئة بالتوتر، كان تشيونغ ميونغ قد وضع حواجز غير مرئية حول نفسه، تمنع أي محاولة للمساعدة.

ترقبت نظرات السيوف الست القلقة المشهد بمرارة، الأسئلة التي كانت تتدفق بعقله تلاشت مثل السراب، لتترك عقولهم فارغة عاجزة عن التفكير

سار تشيونغ ميونغ عبرهم، بمشهد مهيب ولكن بمعنى آخر، حيث كان يحيط به صمت ثقيل، وكأن الوقت قد تجمد في تلك اللحظة.

الهواء  مشحون بالتوتر، وكل خطوة يخطوها  تتردد كصدى في قلوب الحضور.

على الرغم من كل الصعوبات، كان تشيونغ ميونغ رافضًا لتسليم أخيه لأي أحد.

عزيمته واضحة كالشمس، على الرغم من العبء الثقيل الذي  يحمله، ليس فقط على كتفيه، بل  إنما في عمق روحه.

بينما سار بخطوات متثاقلة، تصبب عرقه بغزارة، يتلألأ تحت أشعة الشمس الذهب كأنه يعكس آلامه.

كان وجهه يشحب تحت وطأة الألم، وعيناه تكاد تفيض بالدموع، لكن لم يكن لديه الوقت للضعف.


كل عضلة في جسده ترتجف من الجهد، وكأنها تتوسل إليه للتوقف.

ومع ذلك، كان يضغط على نفسه بشدة، كما لو كانت إرادته هي الوحيدة التي يمكن أن تنقذه من الانهيار.

بينما تقدم خطوة بعد خطوة، كان يتجنب نظرات السيوف الست، الذين كانوا يراقبون الموقف بقلق، يتساءلون في صمت عن مدى ضخامة العبء الذي يتحمله.

وهم يرون كيف أن صموده كان يقاوم عاصفة داخلية عاتية، تعصف بروحه، كما لو أن كل خطوة تمثل معركة في حد ذاتها.

تدفقت الذكريات في ذهنه، تتداخل مع الألم الجسدي، حيث كانت كل لحظة من الماضي تتجسد في عينيه.

كيف كان يتدرب مع تشيونغ مون، وكيف كانا يضحكان سويًا.

كل هذه الذكريات كانت تشتعل كالنار في صدره، تدفعه للاستمرار، إلا أنها في نفس الوقت كانت  تعمق جراحه.

مع الوقت بدأ يشعر بأن الأرض تتأرجح تحت قدميه، وكأن الجاذبية تزداد ثقلاً.

وهكذا توقفت خطوات تشيونغ ميونغ أمام سوسو، التي كانت تتأمل جراح الاثنين بقلب يتمزق.

كانت تعابير وجهها تعكس الألم والقلق، وعيناها تلمعان وكأنهما تبحثان في أعماق تشيونغ ميونغ عن بصيص من الأمل.

لكن نظراته كانت جامدة، كما لو كانت غارقة في عمق المحيطات الباردة، حيث لا يوجد مفر من الكآبة.

"ساهيونغ..تفقديه"

جاءت كلماته كهمسات ضعيفة، تحمل في طياتها رغبة قوية في الاطمئنان، لكن صوته كان يفتقر إلى القوة.

كانت هي الأمل الوحيد في تلك اللحظة، لكنها أيضًا في ذلك الوقت كانت تعيش صراعًا داخليًا، تحاول أن تبقي نفسها هادئة رغم الفوضى.

انحنى جسد تشيونغ ميونغ ببطء بينما بدأت ذراعه اليمنى تتوتر تحت الضغط، وهو يحاول بجد أن يوازن جسده.

تدلى جسد تشيونغ مون كما لو أن ثقل العالم كله يتجمع على كاهل تشيونغ ميونغ.

شعور بالخوف والقلق اجتاحه، وكأن كل حركة قد تؤدي إلى انهيار كلي.

كانت أنفاسه تتزايد وتخرج بشكل غير منتظم، وكأن كل شهيق يحمل معه عبءًا إضافيًا، مما جعله يشعر  بقلبه وهو يكاد ينفجر من الألم.

عندما اقترب من الأرض، كان هناك شعور بالفوضى داخل جسده، كأن كل جزء فيه يتصارع مع الآخر.

جسده كان يئن تحت وطأة الثقل، وعقله  يغلي بأفكار متضاربة.

كان عليه أن يركز كل طاقته في هذه اللحظة الحرجة، وكأن كل شيء يعتمد عليه.

في ذلك الوقت كانت نظرات سوسو تراقب كل حركة، وكأنها تعيش لحظة انقطاع النفس.

بذل تشيونغ ميونغ جهدًا هائلًا لتخفيض تشيونغ مون برفق، لكن كان هناك خوف دائم من أن يُفلت منه، كأن تلك اللحظة تمثل كل شيء بالنسبة له.

شعر بأن الهواء يضيق حول صدره، وكلما اقترب من الأرض، زاد الضغط على قلبه.

كانت اللحظة تتدفق ببطء، وكأن الزمن يأبى الحراك، مما جعله يشعر بأن هناك شيئًا ما غير طبيعي يحدث.

عندما وضع تشيونغ مون أخيرًا على الأرض، كانت تلك اللحظة بمثابة انفراجة.

لكن تشيونغ ميونغ تراجع بتؤدة، وكأن كل القوة التي كان يمتلكها قد استنفدت.

تركت تلك اللحظة أثرًا عميقًا في داخله، شعور بالفراغ الذي لا يمكن ملؤه.

نظراته كانت مشدودة، متأملاً في حالة أخيه الذي بدا شاحبًا وعاجزًا.

تراجع خطوة إلى الوراء، وجسده يتأرجح قليلاً بسبب الجهد المبذول.

احتاج إلى لحظة للتقاط أنفاسه، لكنه لم يستطع إلا أن يشعر بالقلق العميق على تشيونغ مون، الذي كان بحاجة ماسة إلى العلاج.

كانت تلك اللحظة تجسد الفوضى الداخلية، حيث كان تشيونغ ميونغ يحاول أن يتماسك رغم كل الألم ويقاوم انهيار نفسه، ويواجه شعورًا بالذنب وكأن ما فعله لم يكن كافيًا

. في أعماق نفسه، كان يعرف أنه قد بذل قصارى جهده، لكنه شعر بأن تلك الجهود ليست كافية لإنقاذ أخيه.

سكنت الأنفاس بالمكان بينما هدأ الجميع، أمام أعينهم، كان زعيم طائفتهم مصاباً بشدة، عاجزاً عن الحراك.

كانت ملامح وجهه مشوهة بالألم، وعيناه مغمضتان كما لو كان في سبات عميق، بينما كانت الجروح تغطي جسده، تعكس المعركة الضارية التي خاضها.

أما الشيخ الأكبر، قديس سيف زهرة البرقوق، المبارز الأقوى لجبل هوا، فقد بدا وكأنه يحمل عبء العالم على كاهله.

ارتمى جسده المتعب على الأرض، بينما كانت نظراته تتنقل بين زعيم الطائفة وجميع الحضور، وكأن عينيه تحاولان قراءة أفكارهم وقلوبهم.

بالرغم من جراحه، كانت هيبته لا تزال تضيء المكان، كأنما يحمل شمسًا محاصرة في قلبه.

كان هذا اليوم الذي لن ينساه جبل هوا أبداً، اليوم الذي أبصروا فيه الجبال وهي تتداعى أمام أعينهم.

جبل هوا  كان لا يزال كما هو، شامخًا وعظيمًا، رغم مرارة المشهد الذي كان يتكشف أمام أعين الجميع.

الصخور الوعرة والأشجار المتشابكة، التي شهدت العديد من المعارك، بدت وكأنها تحتفظ بأسرار الماضي في أحضانها.

لكن اليوم، كان هناك شيء مختلف في الهواء، شعور ثقيل يحبس الأنفاس.

وعلى الرغم من مرارة الوضع، لم يغمض أحد عينيه.

كانت الأعين كلها مفتوحة، تراقب بترقب كل تفصيل، كل حركة.

تنقلت نظراتهم بين زعيم الطائفة المصاب والشيخ الأكبر، الذي كان يجلس هناك، محاطًا بالصمت الذي يعكس ثقله.

الصمت الذي تجسد كسيف حاد، يقطع الأجواء ويجعل القلوب تخفق بشدة.

أصوات الرياح كانت تأتي كهمسات، تحمل معها آهات الماضي.

الأشجار التي كانت تتراقص في العادة، بدت وكأنها تحترم اللحظة، تستمع إلى الصراخ الداخلي لكل الحاضرين.

كان كل شيء في جبل هوا يتفاعل مع مشاعر الخوف والمرارة، وكأن الطبيعة نفسها تشعر بالضيق.

جبل هوا كان نفسه جبل هوا

لكنه في ذلك اليوم فقد جزءاً كبيراً من روحه.

في تلك الروح المفقودة كان تشيونغ ميونغ هناك.

سكن جبل هوا الجريح وهو يتأمل آلامه ولكن..


كما لو أن العالم قد أقسم ألا يتركهم بأنفسهم جاء ضيف جديد لجبل هوا، ضيف مقيت غير مدعو.

"أسرعووو"








تعليقات