الفصل الثاني والعشرون

 رقصة تحت ضوء القمر


في إحدى زوايا الغرفة، حيث كان الضوء الخافت يتسلل من النوافذ المغلقة، ألقى جوغول بجسد هاي يون، الذي بدا وكأنه كومة لحم متهالكة، في ركن مظلم.

تهاوى الأخير على الأرض ببطء، وكأن كل ضربة تلقاها كانت تسحب منه آخر خيوط القوة.

ثم، بتمتمة مكتومة، كما ارتمى جوغول على السرير القريب، متذمرًا وكأن ثقل العالم قد وُضِع على كتفيه.

كانت الأجواء مشحونة بالقلق، وساد صمت ثقيل يُكسر فقط بأنفاسهم المتلاحقة.

حاول جوغول أن يمزق السكون، لكنه لم يستطع.

في تلك اللحظة، كسر يونغ جونغ الصمت بحديثه الجاد، وكأنما كان يتحدث من داخل أعماق البحر.

"ساسوك، ما الذي ستخبره به إذا؟"

"لا أعلم."

جاءت الإجابة من بايك تشيون، الذي تنهد بعمق، وكأن هموم العالم قد استقرت في صدره.

نجا من موقف صعب قبل لحظات، لكن لم يكن لديه عذر يبرر ما حدث.

"ألا يمكننا فقط قول الحقيقة؟"

قال جوغول بشكل جدي

"لا، أيها الغبي! ما الذي تتحدث عنه؟ نحن أحفاد جبل هوا، وهذا المكان هو ذكرياتك. وبطريقة ما، أنت موجود بعد مئة عام!"

رد عليه بايك تشيون بحدة.

"متى قلت هذا؟"

"إذاً، ماذا؟ نحن تلاميذ جبل هوا. هذه حقيقة."

حدق الجميع بجوغول بذهول، فقد كان من النادر أن ينطق جوغول بكلمة صحيحة. ومع ذلك، كان قد التصق بالحائط بجوار هاي يون.

"سا... سو... ك.. لما؟"

"آسف.. ضربتك تحسبًا لقولك شيئًا غبيًا. لم أتوقع ذلك."

جاء الصوت خافتًا، كأنه يعتذر.

"الو.. غد!"

بايك تشيون، الذي بدأ ينظف حلقه وكأنه يستعد لإلقاء خطاب، تابع حديثه وكأن شيئًا لم يكن.

"قد لا يكون خاطئًا أننا تلاميذ جبل هوا، لكن هناك مشكلة."

"ما هي؟"

"سيفنا شبيه بسيفه أكثر من جبل هوا."

"أليس الأمر نفسه؟"

"لا، بطريقة ما يبدو أن السيف الذي علمنا إياه ذلك المجن.. تشيونغ ميونغ مختلف قليلاً عن جبل هوا."

"سيف تشيونغ ميونغ؟"

"أجل."

أكدت الكلمة وكأنها رصاصة في الهواء.

"منذ البداية، لا تحمل سيوف الطوائف الصالحة نية قاتلة بداخلها، كما لا تسعى لقتل الخصم أو القضاء عليه بضربة واحدة."

"لكنه لا يزال مختلفًا"

"هاه؟"

جاء رد الجميع في تناغم متسائل.

نظر الجميع نحو يو إيسول، التي كانت تعبر عن أفكارها بوجه خالٍ من التعبيرات وصوت هادئ كالعادة.

"سيفه أكثر قسوة، وأكثر حدة، و... بتلاته حية."

ساد صمت عميق في المكان.

كانت الكلمات كأنها صاعقة كهربائية، تدور في أذهانهم مثل رياح عاتية تعصف بأوراق الخريف.

كل فرد منهم كان غارقًا في أفكاره، يتأمل في المعاني الثقيلة التي تنبع من تلك الكلمات.

في تلك اللحظة، أدرك الجميع أن السيف الذي نقله لهم تشيونغ ميونغ هو سيف جبل هو، لكنه في الوقت نفسه، ليس كجبل هو.

كان كالشمس التي تشرق من بين الغيوم، تمنح الضوء ولكنها تحمل في طياتها نذر العواصف.

بدا أكثر عملية، كأداة حادة مصنوعة من الصلابة، تُستخدم في المعارك بذكاء لا يرحم، بدلاً من أن يكون مجرد رمز للتنوير.

لكن ذلك السيف كان أيضًا مختلفًا تمامًا عن سيف تشيونغ ميونغ.

كان ذلك الأخير قاسيًا وبلا رحمة، سيفًا مخصصًا للمعارك، سيفًا للقتل، سيفًا حقيقيًا.

سيف يحمل في حدّته صدى المعارك القديمة، كأن كل ضربة سُمعت في زوايا الزمن.

كانت بتلاته كالأشواك، تبرز جمالاً قاتلاً، وتهدد كل من يجرؤ على الاقتراب.

تدفق التفكير في عقولهم، وكأن كل فكرة كانت تتلاطم كالأمواج على شاطئ صخري.

كان هناك إدراك جماعي بأن ما بين أيديهم ليس مجرد سيف، بل هو تجسيد لتاريخ مليء بالصراعات والأحلام المنكسرة، أداة تحمل في ثناياها وعدًا بالنجاة، لكنها أيضًا تحمل سمة الفناء.

تبادلوا النظرات، وكأن كل واحد منهم كان يقرأ أفكار الآخر.

في تلك اللحظة، كانت الكلمات تُركّز على الأذهان، مثل حروف منقوشة في الحجر، لا يمكن محوها.

كانت الحقيقة واضحة، ولكنها مؤلمة.

وفجأة انفجر الباب فجأة، كأن عاصفة قد اجتاحت المكان، كان الجميع يعلم من الشخص الوحيد الذي يصر على أن القدمين موجودة لفتح الباب، وعلى الرغم من ذلك رغم أنه نفسه إلا أنه كان مختلفاً.

من ظهر أمامهم تشيونغ ميونغ، كان قديس السيف، بشكله الحقيقي.

كان وجهه مشوهًا من الغضب، ويدفع الباب بقوة، وهو يتذمر

"ذلك البخيل! بعد أن يدفع الناس هنا وهناك... تبا له، إنه حقًا صداع في الرأس!"

وفي تلك اللحظة

"تشي....أيها الشياااااا"

يون جونغ الذي كاد أن يخطئ ويناديه باسمه قد طار محلقاً بسرعة ليلتصق بجوار كل من هاي يون وجوغول في الجدار.

بينما كانت سوسو، التي وقفت مذهولة، لا تزال غير مدركة لما يجري.

تقدم تشيونغ ميونغ، ورمى بجسده على السرير في وسط الغرفة، وبدأ بخلع رداءه ببطء، مما أثار دهشة الجميع.

كانت الدهشة ترتسم على وجوههم

"ما الذي يفعله بحق الإله؟ هل قرر قتلنا؟"

"لما بحق يفعل هذا؟"

"ماذا تفعل؟"

خرج من فم تشيونغ ميونغ صوت حاد وبارد كالصقيع وهو يحدق بسوسو التي كانت تنظر من حولها بذهول.

"هاه؟...أنا؟"

"أجل ألست الطبيبة؟؟ ؟"

رد تشيونغ ميونغ بلا مبالاة.

"أ... أجل!"

قالت سوسو، لكن عيناها بدأت تتألق بالغضب شيئاً فشيئاً.

"عالجيني، يجب أن أعود لأواصل حديثي مع ساهيونغ!"

قالها وكأن الأمر لا يحتمل التأجيل.

"هاه؟"

كانت تلك الكلمة تتدحرج من شفتيها ككرة ثلج تتدحرج في منحدر، تراكم الغضب المكبوت.

بينما كان تشيونغ ميونغ يخلع الضمادات المغطاة بالدماء، كانت تعابير الانزعاج تتجلى على وجهه.

و لم يكن يدرك أن كلماته كانت تقطع آخر خيط من المنطق في عقل سوسو.

ارتسمت ابتسامة جحيمية على شفتيها، وعيناها تتقدان بنيران الغضب.

"أعالجك؟ الآن؟"

صاحت، وكأنها استدعت عاصفة من التوتر.

"هاه؟"

استجاب تشيونغ ميونغ بتوتر، متراجعًا قليلًا.

"لا أهتم إن كنت شيخًا أم لا! أتحسب أن جسدك عربة يمكن استبدال أجزائها؟ "

"هاه؟"

"إذا كان لديك إصابة، كان عليك أن تتلقى العلاج سابقاً!"

"سو... سو..."

حاول بايك تشيون تدارك الموقف، لكن نظراتها القاتلة جعلته يتراجع.

"ساسوك، لا توقفني! ألم ترَ كيف كان هذا الوغد المجنون يتجول بزجاجة كحول بيده، وكلما اقتربت منه لأعالجه، لوح بيده بتلك النظرة المتعجرفة؟"

"هاه؟ علاج؟ لا وقت لذلك، ألا ترين أنني مشغول؟"

قالها تشيونغ ميونغ وهو يحدق بها بلا مبالاة.

"لكن..ه لا ي..زال ..شيخاً..سوسو"

"أعلم!"

ردت سوسو، وعينيها تتوهجان كالنار.

"نعم، سوسو. أنا سعيد لأنك تعلمين ذلك."

كانت عينا تشيونغ ميونغ فارغتين، وهو يتلقى توبيخًا من فتاة لم تبلغ نصف عمره.

والتلاميذ الآخرون في الغرفة كانوا مذهولين، ليس فقط بسبب كون تلميذة من الدرجة الثالثة توبخ شيخًا، ولكن بسبب عجز ذلك "الشيطان" عن النطق أمامها.

...........................

في منتصف ساحة جبل هوا بينما تتمايل بتلات البرقوق مع نسمات الرياح الرقيقة، والجو المفعم بالحيوية من صرخات التلاميذ الحماسية.

كان كل شيء في المشهد جميلا ويبعث على السلام في هذا المشهد، نعم باستثناء شيء واحد

اتسعت عينا تشيونغ مون وهو يحدق بالأكياس المتكومة أمام عينيه والتلاميذ الذين يرفعونها بينما تتسرب كلماتهم لا بل كانت أشبه بصرخاتهم اليائسة إلى أذنيه

"أسرعو علينا الانتهاء منها قبل الغروب"

"توقف عن التكاسل اذا رآك الشيخ سيحولك للحم مفروم"

"لا ولكن بحق لما كل هذه الأشياء لما يتصرف بغرابة هذه الأيام؟"

بدأ تشيونغ مون بتقليب بصره على تلك الكومة حتى تتضح ملامحها أمام عينيه

أحجار الجليد

العشبة البنفسجية؟

و... حديد بارد؟؟؟؟

راح تشيونغ مون يحدق تارة بها وتارة أخرى بتشيونغ ميونغ الذي كان يقف بوجه منتعش وهو يشاهدها.

" هيهيهيهي"

" تشيونغ ميونغ؟"

" هيهيهي"

" تشيونغ ميونغ!"

تشيونغ مون الذي لم يستطع الحفاظ على هدوئه صاح بصوت مرتفع جعل من تشيونغ ميونغ يلتفت إليه بسرعة.

قد كان هادئا وطيبا في الأحوال العادية لكن عندما يغضب كان يتمثل لتشيونغ ميونغ كشيطان من الجحيم خصص لتعذيبه وحده

راح تشيونغ ميونغ ينظف أذنيه من الصوت المرتفع بعبوس طفيف على وجهه

"ااه ساهيونغ هل ستتذمر مجددا؟ ما الأمر الآن؟"

كان تشيونغ مون يغلي بداخله كبركان يثور بنيران الغضب لكنه حافظ على هدوئه وحاول التكلم بلطف قدر الإمكان

"تشيونغ ميونغ ما كل هذا؟"

عند سماع هذا السؤال أمال تشيونغ ميونغ رأسه باستغراب ومن ثم راح يتبجح بثقة مبالغة.

"لا ساهيونغ ألا تنسى كثيرا هذه الأيام؟ ألم أخبرك بالأمر بالأمس "

"أمس؟"

"أجل"

"عندما أيقظتني في منتصف الليل؟"

"ها؟ هل فعلت ذلك"

حك تشيونغ ميونغ مؤخرة رأسه وراح يضحك بشكل محرج

"هيهي ساهيونغ أنت طاوي لا يجب عليك أن تتعلق بأشياء كالنوم كثيرا"

"....."

لم يستطع تشيونغ مون أن ينبذ بكلمة واحدة، كانت المرة الأولى في حياته التي يتم إخباره بأنه كسول بهذه الطريقة الملتوية

لكن وعلى الرغم من ذلك عاد للابتسام بلطف بينما يهتز حاجبه بشدة وترتجف يداه من الغضب، كان صوت صرير الأسنان مسموعا على الرغم من الجو الصاخب، ومع ذلك كان هادئا

"تشيونغ ميونغ؟"

التفت اليه تشيونغ ميونغ بوجه مشرق وأجاب سريعا

"أجل ساهيونغ؟"

"أتفهم أنك تريد صنع تلك الحبة التي لا أعرف أصلها"

أظهر تشيونغ ميونغ تعابير وجه مظلومة وراح يتحدث باستنكار

"لا ساهيونغ هل تشكك بكلامي الآن؟"

"من أين أتيت بالمال"

"هاه؟"

" لا بد أنها باهظة لذا من أين لك المال؟"

"هيهيهي ساهيونغ ما الذي تتحدث عنه نحن طائفة غنية لن نعجز عن دفع هذا القدر"

"تشيونغ ميونغ"

"ساهيونغ لا يجب عليك التدقيق في التفاصيل الصغيرة"

"تشيونغ ميونغ"

عند النظرة القاتلة والنبرة الحادة تمتم تشيونغ ميونغ بصوت منخفض

"المخزن"

لم يستطع تشيونغ مون تصديق ما سمعته أذناه لذا أخذ نفسا عميقا مهدئا نفسه للمرة الألف وتكلم بكل صبر

"أي مخزن"

أدار تشيونغ ميونغ رأسه محاولا تجنب نظرات تشيونغ مون الحادة وهو يعاثر الكلمات في فمه

"حيث أخفيت أموالك السرية"

"هاه؟"

"لا بحق لما تكون بخيلا بهذا القدر ولديك هذا الكم من المال"

سرعان ما أظهر تشيونغ ميونغ وجها يقول أنا لم أفعل شيئا خاطئا لما تخفي أموالك عني بحق؟

كيف للنظرة وحدها أن تشرح ذلك؟ كانت عيناه تتبجحان وهو ينكر فعلته بينما ترتسم على شفتيه ابتسامة خبيثة

"ماا....ذا؟؟

"اهه رقبتي"

أمسك تشيونغ مون برقبته بينما يسقط وجميع التلاميذ يتهافتون نحوه

"زعييييم الطائفة"

سارع تشيونغ ميونغ بإحضار كأس من الماء الدافئ لأجل أخيه قبل أن ينهار من نوبة الغضب.

كما حدق تشيونغ مون بالكأس في يديه بصمت للحظات قبل أن ينطق بنبرة خافتة تشبه الهدوء الذي يسبق العاصفة

"تشيونغ ميونغ"

"أجل ساهيونغ"

أظهر تشيونغ ميونغ وجها بريئا ومشرقا إلى أبعد حدود، بينما تتلألأ عيناه الورديتان وهو يحدق بأخيه

كما بادله تشيونغ مون الابتسامة للحظات ومن ثم

"ااااه ساهيونغ أذني.. لا توقف ااا لا يجب عليك جري هكذا أمام التلاميذ ااا ساهيونغ!"

" اوه حقا؟ كن ممتنا بأنني لن أعلقك أمامهم أيها الوغد اللعين أتسرقني الآن؟؟ ألم يكفك قطاع الطرق؟"

"لا ساهيونغ متى قمت بسرقتك لقد استخدمت أموال الطائفة للطائفة"

راح تشيونغ ميونغ يحاول بشدة إنكار جريمته رغم الأدلة الواضحة لكنه تمتم في نفسه بابتسامة ماكرة

'بالطبع أخذت جزءا منها لم أكذب فأنا جزء من الطائفة بعد كل شيء هيهيهي'

...............

راح تشيونغ ميونغ يسترق النظرات إلى سوسو، التي كانت مشغولةً بعلاج جراحه، وهي تتذمر بشدة.

عينيها تتلألأان بشيء من الغضب والقلق في آن واحد.

"لا بحق، ما الذي فعلته بجسدك ليصبح هكذا؟"

كان صوتها مليئًا بالقلق، لكن نبرتها كانت تحمل طابعًا من الاستنكار.

تجمعت الأسئلة في ذهنه، لكنه لم يرد

. صمتٌ طويل علق بينهما، كأنه سيفٌ يقطع الهواء. بعد لحظات من التأمل، بدأ تشيونغ ميونغ الحديث بتردد:

"أنتِ..."

"سوسو."

"أجل، سوس... أيا كان. هل أنت من عائلة تانغ، ربما؟ أاه، ما الذي تفعلينه بحق الجحيم؟ كوني لطيفة!"

تمتمت كلماته في نفسه، وهو يشعر بالألم من تضميدها العنيف لجروحه.

"إنها بالتأكيد قريبة من ذلك الوغد، وإلا من سيرسل لي هذه المتاعب غير تلك العائلة اللعينة؟"

"هل تعتقد أن جسدك خرقة من القماش؟ إذا قمت بخياطته، سيعود كما كان؟"

كانت تسأل بحدة، عينيها تتقدان بالتصميم.

"أهذا شعار عائلي من نوع ما؟ لماذا تقولين أنت وهذا الوغد الشيء نفسه بحق؟"

لكن وبعد لحظات خرجت تنهيدة يائسة من فم تشيونغ ميونغ عند رؤية وجهها، الذي كان يعبر عن مرارة عميقة.

سوسو، التي كاد قلبها ينفطر من شدة رؤية إصاباته، ابتلعت دموعها بصعوبة، وهي تعالج جروحه بتركيز شديد.

لم يكن هناك مكان في جسده لم يتعرض لطعنة أو قطع.

بدا من المدهش أنه لا يزال حيًا مع هذه الجراح الثخينة، كأنه عائد من معركة خاسرة.

لكن السيوف الست لم تكن تعلم أن هذا المكان لم يكن مجرد ذكرى قد حصلت؛ فالواقع كان أن جسد تشيونغ ميونغ مرتمٍ في جبال الألف، نائمًا هناك بين الجثث.

لكن هل هناك فرق؟ فعلى الرغم من عودته للحياة بجسد سليم، إلا أن روحه لم تكن أفضل حالًا من هذه الجثة أمامها.

أعادته إلى الواقع، تلك الجراح التي كانت كأنها تعكس صراعه الداخلي، جروحًا لا يمكن تضميدها بمراهم أو ضمادات.

بينما كانت سوسو تعمل على تضميد جراحه، كان هناك شعور ثقيل في الهواء، كأن كل جرح ينزف يروي قصة من الألم والفقد، وكأن كل لمسة من يديها كانت محاولة يائسة لشفاء لا يمكن تحقيقه.

وبعد أن انتهت سوسو من تضميد جراح تشيونغ ميونغ، كانت الغرفة مليئة بالهدوء الثقيل.

فجأة، انفتح الباب بقوة، مما جعل الجميع يلتفتون نحو الداخل.

ظهر أحد التلاميذ، وجهه مشوشًا وعيناه تتألقان بالقلق.

"ما الذي تريده؟"

سأل تشيونغ ميونغ، صوته يحمل لمحة من الاستغراب.

"زعيم الطائفة أمرني بمناداة هؤلاء التلاميذ."

"هاه؟ ساهيونغ؟"

تعجب تشيونغ ميونغ، مائلًا برأسه بحيرة واستغراب. بدا أن هذه الأخبار قد أزعجته بشكل غير متوقع.

تبادل السيوف الست نظرات متسائلة قبل أن ينهضوا، عازمين على الرحيل.

لكن تشيونغ ميونغ، متحمسًا، أراد اللحاق بهم.

"أيها الشيخ!"

جاء صوت التلميذ من جديد، بحذر.

"ماذا الآن؟"

أجاب تشيونغ ميونغ، وقد بدأ الغضب يتسلل إلى نبرته.

"قال زعيم الطائفة: ألا تأت"

"ها؟ ماذا تقول، أيها اللعين؟"

ارتسمت علامات الاستياء على وجهه.

"ليست كلماتي، لقد قال زعيم الطائفة ذلك."

تدفق شعور من الخوف والارتباك في قلب التلميذ بينما كان وجه تشيونغ ميونغ يتشوه بشدة.

"لا بحق، ألم يخبرني أن أتلقى العلاج وأعود؟ أكان يحاول طردي أم ماذا؟"

"لقد قال إنك لو أتيت، سيقوم بمعاقبتك."

"عقاب؟"

تراجع تشيونغ ميونغ، وكأن الكلمات قد استقرت في حلقه.

"لي أنا؟"

صمت.

لم يكن هناك ما يمكن قوله.

"بسبب هؤلاء؟"

أضاف، ضاحكًا بمرارة.

"هاها.. هه."

تسربت من فمه ضحكة فارغة، عينيه تتجهان نحو السماء وكأنها تحمل كل أعباء العالم.

"ذلك الساهيونغ اللعين..."



........................................

في أجواء مشحونة بالتوتر، تجمعت السيوف الستة أمام باب غرفة الزعيم، قلوبهم تنبض بسرعة كطقطقة السيوف في أيدٍ مرتعشة.

كان بايك تشيون هو الذي كسر الصمت، صوته منخفض ولكنه يحمل شحنة من القلق.

"هل تعلم لماذا طلبنا زعيم الطائفة؟"

أجاب التلميذ الذي يرشدهم بتردد،

"لا أعلم."

نظر الجميع حولهم، والشكوك تتراقص في عقولهم.

كان وجودهم هنا غريبًا، لكن الآن يطلب زعيم الطائفة رؤيتهم؟ لم يلتقوا به من قبل، وكان من المفترض أنه غائب في غيبوبة.

مع كل خطوة نحو الغرفة، كان التوتر يتصاعد.

عند دخولهم، وجدوا تشيونغ مون جالسًا على السرير، وجهه شاحب كغيمات عابرة، وجسده هزيل، لكن هيبته كانت لا تزال تفيض في أجواء الغرفة.

كان صوته، حين تحدث، كنسيم دافئ رغم ضعفه.

"اجلسوا."

امتثلوا برغبة، كأنهم مدفوعون بقوة خفية، وجلسوا حيث أشار إليهم.

"ما هي أسماؤكم؟"

سأل بصوت هادئ.

بسرعة، نهض بايك تشيون، وضم يده أمامه، مُنحنيًا باحترام.

"بايك تشيون، تلميذ جبل هوا، يحيي زعيم الطائفة."

كما تبعه الآخرون، مع تجنب ذكر مراتبهم.

"يوي سول." 
"جوغول." 

"يون جونغ."

وأخيرا جاء دور هاي يون، الذي كان وجهه يتحول إلى لون الطماطم الناضجة من الخجل.

"هاي يون..."

همس، وكأن الكلمات عالقة في حلقه.

كيف يمكنه أن يذكر أنه تلميذ جبل هوا بينما يعلم أن تشيونغ ميونغ سيغضب لو علم بذلك؟

"تلميذ شاولين؟" تساءل في نفسه، "سيدفنه قديس السيف في مكانه."

لكن تشيونغ مون، الذي أدرك توتره، هز برأسه ليعيده إلى مقعده، مما خفف من حيرته.

نظر إليه هاي يون بإعجاب، وكادت عيناه تفيض بالدموع من الارتياح.

ومرّت لحظة من الصمت الثقيل، حيث كان الخوف يلف المكان كضباب كثيف.

ماذا لو سألهم عن هويتهم؟ ماذا عليهم أن يقولوا؟

ثم، في لحظة غير متوقعة، كسر تشيونغ مون الصمت.

"كيف وجدتموه؟"

"هاه؟"

ارتفع بايك تشيون برأسه بذهول، لكن تشيونغ مون ابتسم، متابعًا حديثه بلطف.

"أعني جبل هوا."

"هذا..."

تردد بايك تشيون، الكلمات تتعثر على لسانه.

"هاهاها، لا تقلق، لم أحضرك هنا للتحقيق بشأنك."

كانت ضحكاته تتردد في الأرجاء، مهدئة الأجواء المتوترة.

"إذاً، لماذا، زعيم الطائفة؟"

سأل بايك تشيون بتوتر وهو يتفقد تعابير وجهه.

أغمض تشيونغ مون عينيه الهزيلتين، وابتسامة ناعمة تتراقص على شفتيه، بينما تتردد في ذهنه أصوات الأيام الماضية، كأنها أنغام قديمة تعيد إحياء الذكريات.
.....................

على الرغم من كونه فاقدًا للوعي، إلا أن تشيونغ مون كان يشعر كأن هناك خيوطًا رقيقة تربطه بالعالم من حوله.

كانت همسات تشيونغ ميونغ وصوته القوي، الذي كان يتردد في أذنه كصدى بعيد، أكثر ما جلب له شعورًا بالراحة في تلك الظلمة التي كانت تحيطه.

في اليوم التالي، بعد أن أنهى تشيونغ ميونغ والتلاميذ إخماد الحريق وعلاج الجرحى، دخل الغرفة التي كان يرقد بها تشيونغ مون.

فور أن وطأت قدماه العتبة، ارتسم عبوس طفيف على وجهه وهو يرى الفوضى التي تسود المكان.

كانت الأغطية مبعثرة، وأدوات العلاج متناثرة كأنها شهدت معركة.

"تسك تسك، إذا رأى ساهيونغ ذلك سيبدأ بالتذمر من جديد"،

تمتم تشيونغ ميونغ لنفسه وهو يلتقط قطعة قماش قريبة.

بدأ يمسح الفوضى، وكأنما يحاول محو آثار الكارثة التي مروا بها.

"لماذا علي فعل ذلك؟ كل هذا بسبب تذمرك ساهيونغ... عندما تستيقظ، سأستريح لمدة عشرة أيام. لا، سأستريح لشهر!"

كانت أفكاره تتلاشى في الهواء، بينما كانت مشاعره تتأرجح بين الإحباط والمرح.

كما توالت زياراته الغير منتظمة كلما سنحت له الفرصة.

أحيانًا كان يأتي محملاً بزجاجة كحول، يسكب منها كأسًا ويضعه بجانب تشيونغ مون، ثم يضحك بمكر.

"هيهيهي، ساهيونغ، كنت تخفي شيئًا كهذا؟ يجب عليك استخدام الأشياء الجيدة! تسك تسك."

كانت نبرته ساخرة، تخفي خلفها غصة من القلق.

لكن سرعان ما خفت صوته، وكأنما تغلبت عليه كآبة الموقف.

"ألا تنوي الاستيقاظ بعد؟"

استمر الوضع على هذه الحال، حيث كانت كلماته مليئة بالتذمر والشكوى، تخرج من فمه كأنها تتساقط كالأوراق الجافة.

وفي أحد الأيام، قطع صمته فجأة،

"ساهيونغ، هناك شيء غريب حقًا. أعتقد أنهم غرباء، ولكن بطريقة ما هم تلاميذ جبل هوا أيضًا. آه، عدا ذلك الأصلع. لكن، لماذا تثير رؤيتهم حنقي؟"

"لا، ما الذي تتحدث عنه، ساهيونغ؟ أعلم أنني لا أحفظ وجوه جميع التلاميذ، لكنهم يستمرون بمناداتي تشيونغ ميونغ هكذا. بعد كل شيء، لا أزال شيخًا في الطائفة."

كان تشيونغ مون يتمنى لو يستطيع الرد، لكن فقدانه للوعي أبقاه محاصرًا في عالمه الخاص.

"إنهم غرباء ومزعجون، لكن بطريقة ما... هذا مزعج، استيقظ بسرعة، ساهيونغ! لدي الكثير للتفكير به، وأنت مستلقٍ هكذا!"

ومع مرور الأيام، سمع تشيونغ مون ما يكفي من تذمر تشيونغ ميونغ، لذا عندما استعاد وعيه، كان متأكدًا أنه بحاجة لمعرفة هؤلاء الذين جعلوه يتحدث هكذا.

فهو لم يكن قريبًا من الكثير من الأشخاص.

والآن، وجد نفسه محاطًا بالسيوف الست، الذين كانوا يجلسون أمامه بتوتر.

كانت ملامحهم تشير إلى القلق، كأنهم ينتظرون حكمًا.

لذا ارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة وهو ينظر لهم
...........................

في ظلام دامس، كأنه دخل في بئر بلا قاع.

لم تكن هناك أي نقطة ضوء تخرق هذا السكون القاتم، كان الفراغ كثيفًا، يثقل الأجواء حوله، كأن الهواء نفسه قد تجمد.

لم يكن هناك شيء سوى ظلال تتراقص في ذهنه، كالأشباح التي تعبر في زوايا القلوب المظلمة.

في هذا العدم، كانت الأصوات المألوفة تتردد في أعماق عقله، وكأنها صدى لذكريات قديمة.

كلما حاول التركيز، كلما زادت هذه الأصوات، لتتحول إلى همسات شبحية تملأ الفراغ، تُثير في نفسه مشاعر مختلطة من الحزن والحنين.

مع كل زفرة عميقة، كان يشعر وكأن الظلام يلتف حوله، يحاول خنقه، لكن في أعماق هذا العدم، بدأت تتجلى من أمامه من جديد.

"هاه، مرة أخرى؟"

خرج صوته خافتاً كما لو كان سيتلاشى بأي لحظة

3... 2... 1...

بدأ بالعد كما لو كان ينتظر شيئاً ما، وعندما انتهى، بدأت الأصوات المألوفة تتردد في أذنه.

تغير المشهد، ليظهر أمامه جبل هوا في أبهى حلته، تحت سماء الخريف الزرقاء.

كان هناك، أمام باب الطائفة، طفل صغير ذو شعر أسود وعينين ورديتين، يضحك بسعادة، يلوح بيده في الهواء كأنما يدعو العالم للانضمام إلى فرحته.

اقترب منه رجل عجوز ذو لحية بيضاء طويلة، يرتدي الزي الرسمي لجبل هوا.

كان زعيم الطائفة الأول، الذي أضفى على المكان هالة من الحكمة.

"ياله من طفل مسكين."

قال ذلك وهو يحدق بالطفل، ثم حمله عائدًا إلى الطائفة.

كان الطفل يسحب لحية العجوز بسعادة، بينما كان الأخير يتألم محاولًا فكها.

"هاهاها، كيف لهذه القبضة الصغيرة أن تحمل هذه القوة؟"

جلس تشيونغ ميونغ بهدوء، يشاهد هذا المشهد بتعابير غير راضية.

"بحق، لما كان عليه التقاطي إذا لم يعجبه الأمر لاحقًا؟ ذلك العجوز اللعين."

"تشيونغ ميونغ!"

عند الصراخ المفاجئ، ارتجف قلبه.

التفت بسرعة إلى الخلف، مستغربًا من وجود صوت في هذا الظلام الذي يحيط به، إذ كان من المفترض أن يكون وحده في عالم أحلامه.

لكن الصوت الغاضب لأخيه، تشيونغ مون، كان يتردد في أذنه كصدى رعدٍ بعيد، مما جعله يشعر بشغفٍ غريب.

"ساهيونغ!"

لكن سرعان ما تلاشت تلك المشاعر، ليحل محلها جفافٌ في تعابيره، لم يكن ذلك النداء موجهاً بل كانت ذكرى عابرة.

حيث كان يتعرض لتوبيخٍ شديد من تشيونغ مون، الذي لم يتوقف عن التذمر لساعات.

كانت الكلمات تتساقط كالحجارة على صدره، مثيرةً قشعريرةً سرت في جسده.

توالت المشاهد أمام عينيه، بعضها يظهره كطفل، وبعضها كشاب يضحك بسعادة، وأخرى تنقلب إلى توبيخ، كان كأنه شريط حياته يمر أمامه، فيتساءل في عمق قلبه.

"ما هذا بحق؟ أهذا يعني أنها نهايتي أو ما شابه؟"

كان هذا الكابوس يتكرر لأيام عديدة، على الرغم من احتوائه على ذكريات جميلة.

ومع كل محاولة يائسة منه، لم يستطع الوصول إلى نهايته.

وفجأة، اختل توازن الأمور،

"أليس هذا ممتعاً؟"

التفت عند هذا الصوت الساخر، ليجد أمام عينيه ظلًا أسود قاتمًا.
كائن غامض، كأنه نتاج الظلام نفسه، يتلاشى ويظهر في زوايا الليل.

كان له هيئة بشرية، لكن ملامحه كانت مشوشة، كأنها تتشكل من كتل متداخلة من الدخان الكثيف.

عينيه كانتا كفجوات عميقة، تلمعان بلون أسود حالك، تتلألأ فيهما شرارات من ضوء خافت، كأنها تتحدر من أعماق الجحيم.

فمه كان مشوها، يبرز ابتسامة ماكرة وكأنها تشوهت بفعل العدم، مما جعل الصوت الذي يخرج منه مفعمًا بالسخرية.

كان الظل يتلاعب بحضوره، يتقدم ويتراجع كأنه يرقص على حافة الهاوية، مما أضفى على الجو شعورًا بالتهديد والغموض.

كل حركة له كانت تترك أثرًا من القلق في الهواء، كما لو أن كل كلمة يتفوه بها تحمل ثقل العالم بأسره.

"لقد كانت حياة رغيدة، لا بد أنك استمتعت، أليس كذلك؟"

"من أنت؟"

سأل تشيونغ ميونغ ببرود، بينما كان يحدق بالظل الذي يواجهه.

لكن الآخر راح يضحك بقوة، صوته يتردد في الفراغ، كأنه يعبث بأفكاره.

"من أنا؟ لماذا لا تحاول أن تخمن؟ أنت تعرفني جيداً."

تجاهل تشيونغ ميونغ استفزازاته ببرود متناهٍ؛ لقد سئم من هذا العبث، كأنه يتدحرج في دوامة لا تنتهي.

"ها؟ انتظر بحق، إلى أين تذهب؟ ألست فضولياً؟"

"لا."

"ولكن ألا تجده غريباً؟"

بدا الظل متوتراً عند هذا الرد البارد لتشيونغ ميونغ.

"الحياة بحد ذاتها غريبة."

" أجل انت محق، لكن ألا يمكنك سؤالي مرة أخرى على الأقل."

شوه تشيونغ ميونغ وجهه بانزعاج شديد.

"هذا الوغد اللعين ألا يمكن لعقلك الغبي أن يستوعب؟، أخبرتك أنني لا أهتم لما تجبرني بمعرفة هويتك.

ما الذي سأفعله بها؟ هل ستجعل حياتي أفضل؟ هل سيتغير شيء بمعرفتها؟"

" في الواقع.. لا"

" إذا؟ "

" ولكن معظم الناس سيتساءلون."

"تشه، ياله من إزعاج. بعد سحب شخص مشغول لهذا المكان السخيف،  بحق، إذا كان كابوساً، فليكن. لماذا تستمر بإظهار هذه الأشياء وإرباكي؟"

ظل الظل عاجزًا عن الكلام وهو يشاهد تشيونغ ميونغ في نوبة من الغضب، كأنما يتفجر من داخلٍ متأزم.

وبعد لحظات،
فتح تشيونغ ميونغ عينيه، ليجد نفسه لا يزال في جبل هوا، حيث إخوته، مما جعل قلبه المضطرب يطمئن قليلاً.

كان الحلم جميلاً جداً ليُعتبر كابوساً، لكن هذا الجمال لم يكن كافيًا ليجعله يهنأ، فقد كان يخشى أن يستيقظ ليجد كل ما يؤمن به قد انهار أمام عينيه.

نفض تشيونغ ميونغ تلك الأفكار المزعجة من رأسه، ارتدى رداءه، والتقط سيفه.

خرج بهدوء من غرفته، متوجهًا نحو التلة المنعزلة، حيث كان يلجأ كلما عصفت به الأفكار، عازمًا على مواجهة ظلامه الداخلي.
.........................
خرج السيوف الست من غرفة تشيونغ مون، والحيرة تغمرهم كغيمة ثقيلة.

لم يفهموا شيئًا مما قاله، لكن كلماته كانت كشرارة في الظلام، تثير الشكوك في قلوبهم.

ربما يكون هنا، في هذا المكان الغامض، تشيونغ ميونغ الحقيقي.

تنفست الأنفاس ببطء، والهواء مشحون بالصمت الذي يكاد يُقطَع.

"هاه؟"

التفت الجميع إلى جوغول، الذي كان يحدق حوله باستغراب، كأنه فقد شيئًا مهمًا في خضم الفوضى.

"ما الأمر الآن؟"

قال بايك تشيون بانزعاج طفيف، وهو يحدق في وجه جوغول الذي بدا غبيًا أكثر من المعتاد في تلك اللحظة.

"أين ساغو؟"

تساءل جوغول بحيرة، بينما بدأ الجميع يبحثون كالأشباح في ظلامٍ كثيف.

"لا متى اختفت بحق؟"

"إلى أين ذهبت؟"

بينما كانت أصواتهم تتداخل، كانت يوي سول، بحضورها الخفيف كزفرة ريح، قد انسحبت دون أن تُدرك، كأنها شبح في عالمٍ موازٍ.

بدأت تسير بخطوات هادئة نحو القمة البعيدة، وعندما لمحت تشيونغ ميونغ وهو يخرج حاملاً سيفه، لم تستطع تمالك نفسها وراحت تتبعه.

شيئًا فشيئًا، اقتربت خطواتها، وصوت أنفاسها صار كهمسات الرياح.

كان تشيونغ ميونغ يقف وحيدًا في القمة، وكُمّه الفارغ يرفرف مع نسمات الرياح الرقيقة، وكأن الطبيعة تحتفل بوجوده.

ضوء القمر كان ينساب على وجهه، مما أضاف لمسة من السحر إلى ابتسامته الغريبة.

استل السيف بيده اليمنى، وأرجحه بخفة، مع لمسة من الرضا على وجهه.

"لا يزال غريباً، ولكن لا بأس به."

كلمات خرجت منه كهمسات، بينما كان يشعر بفراغٍ غامض يرافق فقده... ومع ذلك، بدأ يمارس القتال، وكأن السيف هو امتداد لجسده.

عند ملامسة شفرة السيف للهواء، بدأت طاقته الداخلية تتدفق منه كنبع من النور، متسللة عبر الحواف الحادة للسيف.

ومن السيف، بدأت بتلات وردية تتدفق، تنساب في الهواء كأفكار هاربة، تتفتح مع كل ضربة، تتساقط كالأمطار الناعمة في مشهد ساحر.

تحت ضوء القمر الفضي، كانت بتلات الورود تتلألأ كأحجار كريمة، تضيء المساحة المحيطة به وتخلق هالة من السحر والغموض.

رائحتها العطرة انتشرت في المكان، وكأنها تنادي الأرواح من حولها.

كل حركة من حركاته كانت كرقصة، تتناغم مع الرياح التي كانت تدفع الأزهار لتنساب حوله، كأنها تتبع إيقاع قلبه.

كانت البتلات تلتف بتشيونغ ميونغ حوله، كأنها درع من الجمال، تروي قصة لا تُحكى إلا في لحظات السكون.

تأملت يوي سول المشهد من بعيد، وعيناها تتسعان بدهشة.

كانت تلك الزهور وعلى الرغم من أنها غير حقيقية أكثر جمالاً وحياة من أي شيء رأته عيناها.



..............................................

في أجواء مشحونة بالتوتر، تجمعت السيوف الستة أمام باب غرفة الزعيم، قلوبهم تنبض بسرعة كطقطقة السيوف في أيدٍ مرتعشة.

كان بايك تشيون هو الذي كسر الصمت، صوته منخفض ولكنه يحمل شحنة من القلق.

"هل تعلم لماذا طلبنا زعيم الطائفة؟"

أجاب التلميذ الذي يرشدهم بتردد،

"لا أعلم."

نظر الجميع حولهم، والشكوك تتراقص في عقولهم.

كان وجودهم هنا غريبًا، لكن الآن يطلب زعيم الطائفة رؤيتهم؟ لم يلتقوا به من قبل، وكان من المفترض أنه غائب في غيبوبة.

مع كل خطوة نحو الغرفة، كان التوتر يتصاعد.

عند دخولهم، وجدوا تشيونغ مون جالسًا على السرير، وجهه شاحب كغيمات عابرة، وجسده هزيل، لكن هيبته كانت لا تزال تفيض في أجواء الغرفة.

كان صوته، حين تحدث، كنسيم دافئ رغم ضعفه.

"اجلسوا."

امتثلوا برغبة، كأنهم مدفوعون بقوة خفية، وجلسوا حيث أشار إليهم.

"ما هي أسماؤكم؟"

سأل بصوت هادئ.

بسرعة، نهض بايك تشيون، وضم يده أمامه، مُنحنيًا باحترام.

"بايك تشيون، تلميذ جبل هوا، يحيي زعيم الطائفة."

كما تبعه الآخرون، مع تجنب ذكر مراتبهم.

"يوي سول." 
"جوغول." 

"يون جونغ."

وأخيرا جاء دور هاي يون، الذي كان وجهه يتحول إلى لون الطماطم الناضجة من الخجل.

"هاي يون..."

همس، وكأن الكلمات عالقة في حلقه.

كيف يمكنه أن يذكر أنه تلميذ جبل هوا بينما يعلم أن تشيونغ ميونغ سيغضب لو علم بذلك؟

"تلميذ شاولين؟" تساءل في نفسه، "سيدفنه قديس السيف في مكانه."

لكن تشيونغ مون، الذي أدرك توتره، هز برأسه ليعيده إلى مقعده، مما خفف من حيرته.

نظر إليه هاي يون بإعجاب، وكادت عيناه تفيض بالدموع من الارتياح.

ومرّت لحظة من الصمت الثقيل، حيث كان الخوف يلف المكان كضباب كثيف.

ماذا لو سألهم عن هويتهم؟ ماذا عليهم أن يقولوا؟

ثم، في لحظة غير متوقعة، كسر تشيونغ مون الصمت.

"كيف وجدتموه؟"

"هاه؟"

ارتفع بايك تشيون برأسه بذهول، لكن تشيونغ مون ابتسم، متابعًا حديثه بلطف.

"أعني جبل هوا."

"هذا..."

تردد بايك تشيون، الكلمات تتعثر على لسانه.

"هاهاها، لا تقلق، لم أحضرك هنا للتحقيق بشأنك."

كانت ضحكاته تتردد في الأرجاء، مهدئة الأجواء المتوترة.

"إذاً، لماذا، زعيم الطائفة؟"

سأل بايك تشيون بتوتر وهو يتفقد تعابير وجهه.

أغمض تشيونغ مون عينيه الهزيلتين، وابتسامة ناعمة تتراقص على شفتيه، بينما تتردد في ذهنه أصوات الأيام الماضية، كأنها أنغام قديمة تعيد إحياء الذكريات.
.....................

على الرغم من كونه فاقدًا للوعي، إلا أن تشيونغ مون كان يشعر كأن هناك خيوطًا رقيقة تربطه بالعالم من حوله.

كانت همسات تشيونغ ميونغ وصوته القوي، الذي كان يتردد في أذنه كصدى بعيد، أكثر ما جلب له شعورًا بالراحة في تلك الظلمة التي كانت تحيطه.

في اليوم التالي، بعد أن أنهى تشيونغ ميونغ والتلاميذ إخماد الحريق وعلاج الجرحى، دخل الغرفة التي كان يرقد بها تشيونغ مون.

فور أن وطأت قدماه العتبة، ارتسم عبوس طفيف على وجهه وهو يرى الفوضى التي تسود المكان.

كانت الأغطية مبعثرة، وأدوات العلاج متناثرة كأنها شهدت معركة.

"تسك تسك، إذا رأى ساهيونغ ذلك سيبدأ بالتذمر من جديد"،

تمتم تشيونغ ميونغ لنفسه وهو يلتقط قطعة قماش قريبة.

بدأ يمسح الفوضى، وكأنما يحاول محو آثار الكارثة التي مروا بها.

"لماذا علي فعل ذلك؟ كل هذا بسبب تذمرك ساهيونغ... عندما تستيقظ، سأستريح لمدة عشرة أيام. لا، سأستريح لشهر!"

كانت أفكاره تتلاشى في الهواء، بينما كانت مشاعره تتأرجح بين الإحباط والمرح.

كما توالت زياراته الغير منتظمة كلما سنحت له الفرصة.

أحيانًا كان يأتي محملاً بزجاجة كحول، يسكب منها كأسًا ويضعه بجانب تشيونغ مون، ثم يضحك بمكر.

"هيهيهي، ساهيونغ، كنت تخفي شيئًا كهذا؟ يجب عليك استخدام الأشياء الجيدة! تسك تسك."

كانت نبرته ساخرة، تخفي خلفها غصة من القلق.

لكن سرعان ما خفت صوته، وكأنما تغلبت عليه كآبة الموقف.

"ألا تنوي الاستيقاظ بعد؟"

استمر الوضع على هذه الحال، حيث كانت كلماته مليئة بالتذمر والشكوى، تخرج من فمه كأنها تتساقط كالأوراق الجافة.

وفي أحد الأيام، قطع صمته فجأة،

"ساهيونغ، هناك شيء غريب حقًا. أعتقد أنهم غرباء، ولكن بطريقة ما هم تلاميذ جبل هوا أيضًا. آه، عدا ذلك الأصلع. لكن، لماذا تثير رؤيتهم حنقي؟"

"لا، ما الذي تتحدث عنه، ساهيونغ؟ أعلم أنني لا أحفظ وجوه جميع التلاميذ، لكنهم يستمرون بمناداتي تشيونغ ميونغ هكذا. بعد كل شيء، لا أزال شيخًا في الطائفة."

كان تشيونغ مون يتمنى لو يستطيع الرد، لكن فقدانه للوعي أبقاه محاصرًا في عالمه الخاص.

"إنهم غرباء ومزعجون، لكن بطريقة ما... هذا مزعج، استيقظ بسرعة، ساهيونغ! لدي الكثير للتفكير به، وأنت مستلقٍ هكذا!"

ومع مرور الأيام، سمع تشيونغ مون ما يكفي من تذمر تشيونغ ميونغ، لذا عندما استعاد وعيه، كان متأكدًا أنه بحاجة لمعرفة هؤلاء الذين جعلوه يتحدث هكذا.

فهو لم يكن قريبًا من الكثير من الأشخاص.

والآن، وجد نفسه محاطًا بالسيوف الست، الذين كانوا يجلسون أمامه بتوتر.

كانت ملامحهم تشير إلى القلق، كأنهم ينتظرون حكمًا.

لذا ارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة وهو ينظر لهم
...........................

في ظلام دامس، كأنه دخل في بئر بلا قاع.

لم تكن هناك أي نقطة ضوء تخرق هذا السكون القاتم، كان الفراغ كثيفًا، يثقل الأجواء حوله، كأن الهواء نفسه قد تجمد.

لم يكن هناك شيء سوى ظلال تتراقص في ذهنه، كالأشباح التي تعبر في زوايا القلوب المظلمة.

في هذا العدم، كانت الأصوات المألوفة تتردد في أعماق عقله، وكأنها صدى لذكريات قديمة.

كلما حاول التركيز، كلما زادت هذه الأصوات، لتتحول إلى همسات شبحية تملأ الفراغ، تُثير في نفسه مشاعر مختلطة من الحزن والحنين.

مع كل زفرة عميقة، كان يشعر وكأن الظلام يلتف حوله، يحاول خنقه، لكن في أعماق هذا العدم، بدأت تتجلى من أمامه من جديد.

"هاه، مرة أخرى؟"

خرج صوته خافتاً كما لو كان سيتلاشى بأي لحظة

3... 2... 1...

بدأ بالعد كما لو كان ينتظر شيئاً ما، وعندما انتهى، بدأت الأصوات المألوفة تتردد في أذنه.

تغير المشهد، ليظهر أمامه جبل هوا في أبهى حلته، تحت سماء الخريف الزرقاء.

كان هناك، أمام باب الطائفة، طفل صغير ذو شعر أسود وعينين ورديتين، يضحك بسعادة، يلوح بيده في الهواء كأنما يدعو العالم للانضمام إلى فرحته.

اقترب منه رجل عجوز ذو لحية بيضاء طويلة، يرتدي الزي الرسمي لجبل هوا.

كان زعيم الطائفة الأول، الذي أضفى على المكان هالة من الحكمة.

"ياله من طفل مسكين."

قال ذلك وهو يحدق بالطفل، ثم حمله عائدًا إلى الطائفة.

كان الطفل يسحب لحية العجوز بسعادة، بينما كان الأخير يتألم محاولًا فكها.

"هاهاها، كيف لهذه القبضة الصغيرة أن تحمل هذه القوة؟"

جلس تشيونغ ميونغ بهدوء، يشاهد هذا المشهد بتعابير غير راضية.

"بحق، لما كان عليه التقاطي إذا لم يعجبه الأمر لاحقًا؟ ذلك العجوز اللعين."

"تشيونغ ميونغ!"

عند الصراخ المفاجئ، ارتجف قلبه.

التفت بسرعة إلى الخلف، مستغربًا من وجود صوت في هذا الظلام الذي يحيط به، إذ كان من المفترض أن يكون وحده في عالم أحلامه.

لكن الصوت الغاضب لأخيه، تشيونغ مون، كان يتردد في أذنه كصدى رعدٍ بعيد، مما جعله يشعر بشغفٍ غريب.

"ساهيونغ!"

لكن سرعان ما تلاشت تلك المشاعر، ليحل محلها جفافٌ في تعابيره، لم يكن ذلك النداء موجهاً بل كانت ذكرى عابرة.

حيث كان يتعرض لتوبيخٍ شديد من تشيونغ مون، الذي لم يتوقف عن التذمر لساعات.

كانت الكلمات تتساقط كالحجارة على صدره، مثيرةً قشعريرةً سرت في جسده.

توالت المشاهد أمام عينيه، بعضها يظهره كطفل، وبعضها كشاب يضحك بسعادة، وأخرى تنقلب إلى توبيخ، كان كأنه شريط حياته يمر أمامه، فيتساءل في عمق قلبه.

"ما هذا بحق؟ أهذا يعني أنها نهايتي أو ما شابه؟"

كان هذا الكابوس يتكرر لأيام عديدة، على الرغم من احتوائه على ذكريات جميلة.

ومع كل محاولة يائسة منه، لم يستطع الوصول إلى نهايته.

وفجأة، اختل توازن الأمور،

"أليس هذا ممتعاً؟"

التفت عند هذا الصوت الساخر، ليجد أمام عينيه ظلًا أسود قاتمًا.
كائن غامض، كأنه نتاج الظلام نفسه، يتلاشى ويظهر في زوايا الليل.

كان له هيئة بشرية، لكن ملامحه كانت مشوشة، كأنها تتشكل من كتل متداخلة من الدخان الكثيف.

عينيه كانتا كفجوات عميقة، تلمعان بلون أسود حالك، تتلألأ فيهما شرارات من ضوء خافت، كأنها تتحدر من أعماق الجحيم.

فمه كان مشوها، يبرز ابتسامة ماكرة وكأنها تشوهت بفعل العدم، مما جعل الصوت الذي يخرج منه مفعمًا بالسخرية.

كان الظل يتلاعب بحضوره، يتقدم ويتراجع كأنه يرقص على حافة الهاوية، مما أضفى على الجو شعورًا بالتهديد والغموض.

كل حركة له كانت تترك أثرًا من القلق في الهواء، كما لو أن كل كلمة يتفوه بها تحمل ثقل العالم بأسره.

"لقد كانت حياة رغيدة، لا بد أنك استمتعت، أليس كذلك؟"

"من أنت؟"

سأل تشيونغ ميونغ ببرود، بينما كان يحدق بالظل الذي يواجهه.

لكن الآخر راح يضحك بقوة، صوته يتردد في الفراغ، كأنه يعبث بأفكاره.

"من أنا؟ لماذا لا تحاول أن تخمن؟ أنت تعرفني جيداً."

تجاهل تشيونغ ميونغ استفزازاته ببرود متناهٍ؛ لقد سئم من هذا العبث، كأنه يتدحرج في دوامة لا تنتهي.

"ها؟ انتظر بحق، إلى أين تذهب؟ ألست فضولياً؟"

"لا."

"ولكن ألا تجده غريباً؟"

بدا الظل متوتراً عند هذا الرد البارد لتشيونغ ميونغ.

"الحياة بحد ذاتها غريبة."

" أجل انت محق، لكن ألا يمكنك سؤالي مرة أخرى على الأقل."

شوه تشيونغ ميونغ وجهه بانزعاج شديد.

"هذا الوغد اللعين ألا يمكن لعقلك الغبي أن يستوعب؟، أخبرتك أنني لا أهتم لما تجبرني بمعرفة هويتك.

ما الذي سأفعله بها؟ هل ستجعل حياتي أفضل؟ هل سيتغير شيء بمعرفتها؟"

" في الواقع.. لا"

" إذا؟ "

" ولكن معظم الناس سيتساءلون."

"تشه، ياله من إزعاج. بعد سحب شخص مشغول لهذا المكان السخيف،  بحق، إذا كان كابوساً، فليكن. لماذا تستمر بإظهار هذه الأشياء وإرباكي؟"

ظل الظل عاجزًا عن الكلام وهو يشاهد تشيونغ ميونغ في نوبة من الغضب، كأنما يتفجر من داخلٍ متأزم.

وبعد لحظات،
فتح تشيونغ ميونغ عينيه، ليجد نفسه لا يزال في جبل هوا، حيث إخوته، مما جعل قلبه المضطرب يطمئن قليلاً.

كان الحلم جميلاً جداً ليُعتبر كابوساً، لكن هذا الجمال لم يكن كافيًا ليجعله يهنأ، فقد كان يخشى أن يستيقظ ليجد كل ما يؤمن به قد انهار أمام عينيه.

نفض تشيونغ ميونغ تلك الأفكار المزعجة من رأسه، ارتدى رداءه، والتقط سيفه.

خرج بهدوء من غرفته، متوجهًا نحو التلة المنعزلة، حيث كان يلجأ كلما عصفت به الأفكار، عازمًا على مواجهة ظلامه الداخلي.
.........................
خرج السيوف الست من غرفة تشيونغ مون، والحيرة تغمرهم كغيمة ثقيلة.

لم يفهموا شيئًا مما قاله، لكن كلماته كانت كشرارة في الظلام، تثير الشكوك في قلوبهم.

ربما يكون هنا، في هذا المكان الغامض، تشيونغ ميونغ الحقيقي.

تنفست الأنفاس ببطء، والهواء مشحون بالصمت الذي يكاد يُقطَع.

"هاه؟"

التفت الجميع إلى جوغول، الذي كان يحدق حوله باستغراب، كأنه فقد شيئًا مهمًا في خضم الفوضى.

"ما الأمر الآن؟"

قال بايك تشيون بانزعاج طفيف، وهو يحدق في وجه جوغول الذي بدا غبيًا أكثر من المعتاد في تلك اللحظة.

"أين ساغو؟"

تساءل جوغول بحيرة، بينما بدأ الجميع يبحثون كالأشباح في ظلامٍ كثيف.

"لا متى اختفت بحق؟"

"إلى أين ذهبت؟"

بينما كانت أصواتهم تتداخل، كانت يوي سول، بحضورها الخفيف كزفرة ريح، قد انسحبت دون أن تُدرك، كأنها شبح في عالمٍ موازٍ.

بدأت تسير بخطوات هادئة نحو القمة البعيدة، وعندما لمحت تشيونغ ميونغ وهو يخرج حاملاً سيفه، لم تستطع تمالك نفسها وراحت تتبعه.

شيئًا فشيئًا، اقتربت خطواتها، وصوت أنفاسها صار كهمسات الرياح.

كان تشيونغ ميونغ يقف وحيدًا في القمة، وكُمّه الفارغ يرفرف مع نسمات الرياح الرقيقة، وكأن الطبيعة تحتفل بوجوده.

ضوء القمر كان ينساب على وجهه، مما أضاف لمسة من السحر إلى ابتسامته الغريبة.

استل السيف بيده اليمنى، وأرجحه بخفة، مع لمسة من الرضا على وجهه.

"لا يزال غريباً، ولكن لا بأس به."

كلمات خرجت منه كهمسات، بينما كان يشعر بفراغٍ غامض يرافق فقده... ومع ذلك، بدأ يمارس القتال، وكأن السيف هو امتداد لجسده.

عند ملامسة شفرة السيف للهواء، بدأت طاقته الداخلية تتدفق منه كنبع من النور، متسللة عبر الحواف الحادة للسيف.

ومن السيف، بدأت بتلات وردية تتدفق، تنساب في الهواء كأفكار هاربة، تتفتح مع كل ضربة، تتساقط كالأمطار الناعمة في مشهد ساحر.

تحت ضوء القمر الفضي، كانت بتلات الورود تتلألأ كأحجار كريمة، تضيء المساحة المحيطة به وتخلق هالة من السحر والغموض.

رائحتها العطرة انتشرت في المكان، وكأنها تنادي الأرواح من حولها.

كل حركة من حركاته كانت كرقصة، تتناغم مع الرياح التي كانت تدفع الأزهار لتنساب حوله، كأنها تتبع إيقاع قلبه.

كانت البتلات تلتف بتشيونغ ميونغ حوله، كأنها درع من الجمال، تروي قصة لا تُحكى إلا في لحظات السكون.

تأملت يوي سول المشهد من بعيد، وعيناها تتسعان بدهشة.

كانت تلك الزهور وعلى الرغم من أنها غير حقيقية أكثر جمالاً وحياة من أي شيء رأته عيناها.






تعليقات