ساهيونغ لا يعلم
في اللحظة التي نطق فيها بايك تشيون بتلك الكلمات، شعر بضغط السيف وهو يغرز بحدة في عنقه، كأنه جليد يقطع لحمًا دافئًا.
تسربت الدماء الحمراء من الجرح، تتدفق بقوة وكأنها تحاول الهروب من هذا المصير.
شعر بايك أن أي كلمة إضافية قد تعني نهاية حياته، لم يكن الأمر مزحة أو مجرد تدريب، بل كان هذا السيف يهدف حقًا إلى رقبته.
حاول السيوف الخمسة التقدم نحوه، لكن خطواتهم تجمدت في مكانها، وكأنها استسلمت أمام نظرات تشيونغ ميونغ الحادة.
تلك النظرة كانت كالسيف نفسه، تخترق العظام وتترك أثرًا عميقًا من الخوف.
خرج من فمه صوت بارد يحمل في طياته تهديدًا صامتًا، كأن الهواء حولهم قد تجمد.
"من أنا؟"
"هاه؟"
تفاجأ بايك تشيون بسؤال تشيونغ المفاجئ في هذا الموقف القاتم.
نظر إلى وجهه، وبدت جليًا أنه كان جادًا، مما جعله يتأمل في الإجابة التي يجب أن ينطق بها.
تشيونغ ميونغ في هذا المكان لم يكن مجرد زميل أصغر بالطائفة، بل سلفهم وقديس السيف، لكن الإجابة التي أرادها تشيونغ ميونغ في تلك اللحظة هي....
"الشيخ الأكبر."
كان صوت بايك مبحوحاً، واهنًا، لكنه لم يخفف من توتر الموقف.
كانت كلمات تشيونغ ميونغ كالرعد في سماء مظلمة، إذ رد عليه بصوت هادئ ولكنه غاضب.
"إذا كان عقلك اللعين يعي ذلك، فلما تستمر بمناداتي بتشيونغ ميونغ؟"
"...."
تجمدت الكلمات في فم بايك، ولم يستطع أن يجيب.
كيف يمكنه أن يشرح ذلك؟ كيف يمكنه أن يفسر الألفة التي نشأت على مر الزمن، بينما كان السيف لا يزال يضغط على رقبته؟
لم يمنحه تشيونغ ميونغ الفرصة للإجابة، بل تابع كلماته، وعيناه، التي كانت تتألق بوميض بارد، بدت كنافذة تطل على الجحيم.
"لا، هذا ليس مهمًا. الآن أريد أن أعلم سبب تجسسكم على اجتماع زعيم الطائفة."
عند تلك الكلمات، شعر بايك أن العالم من حوله يتلاشى، وأنه محاصر بين جدران من الخوف والارتباك، كأنه في زنزانة مظلمة لا مخرج لها.
كان قلبه ينبض بسرعة، وكأن كل نبضة تدق كجرس إنذار.
'تجسس؟'
اتسعت عيناه بذهول، وكأن صاعقة قد ضربته.
لم يكن الأمر مجرد سؤال، بل كان اتهامًا ثقيلًا، يجعله يشعر وكأنه مكشوف أمام أعين الجميع.
في جبل هوا الذي اعتادوه كان من الطبيعي لهم أن يكونوا في كل الاجتماعات، كان زعيم الطائفة طالما يستشيرهم، وقد كانوا يدركون أن هذا غير طبيعي لكنهم قد اعتادوا على ذلك حتى نسو الأمر.
هم مجرد تلاميذ لا أكثر، بالنسبة لتشيونغ ميونغ هم غرباء ظهروا فجأة مدعين أنهم تلاميذ، وفوق ذلك كانوا يتجسسون على اجتماعهم.
اخترقت نظراته الحادة أرواحهم، تلك العيون الباردة بدا شفافاً أمامها كما لو كانت تعكس كل ما يخفيه، كما لو كانت تبحث عن الحقيقة في أعماق قلبه
شعر بايك بصدمة داخلية، وكأن جدارًا قد انهار في داخله، مزيج من الخوف والارتباك يتصاعد في صدره.
'ما الذي يجدر بي قوله؟'
راح يتساءل في نفسه، بينما كان قلبه ينبض بسرعة، وكأن كل نبضة تذكره بالخطر الذي يحيط بهم.
بينما كانت الكلمات تدور في ذهنه، بدأ القلق يتسلل إلى أعماقه كظلال ثقيلة.
كان هذا هو تشيونغ ميونغ، لكنه كان نسخة مختلفة تمامًا عما عهدوه.
تحولت تلك الشخصية المألوفة إلى كائن غامض، قوي، ومرعب، مما جعله يشعر وكأن العالم من حوله قد انقلب.
في تلك اللحظة، أدرك ذلك كل شيء الآن مختلف بشكل كبير عما عهدوه.
حتى بقية السيوف، الذين كانوا يشعرون بالألفة تجاه تشيونغ ميونغ، بدأوا يستشعرون الخطر.
كانت نظراتهم تتبادل الشكوك والقلق، وكأنهم في قارب صغير وسط عاصفة هوجاء، دون أن يعرفوا إلى أين ستقودهم الأمواج.
كانت اللحظة صعبة، وكأن الزمن قد توقف في فخ من الرهبة، بينما كانت أعينهم تتعقد في دوامة من الشكوك والخوف.
في تلك الأثناء، قطع الصمت صوت يوي سول، الذي مزق الأجواء القاتمة بشكل مفاجئ.
"فضول."
"فضول؟؟"
"أجل"
"ها، ياله من هراء أتعتقدين أن بقية التلاميذ لم يكونا فضوليين؟"
كانت يدا يوي سول رطبة من شدة تعرقها وهي تحاول أن تصيغ الكلمات، كان ضغط تشيونغ ميونغ خانقاً يحبس الأنفاس ويجعل عقلها يتوقف لكن التواصل بالنسبة لها كانت مهمة أكثر صعوبة.
راح تشيونغ ميونغ يحدق بها بعبوس كانت تلك التلميذة تثير في نفسه شعورًا غريبًا، شعورًا بعدم الراحة راح يتسلل إلى أعماقه.
بالنسبة له، الذي لم يحتك بالكثير من التلاميذ، بدت يوي سول فريدة بشكل خاص.
كانت مختلفة تمامًا عن ساهيونغ الذي يتذمر بلا توقف، وعن تشيونغ جين الذي كان عنيدًا كالصخر، وحتى عن بو الذي كان صريحًا في أفكاره. يوي سول كانت تحمل شيئًا غير عادي، شيئًا يجذب انتباهه ويجعل قلبه يتوقف للحظة.
"كان الشيخ هو من سرق كنوزهم لذا كنا فضوليين عن السبب"
............
كان المتسول العجوز يجلس على كرسيه بتوتر ، عينيه غائرتان، وكأنهما تعكسان عالمًا مظلمًا مليئًا بالخيبة.
تقدم نحو تشيونغ ميونغ، الذي كان جالسًا أمامه، وكوب مكسور في يده.
عندما التقطه تشيونغ، كان هناك بريق غامض في عينيه، وهو يرفع الكوب إلى شفتيه ويشرب.
"كواااه، حقًا، لدى المتسولين كحول جيد!"
قال وهو يعبر عن إعجابه.
"هاهاها، يشرفني أنه أعجبك!"
رد المتسول العجوز، لكن ضحكته كانت مشوبة بالتوتر.
بعد لحظة من الصمت، عاد المتسول إلى الحديث، محاولًا كسر حواجز الحيرة التي تلاحقه.
"هل يمكنني معرفة السبب الذي دفعك للقدوم إلى هنا؟"
عند هذا السؤال، تغيرت ملامح تشيونغ ميونغ فجأة.
وضع الكوب ببطء على الطاولة أمامه، وتغيرت نبرته إلى جادة، عميقة، مثل بحر هائج.
"فتح الدم."
تجمدت اللحظة، وأمال المتسول رأسه، عابسًا وكأنه يحاول استيعاب معنى الكلمات التي قيلت.
لكن تشيونغ ميونغ لم يتركه في حيرته طويلاً، فتابع، وكلماته تتدفق كالسيل
"إنه اللقب الذي سيطلق على اتحاد المتسولين عند نشوء حرب. أتعلم لماذا؟"
اتسعت عينا المتسول بدهشة، وجهه مليء بالحيرة والاستغراب.
كان يستمع لتلك الكلمات وكأنها نبوءة، بينما كان تشيونغ ميونغ يواصل
"لأن المتسولين الضعفاء سيتم دفعهم إلى أخطر الأماكن من أجل الحصول على المعلومات"
"........"
" الحرب ستخلف أيتامًا وفقراء، سيتحولون إلى متسولين، وسيكون هؤلاء المتسولون جزءًا من الاتحاد."
"........."
"سيُعطون سكاكين، وسيُدفع بهم إلى معسكرات الأعداء.."
"........"
" باسم المجد"
"......."
" باسم النصر"
"......"
"باسم التضحية."
صوته كان هادئًا، لكنه يحمل قوة عاصفة، وكانت كبحر عميق يغرق المستمع بها.
قشعريرة غريبة تسللت إلى جسد المتسول، الذي بدأ يتخيل تلك الصورة المرعبة
اتحاد المتسولين، محاصرون بين تضحياتهم وفقدانهم.
ومع كل كلمة، كان يتعاظم شعور بالخوف والقلق في قلبه.
"لكن لماذا؟" همس المتسول، وكأن السؤال قد خرج منه دون وعي.
كان رأسه ينعكس على الجدران الداخلية للخيمة، وكأن صدى كلماته يعود إليه.
"ستنشأ حرب قريبًا"
قال تشيونغ ميونغ، عاقدًا حاجبيه، وعينيه تعكسان ثقة لا تتزعزع.
كان صوته كجرس ينبه كل من حوله، وكأن الظلام الذي يحيط بهم أصبح أقرب.
تجمد المتسول في مكانه، وبدأت أفكاره تتصارع.
هل حقًا سيصبح جزءًا من تلك الحرب؟ هل سيضطر اتحاد المتسولين لمواجهة مصير مظلم، بينما يحاول البقاء على قيد الحياة؟
تأمل تشيونغ ميونغ في وجه المتسول، وقرأ الحيرة المرتسمة على ملامحه.
كانت تلك اللحظة مليئة بالتوتر، حيث كان كل واحد منهما يدرك أن ما يُقال ليس مجرد كلمات، بل هو بداية لشيء أكبر.
"لأجل النصر، لأجل المجد"
همس المتسول، وكأنه يحاول إقناع نفسه. لكن هل كان مستعدًا حقًا لمواجهة تلك الحرب؟
ارتعشت يدا المتسول وهو يفكر في كل ذلك.
كانت أصابعه ترتجف بشكل لا إرادي، وكأنها تعكس الرعب الذي اجتاح قلبه ومن ثم،
"حرب؟ ما الذي تتحدث عنه؟ مع من؟ كيف؟"
صرخ بصوت مضطرب، عينيه تتسعان في قلق.
تجاهل تشيونغ ميونغ الهلع في صوت المتسول، بينما كان يفرك مؤخرة رأسه بانزعاج.
كانت ملامحه مشدودة، وعيناه تتوقدان بالغضب.
"هناك طائفة تعبد شيئًا يُدعى الشيطان السماوي، وهم..."
توقف تشيونغ ميونغ عن الكلام للحظات، وتغيرت ملامحه المنزعجة إلى أخرى غاضبة.
شرارة غريبة بدت وكأنها تتطاير من عينيه، مشحونة بالانفعالات.
قبل أن يتمكن من الاندفاع نحو المتسول، أمسك تانغ بو به بحذر، محاولًا تهدئته.
صرخ تشيونغ ميونغ بانزعاج، صوته يرتجف من الحماس
"ااا بحق الاله، جمع المعلومات هي مهمتك! لماذا عليّ أن أشرح لك ذلك؟ لقد أخبرتك أن هناك حربًا لعينة على وشك أن تقام! ما الذي تريده أكثر من ذلك؟"
وجه المتسول كان يحمل دهشة مطلقة، وكأن صدمة كلماته قد جمدته في مكانه.
"لا يمكنك أن تأت فجأة وتخبرني أن هناك حرب، وهكذا ينتهي الأمر!"
كانت كلماته تعكس عدم التصديق، وكأن العالم من حوله قد انهار.
حينها بدأت ملامح تشيونغ ميونغ بالتشوه أكثر فأكثر، وقد زادت يده من الضغط على الطاولة، كأنها تعكس صراعًا داخليًا، فقد كان يكافح من أجل السيطرة على مشاعره.
"لا، هذا اللعين! لماذا لا تفهم؟ لقد ظهر أحد أولئك الأوغاد اللعناء في قصر الوحش! لماذا لا تحرك مؤخرتك السميكة وتبحث بالأمر؟ ح... أمم... مم..."
وبينما كان تانغ بو يحاول تهدئته، انفجر ضاحكًا وهو يمسك بتشيونغ ميونغ، ويضع قطعة حلوى في فمه.
"هاهاها، اعذره، هو يفقد صوابه عندما يتعلق الأمر بهم. هاهاها، على أي حال، بت تعلم، لذا يجب أن نذهب، أليس كذلك، هيونغ؟"
أبعد تشيونغ ميونغ بو عنه بعنف، وراح يمضغ الحلوى بشراسة، وكأنها تعكس انزعاجه.
ثم قال بلهجة متوترة،
"على أي حال، الأمر عائد إليك لتقرير ما ستفعل.
وهكذا هم تشيونغ ميونغ وتانغ بو بالخروج من من الخيمة، حيث تلاشت رائحة العرق والقلق في الهواء.
لكن قبل أن يخطوا خطواتهم الأخيرة، صرخ المتسول، مستوقفًا إياهما بلهفة.
"لما تخبرني أنا بذلك؟"
نظر تشيونغ ميونغ إليه بوجه متجهم، عاكسًا شعورًا بالاستفزاز.
كانت عينيه تتسعان بغضب، وفمه ينحني في تعبير عن الاستنكار، وكأنما يسأل: "هل أنت غبي؟" ثم أضاف بنبرة حادة،
"إنه أمر يتعلق باتحاد المتسولين. من سأناقش به سوى الفلك، إذا؟"
بقي المتسول، الذي كان زعيم اتحاد المتسولين، متسمراً في مكانه، كأنه تمثال من حجر.
ملامحه مشوشة، ويداه المرتجفتان تمسكان بحافة الثوب الممزق الذي يرتديه.
على الرغم من أن طائفة المتسولين لا تهتم كثيرًا بالتسلسل الهرمي، وجميع أعضائها كانوا متسولين عاديين.
لكنه الآن كان متنكراً.
لكن كيف استطاع تشيونغ ميونغ معرفة ذلك؟ هل كان يعلم ذلك ويتحدث بهذه الطريقة؟ ضحكة مجنونة ترددت في ذهنه، "هاها... هاهاها... ياله من مجنون!"
في تلك اللحظة، صرخ الفلك إلى المتسولين المحيطين.
"بسرعة، أرسلوا أحدًا إلى قصر الوحش ليعلمهم ما الذي حصل. أريد أن تكون جميع المعلومات حول هذه الطائفة أمامي خلال يوم! وأحضروا لي ورقة، يجب أن أكتب إلى زعيم شاولين."
"........."
"ما الذي تفعلونه تحركوا"
"........"
"الآن"
اندفع المتسولون في كل مكان مسرعين كسرب من النحل لتنفيذ المهمة المعطاة، بينما راح المتسول العجوز يكتب رسالة إلى شاولين.
كان قلبه يخفق بقوة، احتمالية أن يكون كل هذا صحيحاً هي صغيرة جداً، لكن المشكلة كانت أن تلك الكلمات قد صدرت من قديس السيف
"اللعنة أي قديس من منحه هذا الاسم بحق؟ إنه شيطان الجحيم"
كانت الشتائم تنبثق من فمه وهو يحرك يديه بسرعة، لكن وبشكل غريب شعور من الحماسة والترقب تسلل إلى قلبه.
............
بينما كان تشيونغ ميونغ يسير بعيداً مع انزعاج واضح على وجهه، كانت عضلات وجهه مشدودة، وعينيه تلمعان بشعور من الإحباط.
كان تانغ بو يرافقه، يتنهد متسائلًا عن سبب غضب صديقه. "لما بحق يغضب لشيء قاله بنفسه؟" تساءل في نفسه، مشدودًا أمام تعابير الغضب التي تسكن وجه تشيونغ ميونغ.
وبينما كانا يسيران، سأل تانغ بو أخيرًا،
"ما الذي ستفعله إن لم يعر المتسولون أي اهتمام لكلماتك؟"
عندها ارتفعت زوايا شفتي تشيونغ ميونغ، وبرزت أنيابه في ابتسامة مرحة ومستمتعة، لكن عينيه كانت تحملان بريقًا من الجدية.
"سيفعل."
"كيف تكون متأكدًا من ذلك؟"
سأل تانغ بو، مدهوشًا من ثقة صديقه.
"لأنه ذلك النوع من الأشخاص."
كان جوابه حاسمًا، يحمل ثقة لا تتزعزع، لكن يده كانت تضغط بقوة على الجيب الداخلي لردائه، كأنما يحاول استجماع قوته.
"لا، لنفترض أنه لم يفعل..."
بدأ تانغ بو، لكنه توقف للحظات عندما رأى تشيونغ ميونغ يستدير للخلف وكأنه يبحث عن شيء ما، ملامحه تعكس تفكيرًا عميقًا، ويداه تتحركان بطريقة غير مستقرة.
"هيونغ؟"
نادى تانغ بو، مستغربًا من تصرفاته الغامضة، بينما كانت عينيه تراقبان تغيرات تعابير وجه تشيونغ ميونغ، من الغضب إلى التفكير العميق، لا بل كان أشبه بالفضول وهو يحدق بشيء غريب أمام عينيه.
............................................................
كانت عينا بايك تشيون تتأمل بذهول وهو يرى يوي سول تتقدم بلا تردد، وملامح وجهه تعكس مزيجا من الخوف والدهشة.
شعر وكأن السيف أصبح جزءًا منه، يعزف لحن الخوف في أذنه، بينما كانت أنفاسه تتسارع، تتخللها همسات من الرعب.
ومع كل حركة، كانت رقبته تتألم وكأن السيف يضغط بقوة أكبر، مما جعله يدرك أنه يلعب على كفتي الموت.
تعالت الصرخات بداخله منادية إياه كي يتحرك.
لكن جسده كان أسيرًا لتلك الهالة المميتة التي ألقاها تشيونغ ميونغ حولهم.
رغم ذلك عليه أن يتحدث.
لذا، عض على شفتيه بقوة حتى سالت الدماء الحمراء منها، كأن تلك الدماء كانت ثمنًا للصمت الذي يعيشه.
في محاولة يائسة لاستغلال الإحساس بالألم كي يطرد شعور الخوف الذي انتابه.
أظافره راحت تغرز عميقًا في لحم يديه، كأنها تترك علامات على جسده، فكانت وسيلة لتحفيز عقله على التفكير.
ومع كل نبضة من قلبه، كان الألم يشتد، معيدا إليه ثباته، لكن قبل أن يفتح فمه، اتسعت عيناه بدهشة.
اختفت البرودة التي كان يشعر بها، وكأن الهواء قد تغير فجأة.
بدأ يحرك عينيه بحذر، وفوجئ بالسيف الذي كان مسلطًا على رقبته يهتز في الهواء بعيدًا عنه، كما لو أن قوة غير مرئية قد دفعته بعيدًا.
سرعان ما التفتت عيناه نحو تشيونغ ميونغ، الذي كان يتلاعب بالسيف، زوايا فمه ترتسم بابتسامة ساخرة.
ابتسامة تستهزئ بكلمات يوي سول كما لو كانت هراء.
"أوه حقًا؟ لقد أسأت فهمك، إذاً."
جاء صوت تشيونغ ميونغ لطيفًا بشكل مفاجئ، مما جعلهم يعتقدون للحظات أن الأمور قد تهدأ.
لكن تلك اللحظات من الأمل سرعان ما انقلبت.
"أتعتقدين أنني سأقول هذا؟ أنا أسأل عن هويتكم اللعينة ولماذا تتسللون كالجرذان في هذا المكان؟"
كان صوته هذه المرة أشد، أكثر حدة، كالرعد يتردد في أرجاء المكان.
بينما كانت نظراته تتنقل بينهم، كل نظرة تحمل في طياتها تهديدًا صريحًا.
لكن ورغم خوفها، ظلت يوي سول محافظة على هدوئها.
كانت عيناها، اللتان نظرتا نحوه، مملوئتين بإيمان غريب جعل أحشائه تلتوي.
قالت بنبرة هادئة وخافتة، تخبئ خلفها مشاعرها المضطربة.
"نحن تلاميذ جبل هوا."
"تلاميذ جبل هوا؟"
تساءل تشيونغ ميونغ، بينما كانت ابتسامته تعود لتلعب على شفتيه.
لكن هذه المرة، كانت أكثر برودة، كأنها نذر شؤم يتسلل إلى قلب المكان.
عند ذلك الصوت البارد كرياح الشمال تسارعت أنفاسهم، وكأن كل لحظة تمر كانت تشدهم نحو الهاوية.
سرت تلك البرودة في عظام جوغول، وتملكه خوف لم يشعر به حتى عند مواجهته للأسقف في بحر الجليد.
راح جسده يصرخ له للهروب من المكان، بينما قلبه يطمئنه بأنه لن يؤذيهم.
صراع مرير بداخله دفعه للالتفات نحو يون جونغ والذي كان في حال أسوء مما هو عليه.
وأخيرًا اقتنع بتلك الحقيقة.
تشيونغ ميونغ الآن ليس الشخص الذي يعرفونه.
مَن أمامهم الآن هو قديس سيف زهرة البرقوق،
تلميذ الجيل الثالث عشر،
الشيخ الأكبر لجبل هوا،
السيف الأول والأقوى،
من قطع رأس الشيطان السماوي.
وبينما كان جوغول هائماً في أفكاره، جفل فجأة وارتعش جسده عند الصوت البارد لتشيونغ ميونغ،
"أتعتقدين أنني لا أتعرف على تلاميذ جبل هوا؟"
أخرجه من شروده.
وعادت نظراته مرة أخرى نحو تشيونغ ميونغ ويوي سول، التي لم تتزعزع رغم هذا الضغط الهائل.
والتي أجابت بسرعة، دون تردد:
"أجل."
"هاه؟"
بدون وعي منه، فتح تشيونغ ميونغ فمه بدهشة، بينما ارتعش حاجباه ووجهه بمزيج من الصدمة والغضب.
زم على شفتيه بشدة، إذ لم يعرف مباشرة كيف يرد على ذلك.
فقد بدت، بالرغم من البساطة البادية في ردّها، واثقة بشكل مفاجئ، مما دفعه لبعض الشك.
قالت تلك الكلمات كما لو كانت تعرفه حقًا.
وقد كانت تلك حقيقة؛ فخلال الذكريات التي مر بها السيوف الخمس، كان بإمكانها معرفة ذلك.
تشيونغ ميونغ كما كان دوماََ شغوفاََ بجبل هوا، ، متعلقاً به، ينأى بنفسه بعيدًا عن بقية التلاميذ.
وفي كل مرة كانت تنظر، شعرت بقلبها يتألم.
في الذكريات، كان تشيونغ ميونغ كثيرًا ما يمضي وقته مع أخيه تشيونغ مون، مع بو، مع جين، إلا أنه لم يقترب من بقية التلاميذ.
وأحيانًا، كان ينتهي به الأمر لضربهم، لكنه لم يكلف نفسه عناء النظر نحوهم.
لكن ما آلمها كان حقيقة أن تشيونغ ميونغ الذي عرفوه يعيش في وحدة عميقة رغم أنه محاط بالتلاميذ من كل جانب.
في كل فرصة تتاح له، كان يبتعد عنهم، ويُحدق في القمر، كما لو كان يتحدث إلى كائن غامض فوقه.
أوقات عديدة قد لمحت فيها يوي سول وجهه وهو يُحادثه يرفع كأس الكحول في يديه كما لو كان يدعوه للشراب، وعلى وجهه ابتسامة مريرة، ابتسامة شخص يعلم أن الموتى لن يعودوا للحياة.
حينها لم تدرك الأمر، لكن الآن بات كل شيء واضحاََ.
في العالم الذي عاد له بعد مئة عام
لم يكن هناك أي أثر لتذمر تشيونغ مون وصراخه الدائم عن الطاوية ،
ولا جين الذي لا يفوت فرصة للتباهي بذكائه وقدراته العقلية، لينتهي الحال بتشيونغ ميونغ وهو يتنمر عليه،
ولا تانغ بو الذي يرافقه في أغلب مصائبه، ويأت محملاً بالكحول المميز لعائلة تانغ، الذي لا يكاد يشتم عائلته حتى يعود ويتباهى بها مرة أخرى.
في غيابهم، أصبح كل شيء كئيبًا وصامتًا بالنسبة له.
اختفت الضحكات، وتلاشت الأحاديث المفعمة بالحياة.
كان القمر هو الشاهد الوحيد على وحدته، يضيء له طريق العزلة، بينما تحتفظ ذكرياته بأثرهم، كأنها أشباح تراقبه من بعيد.
التفتت يوي سول نحو بتشيونغ مون، الذي كان يراقبهم بصمت، تعبيراته تحمل بعض الألم والقلق وشيئًا من الشفقة.
لكن نبرات شفقته لم تكن موجهة إليهم، بل كانت موجهة لتشيونغ ميونغ، كأنما يشعر بوطأة الألم الذي يعيشه أخوه.
ومن ثم عادت ببصرها نحو تشيونغ ميونغ، الذي بدا وكأنه يفكر بجدية فيما قالته، مع عبوس واضح على وجهه.
نية القتل التي وجهها نحوهم كانت نية خالصة، وبدا جليًا أنه سينفذ تهديده.
لم يعد هناك أي أثر لتلك النظرات التي كانت تفيض بفخره عندما كان يراقب نموهم، حين كان ينعتهم بأشباله، ويتذمر من تدريبهم وتقدمهم، لكنه كان يبتسم خفية وهو يبتعد.
كل ذلك لم يعد له وجود.
خلف عينيه، كان هناك شك وعداء خالص.
ومع ذلك، كان هناك شيء واحد لا يزال هو نفسه.
كانت تعلم ذلك، لذا، وعلى الرغم من تهديده، لكن الإيمان بتشيونغ ميونغ الذي عرفته سابقًا كان يدفعها للاستمرار، لذا تقدمت للأمام بخطوات ثابتة.
عندما اقتربت، كانت عيون السيوف الخمس تتجه نحوها بتوتر وقلق، مما زاد من حدة الموقف.
لكن يوي سول لم تبال بهم، ومرت بجوار بايك تشيون، الذي كان على وشك أن يصرخ، كأنه يحاول تحذيرها.
كما انطلقت صرخات يون جونغ وجوغول، كأنما كانت تعبر عن الارتباك الذي يعم المكان.
"لا تفعل ذلك!"
صرخ يون جونغ، وعيناه تتسعان في رعب، كأنه يحاول إنقاذها من مصير مظلم.
كان وجهه مشدودًا، وعروق عنقه تبدو بارزة من شدة الضغط.
"ساغو!!!"
أضاف جوغول، صوته يتردد في الأجواء، محملاً بالخوف.
كانت يديه تتجهان نحوها، كأنما يحاولان الإمساك بها قبل أن تبتعد أكثر.
لكن يوي سول، رغم صرخاتهما، لم تتوانَ.
كانت عازمة على المضي قدمًا، وكأنها تتجاهل كل التحذيرات
في تلك اللحظة، كان تشيونغ ميونغ غارقًا في أفكاره، وراح يلتفت إليها بطرف عينيه، حينها، اختفت تعابيره المنزعجة والغاضبة، ليحل محلها ذهول واضح.
الدماء القرمزية التي لطخت الأرض سلبت الكلمات من أفواه الجميع.
كانت يد يوي سول البيضاء تنزف بشدة وهي تمسك بالسيف الحاد، المسلط على بايك تشيون.
عيناها، رغم الألم الذي شعرت به، كانت تعكسان برودة ولا مبالاة، كأنها قد قررت أن تتجاوز كل ما يحيط بها.
و تعابير وجهها تحمل مزيجًا من العزيمة والمرارة، بينما كانت شفتاها ترتجفان قليلاً بفعل الألم، ولكنها لم تسمح له أن يُثنيها.
'تلك الغبية، أهي مجنونة؟'
راح تشيونغ ميونغ يتساءل بنفسه، وهو يحدق بها.
رأى تغير وجهها بشكل طفيف، تعبيرًا عن الألم، لكنها سرعان ما استعادت ملامحها الخالية من التعبير.
كما استعاد تشيونغ ميونغ سيفه بسرعة، وحدق بها بحدة وغضب، كأنما يود أن يزرع الخوف في قلبها.
"ما الهراء اللعين الذي تفعلينه الآن؟"
سأل بنبرة قاسية، وكأن الكلمات كانت تتدفق من قلبه المليء بالقلق والغضب.
لكن يوي سول هزت برأسها كما لو كانت تنكر كونه هراء، ثم رفعت يدها، مظهرة كفها الذي كان عليه أثر حد السيف.
"انظر!"
قالت بصوت قوي، يتخلله الألم.
وفي تلك اللحظة، استعاد بايك تشيون رشده.
أخرج منديلاً أبيض أنيقًا من جيبه بسرعة، سحب يديها برفق، محاولًا تضميد الجرح، وملامحه تحمل قلقًا.
لكن نظراتها لم تفارق تشيونغ ميونغ.
الذي كان يحدق بها بفضول، وعينيه تعكسان حالة من اللامبالاة، لكن في عمق عينيه كان هناك شيء آخر، شيء يشبه القلق أو ربما الشك.
"لم يكن جرحًا عميقًا"
قالت بصوت حازم، لكن نبرة صوتها كانت تحمل في طياتها تحديًا، وكأنها تتحدى كل من حولها.
"هاه؟"
جاء رد تشيونغ ميونغ، وكأن الكلمات قد أخرجته من حالة التأمل العميق.
ثم التفتت نحو بايك تشيون، الذي جفل عند نظرتها.
"حتى هذا، لما؟"
سألت، وعينيها تومضان بتحدٍ.
"ما الذي تتحدثين عنه؟"
رد تشيونغ ميونغ، وقد أمال رأسه للجانب، مع تعبيرات وجهه التي تعكس الحيرة وعدم الفهم.
"إنها ليست عادتك"
أضافت، وصوتها واضح ومليئ بالإصرار.
"ما هي عادتي؟"
سأل تشيونغ ميونغ، وقد رفع حاجبيه في استنكار.
"إما كنت ستضربه بشدة حتى يعترف، أو أنك ستقتله، فلماذا لم تفعل؟"
كانت كلماتها كالسهم، تصيب قلبه بدقة.
توقف تشيونغ ميونغ للحظات، عاجزًا عن الرد.
ما قالته لم يكن خطأً، بل كانت الحقيقة تتردد في أذنه كصدى كئيب.
لماذا لم يفعل ذلك؟ هل كان يصدق كذبتهم الواهية بكونهم تلاميذ جبل هوا، أم ربما كانت هناك أسباب أعمق تدفعه للتراجع؟
تجلى الصراع في ملامحه، حيث كانت تعابير وجهه تتأرجح بين الغضب والشك.
كان يشد قبضته على السيف، لكن لم يستطع أن ينكر ذلك.
توقف تشيونغ ميونغ للحظات، عاجزًا عن الرد.
'لماذا لم أفعل ذلك؟'
هل كان يصدق كذبتهم الواهية بكونهم تلاميذ جبل هوا أم كان هناك شيء آخر يعوقه عن اتخاذ القرار الصحيح؟ لما إذاً؟
"تشيونغ ميونغ!"
في تلك اللحظة، تدخل تشيونغ مون، الذي ظل صامتًا طوال الوقت، ليكسر جليد الصمت الذي كان يحيط بهم.
صوته كان يشبه صدى في وادٍ عميق، محاولة لانتشاله من تفكيره.
"تشيونغ ميونغ!"
كرر، لكن تشيونغ ميونغ أبى الالتفات نحوه.
تنهد تشيونغ مون بعمق، ورغم هدوء صوته، كان هناك توتر واضح.
"هذا يكفي."
عندما التفت تشيونغ ميونغ نحو تشيونغ مون، كان الغضب والانزعاج يتجلى بوضوح في ملامحه.
عينيه، اللتين كانت تومضان كشرارتين، أظهرتا توترًا شديدًا، وكأنهما تحملان كل أعباء العالم.
كان حاجباه مرفوعين إلى الأعلى، مما أعطى وجهه تعبيرًا حادًا، بينما كانت شفتاه مشدودتين في خط مستقيم.
تحركت عضلات وجهه بشكل متوتر، وكأن كل كلمة كانت على وشك الانفجار من فمه.
وكانت يده التي تمسك بالسيف ترتجف قليلًا، مما زاد من حدة الموقف.
في لحظة من الزمن، كانت تعابير وجهه تنطق بصوت عالٍ، تعبر عن شعورٍ مكبوتٍ من الغضب والقلق، بينما كان قلبه ينبض بسرعة.
"ساهيونغ!"
صرخ تشيونغ ميونغ، وكأن كلماته كانت قنبلة انفجرت في الهواء، محدثة صدىً عميقًا في صمت المكان.
"إنهم تلاميذ جبل هوا، أنت فقط لم يسبق لك لقائهم"
أجاب تشيونغ مون بجدية، محاولًا تهدئة الموقف المتوتر.
كانت نبرة صوته قوية، لكنها حملت في طياتها قلقًا عميقًا، كأنما كان يحاول سحب تشيونغ ميونغ من دوامة الغضب.
وبينما كان السيوف الخمسة يحدقون بتشويش في الموقف، انشغلوا في تساؤلاتهم.
لم يكن تصرف تشيونغ مون مفهومًا لهم.
كانوا بالتأكيد تلاميذ جبل هوا، لكن هذا بعد مئة عام من الآن.
أما الآن، فهم لا يعدون سوى غرباء متطفلين.
لما إذاً يتعامل معهم كما لو كانوا تلاميذ مألوفين؟
بينما هم غارقون في تساؤلاتهم، عادت أذهانهم للمحادثة التي أجروها في المرة الماضية.
......................
في الغرفة المتهالكة، التي كانت تحمل آثار الدمار كوشم على جدرانها، كانت الأضواء الخافتة تتسلل من خلال شقوق النوافذ، ترسم ظلالًا داكنة على الأرض.
كانت الأثاثات، رغم تآكلها، مرتبة بشكل يثير الدهشة، وكأن أحدهم قد حرص على أن تبقى نظيفة وسط الفوضى.
على السرير الخشبي العتيق، الذي كان مائلًا قليلاً، جلس تشيونغ مون، جسده المنهك كان يبدو كأنه يحمل أعباء العالم على كاهله، وعيناه التي بدت عميقة كالبحار المظلمة، كانت تتأمل مشهد الغرفة بعينين مفعمتين بالتجربة.
رغم أنه قد استفاق للتو من غيبوبته، إلا أن هيبته كانت تملأ المكان، وكأن روح المحارب التي تسكنه قد أضأت الغرفة، مما جعل السيوف الخمس، الذين كانوا يجلسون في صمت، ينتظرون كلماته بفارغ الصبر.
كانت تعابير وجوههم تعكس مزيجًا من الإعجاب والقلق، وكأنهم كانوا على حافة انتظار شيء عظيم.
حدق تشيونغ مون فيهم للحظات، وعينيه تتنقل بين الوجوه الشابة، تلك الوجوه التي تحمل في طياتها أحلامًا وآمالًا، لكنها أيضًا تحمل جراحات الماضي.
كان هناك حزن عميق في نظرته، حزن لم يكن غريبًا عليه، لكنه كان أيضًا يحمل دفئًا واضحًا، كما لو كان يشع الأمل في زمن ظن الجميع أنه قد انتهى.
ابتسم، لكن ابتسامته كانت بعيدة كل البعد عن الفرح؛ كانت أشبه بتعويذة تحمل في طياتها كل ما مر به من صراعات.
كانت تلك الابتسامة تعني التفهم والاحتواء.
"أنتم تلاميذ جبل هوا إذا؟"
سأل بصوت مفعم بالعاطفة، وكأن الكلمات كانت تنسجم مع صدى الماضي، كان شديداً لكنه في الوقت نفسه يحمل شيئاً من اللطف، لكن كانت الحدة التي فيه هي التي غمرتهم.
ترددت السيوف الخمس في الإجابة، وكان الارتباك واضحًا في عيونهم.
كما بدأ عرق بارد يتصبب من جبين هاي يون، الذي كان جالسًا في مؤخرة المجموعة.
كان بإمكان الآخرين إيجاد مخرج بطريقة ما، لكن رأسه اللامع جعل التفكير بحجة أمرًا صعبًا للغاية.
وفجأة، تراءى له وجه تشيونغ ميونغ، عابسًا وينقر على لسانه بعبارة استهجان
'تسك، تسك، تسك، أولئك الحمير الصلع، لابد أنهم حلقوا عقولهم مع رؤوسهم، ألا تستطيع حتى استعمال عقلك اللعين؟؟.'
تجمعت الدموع في عيني هاي يون، وهو يتلو السوترا في قلبه لتهدئته.
لم يعلم أحد سبب استدعاء تشيونغ مون لهم بمجرد استيقاظه، بل إنه طرد تشيونغ ميونغ من المكان في لحظة انفعال.
كان الأمر غريبًا منذ البداية، فقد دخلوا إلى المكان بينما كان فاقدًا لوعيه، واستفاق للتو، لذا من المستحيل عليه أن يعلم عنهم شيئًا.
فلماذا إذاً كان يستدعيهم؟
عندما رأى الوجوه المرتبكة للتلاميذ، خرجت ضحكة خفيفة من فم تشيونغ مون، وكأنها تضيء الجو المشحون بالتوتر.
خفف تعابيره المتجهمة، وقال بصوت هادئ، يحاول طمأنتهم
"لستم بحاجة لإبداء هذه التعابير."
تبادلوا النظرات، صامتين، وكأن كلماتهم اختبأت خلف ألسنتهم.
"لم يكن بنيتي استجوابكم"
استمر في حديثه، صوته كنسيم هادئ يمر عبر الغرفة.
في تلك اللحظة، شعر السيوف الخمس بشيء من الارتياح، لكنهم ما زالوا مترددين.
كانت هناك أسئلة تتبادر إلى أذهانهم، لكن خوفهم من ردة فعله كان يمنعهم من الكلام.
لكن كلماته التالية أوجست الخيفة في قلوبهم
"أعلم أنكم لستم من هنا"
تجمدت العيون أمامه، وكأن الوقت توقف للحظة.
تساءل كل واحد منهم: كيف عرف؟ وما الذي يعنيه ذلك؟ كان هناك شيء في نبرة صوته، مزيج من الكرم والسلطة، جعلهم يشعرون وكأنهم عراة أمامه، مكشوفين عن أسرارهم.
تبادل السيوف الخمس نظرات متوترة، وعواطفهم كانت تتأرجح بين الخوف والفضول.
............
كان تشيونغ ميونغ يقف في الساحة المزدحمة، بعد خروجه من خيمة المتسولين حيث كانت الأصوات تتداخل مع بعضها.
فجأة، انحنى برأسه، محدقًا بغرابة في الكائن الذي يقف أمامه.
كان طفلاً صغيرًا، يرتدي ثوبًا ممزقًا، ممسكًا بركن رداء تشيونغ ميونغ بأذرع قصيرة، وعيناه اللامعتان تتأملان وجهه بتعجب.
عندما التفت تشيونغ ميونغ نحوه، ارتسمت ابتسامة مشرقة على شفتي الطفل.
"أبي!"
صرخ بحماس، وكأن الكلمة تحمل كل الحب والأمل في العالم.
اتسعت عينا كل من تشيونغ ميونغ وتانغ بو بذهول، وكأن صدمة كهربائية مرت بينهما.
كان وجه الطفل البريء يتلألأ ببراءة، لكن تشيونغ ميونغ شعر كأن قلبه قد تجمد.
سرعان ما استعاد تشيونغ ميونغ توازنه، وراح يدفع الطفل بعيدًا عنه، منزعجًا وهو يصرخ
"من هو أباك بحق؟ ابتعد عني أيها الصغير!"
لكن عندما أبعده، بدأت عينا الطفل تضيقان، وملامحه تتحول من الفرح إلى الخوف.
تجاعيد وجهه الصغيرة بدأت في الظهور، وانفجر بالبكاء بصوت مرتفع، وكأن صرخاته تعكس كل الألم الذي لا يستطيع التعبير عنه.
كانت دموعه تتقاطر على وجنتيه، وتترك آثارًا رطبة على بشرته.
تشيونغ ميونغ، الذي كان يحاول الهروب من الشعور الغريب الذي اجتاحه، شعر فجأة بضغط في صدره. كانت نظرات الطفل الباكية تغرس شعورًا من الذنب في قلبه.
"ماذا يحدث هنا؟"
همس لنفسه، بينما كان تانغ بو يقف بجانبه، عاجزًا عن فهم ما يجري.
"أبي.. لا تتخلى عني أرجوك!"
صرخ الطفل، وعيناه مملوءتان بالدموع، بينما كانت صرخاته تتردد في الهواء، وكأنها تخترق قلب تشيونغ ميونغ.
رد تشيونغ ميونغ بغضب،
"لا! هل جننت؟ أنت لست طفلي حتى!"
لكن كلماته كانت كالرصاص، حيث اتجهت جميع الأبصار نحوهما، وبدأ الناس يتجمعون حولهما، تملأ عيونهم الفضول والدهشة.
"يا إلهي، انظروا إلى هذا الرجل كيف يتخلى عن ابنه هكذا!"
همس أحدهم، بينما كان وجهه يعكس مزيجًا من الشفقة والاستنكار.
"لم يعد للناس ضمير هذه الأيام!"
أضاف آخر، مما جعل تشيونغ ميونغ يشعر بأن العالم بأسره يراقبه.
راح تشيونغ ميونغ يحدق بهم بحدة، وصرخ،
"أنتم تسيئون الفهم! إنه ليس طفلي، حسنًا؟ بحق، أنا حتى لم أتزوج أو أقابل امرأة في حياتي!"
كانت كلماته تنفجر من بين شفتيه كالمفرقعات، لكن الناس استمروا في التحديق، ومن ثم أشاحوا بصرهم، وكأنهم يحاولون تجنب عواطفه الجياشة.
"ها؟ ألا يبدو هذا الزي مألوفاً؟ أليس هذا..."
قال أحدهم، لكن تشيونغ ميونغ لم يكن في حالة تسمح له بالاستماع.
لكن كانت كلمات الشخص الأخيرة كالسلاح، إذا تم التعرف عليه هنا سيعلقه ساهيونغ رأساً على عقب من قمة الجرف، تسللت رعشة غريبة إلى قلبه، مما دفعه إلى محاولة مواساة الطفل.
في لحظة يأس، انحنى تشيونغ ميونغ ورفع الطفل برفق، وضعه على كتفيه.
اندهشت عينا الطفل للحظة، ثم بدأت الابتسامة تتألق على وجهه، حيث شعرت بموجة من السعادة تغمره.
كان يشد يده الصغيرة على قبضة تشيونغ ميونغ، وكأنما يجد فيه الأمان.
"أبي!"
صرخ الطفل مرة أخرى، لكن هذه المرة كانت صرخته مليئة بالفرح، وبدأ تشيونغ ميونغ يشعر بشيء غير متوقع يتسلل إلى قلبه.
أخرج تشيونغ ميونغ من فمه تنهيدة عميقة، وكأن ثقل العالم قد استقر على كتفيه.
ضيق عينيه بعبوس، وجهه يعكس مزيجًا من الغضب والإحباط، وهو ينظر إلى صديقه تانغ بو الذي كان يهتز بشدة.
"توقف عن الضحك"
قال بنبرة محذرة.
لكن تانغ بو، الذي كان يحاول جاهدًا كتم ضحكته، بات غير قادر على الاحتمال.
"بفت... لكن... بفت... هيونغ... أب!"
انفجر بكلمات متقطعة، وكأن الضحكة نفسها قد انطلقت من أعماق قلبه، تتراقص في الهواء.
تشيونغ ميونغ، الذي كان يتأمل الموقف بوجه يحمل مزيجًا من الاستنكار والحرج، أخرج سيفه من غمده بخفة، وراح يهدد به تانغ بو.
كانت حركاته سريعة ودقيقة، لكن حتى سيفه لم يكن كافيًا لوقف تانغ بو، الذي استمر في الضحك، حتى وهو يتلقى الضربات على كتفه.
"أخبرتك أن تتوقف عن الضحك، أيها اللعين!"
نظر تانغ بو إلى تشيونغ ميونغ، وعيناه تتلألأان بفرح غير متوقع، وكأنه عثر على كنز في قلبه.
"أنت حقًا أب بفت ..الآن، هيونغ! كيف بفت... يمكنك...هاها... أن تتجاهل ذلك؟"
............................
"أتعتقد أنني سأصدق ذلك؟"
صاح تشيونغ ميونغ، وهو يحدق بتشيونغ مون بغضب.
كان عقله مشوشًا، ولم يستطع فهم سبب دفاع أخيه عنهم، لما دعاهم بمجرد استيقاظه؟
'هل هناك شيء لا أعلم بشأنه؟'
حدق به تشيونغ مون بحدة، عينيه تلمعان بحزم.
"إذاً، هل أكذب عليك؟"
"ساهيونغ!"
"هذا يكفي، لن أدع الأمر يمر بعد الآن"
"اللعنة!"
كانت كلمات تشيونغ ميونغ تخرج من بين أسنانه، تحمل في طياتها انزعاجًا واضحًا.
رغم عدم اقتناعه بكلام أخيه، إلا أنه أطاع الأمر بصمت.
كان يعرف أن نظرات أخيه الحادة تحمل وزنًا كبيرًا، خاصة وأنه قد طلب منه سابقاً ألا يتدخل أمام الجميع.
وبينما هم على هذه الحال، انفتح الباب فجأة، وكأن عاصفة قد اجتاحت المكان.
"أيها الشيخ!"
صدى الصوت عال في الغرفة، وكان يحمل في طياته شعورًا بالعجلة.
ظهر تلميذ من تلاميذ الدرجة الثانية، وجهه مغبر بشدة، وعيناه متسعتان من التعب، وكأنه قد جرى لمسافات طويلة تحت شمس حارقة.
كانت ملامح وجهه تعكس الإرهاق، كأن الثقل الذي يحمله على كاهله أكبر من طاقته بكثير.
التفت تشيونغ مون نحو التلميذ، وعينيه تتسعان في استجابة طبيعية للغضب الذي كان لا يزال يعتمل في قلبه.
مد يده بسرعة ليقدم له كوب الماء.
"التقط أنفاسك أولاً."
كانت نبرته هادئة، لكن القلق الخفيف كان يتسلل إلى عينيه، مما أظهر أن مشاعره كانت مختلطة.
أخذ التلميذ الكأس برعشة، وبدأ يشرب كما لو كان ظمآنًا لعدة أشهر.
كانت قطرات الماء تتساقط من زوايا فمه، بينما كان يلهث بشدة، وكأن كل جرعة تعيد له جزءًا من الحياة.
بعد أن انتهى من الشرب، وضع يديه أمامه وانحنى باحترام.
"أيها الزعيم، أيها الشيخ، هذا التلميذ أنهى المهمة الموكلة إليه."
"مهمة؟"
تساءل تشيونغ مون باستغراب، بينما كانت ملامحه تعكس حالة من الفضول والقلق.
كان قلبه ينبض بشدة، كأن شيئًا غير عادي كان ينتظرهم.
اتجهت أنظاره نحو تشيونغ ميونغ، الذي كان يبدو متوترًا، وعلامات القلق ترتسم على وجهه، وقد تناسى غضبه السابق.
تذكر المهمة التي أوكلها لذلك التلميذ، وراح يبتسم بإحراج، وكأن ابتسامته كانت محاولة يائسة لإخفاء شعوره بالذنب.
كانت شفتاه ترتجفان قليلاً، وخلق هذا التوتر تعبيرًا غير مريح على ملامحه.
بينما كان تشيونغ ميونغ يحاول استجماع أفكاره، كان تشيونغ مون يضيق عينيه متشككًا، وكأنما كان يحاول قراءة ما يدور في عقله.
تجسدت مشاعر الشك في تعابير وجهه، حيث كانت تجاعيد القلق تتجمع على جبينه.
كان يعرف أن الأمور لا تسير كما يجب، وأن هناك شيئًا غير عادي في تصرفات تشيونغ ميونغ.
ثم عادت عينيه نحو التلميذ، الذي بدا كأنه يعاني من توتر شديد.
كانت ملابسه ممزقة قليلاً، تعكس المعاناة التي مر بها، وأثرت فيه كما تؤثر الرياح في أوراق الشجر.
"أي مهمة تقصد؟"
سأل تشيونغ مون، محاولًا استيعاب الموقف.
حدق التلميذ بتوتر، عذابه واضح في عينيه.
"هذا..."
جاء صوته خافتًا، كأن الكلمات عالقة في حنجرته، وكأن كل ما يود قوله يتطلب شجاعة أكبر من تلك التي يمتلكها في تلك اللحظة.
........................................................
على قمة جبل سونغ، في قاعة الأسلاف لمعبد شاولين، التي تزينت بأشرطة من القماش الحريري الملون، لتظهر بذلك رموزاً وتفاصيل دقيقة عن التعاليم الروحية.
توسطت تلك القاعة طاولة صغيرة مصنوعة من خشب الساج القديم.
أعواد البخور المشتعلة على طرفيها تصدر روائح عطرية تنساب في الهواء، مكونة سحبًا رقيقة من الدخان تتراقص برفق نحو السقف، لتتداخل مع ضوء الشموع الخافت.
وفي الخلف منها كانت هناك لوحة تظهر بوذا وهو محاط بشجرة عظيمة، يتأمل بعمق وحوله هالات من الضوء، لتعكس اللحظة التي حقق بها الاستنارة.
كان الراهب الأصلع العجوز يحدق في تلك اللوحة محاولاً تهدئة مشاعره المضطربة، وجهه متجعد وهو يقاوم الانزعاج الذي لف قلبه.
أخرج من فمه تنهداً عميقاً ومن ثم أخفض بصره، كان في يديه تمثال ذهبي لبوذا، الكنز الثمين لطائفة شاولين.
بحذر واهتمام شديدين بدأ بوضع التمثال في منتصف المنصة، وأخرج من جيبه قطعة قماش نظيفة وراح يمسح التمثال بها.
وفجأة لمح شيئاً غريباً أسفل ظهر التمثال برز خط أسود صغير، ضيق الراهب عينيه باستغراب، وراح يقلبه محاولة لاكتشاف ماهيتها.
في تلك اللحظة، لو أن أحد رأى هذا المشهد لقال أن معبد شاولين قد ألقى بتعاليمه بعرض الحائط، كان وجه الراهب العجوز كالصخرة التي تشققت بفعل الزلازل.
وتجاعيده العميقة التي رسمتها سنوات التأمل الطويلة، تشابكت بتعابير الغضب العارم.
وعيناه تتوهجان بنور أحمر غاضب، بينما يشد شفتي محاولاً كبح جماح عاصفة عاتية.
وصلعته التي عكست ضوء الشموع الخافتة، بدت وكأنها تلمع بعرق غزير، رغم برودة الهواء في المعبد.
أسفل التمثال، الذي من المفترض أن يكون الكنز المقدس لمعبد شاولين رسوم وخربشات ساخرة.
"أعتقد أنك ستحتاجه لاحقاً، لا تنسى التمسك بسرواله والدعاء بقوة هذه المرة"
كان الخط فوضوياً وغير واضح لدرجة أنه ظن لوهلة أنه قد كتبها بقدميه، وفي الواقع قد كان محقاً.
تشيونغ ميونغ كان متردداً بشأن إمساكه بيده لذا وعوضاً عن تلويثها رأى أن قدمه ستكون خياراً أفضل
ورغم الغضب الذي كان يغلي بصدره وكان رأسه الأصلع محمراً حتى أن الشمس نفسها تخجل من توهجه هذا إلا أنه لم يستطع منع نفسه من السؤال
"لاحقاً؟"
ما الذي يعنيه بذلك؟
ولم تدم حيرته تلك طويلاً ، فبينما كان هائماً بأفكاره تلك اقتحم المكان أحد الرهبان، كان أحد الشيوخ الذي رافقه إلى جبل هوا
تصلب وجه زعيم الطائفة وهو يحدق به وتحدث بنبرة صارمة
"ما هذه الوقاحة؟"
لكن الراهب الذي كان يبدو عليه الفزع والتوتر الشديد متناسياً آداب السلوك قال
"جبل هوا ..."
............
في ساحة جبل هوا الواسعة الساحة التي كانت تنعم بالسلام قبل لحظات.... حسناً كان تشيونغ ميونغ موجوداً بغرفة الزعيم لذلك
على أي حال كان تشيونغ مون الذي خرج بعد أن أشار إليه التلميذ بذلك يحدق بأعين فارغة في المكان
اتسعت عيناه بدهشة ورفع اصبعه ويداه ترتعشان مشيراً للأمام بينما يحدق بتشيونغ وقال بصوت يرتجف كابتاً الغضب والصدمة
"ما ... هذا؟"
تشيونغ ميونغ الذي تلقى هذا السؤال راح يقلب بصره في المكان
أمام عينيه كانت تتكدس عربات فارغة والتلاميذ المنهكون بدوا أشبه بجثث متحركة
ولسبب غريب كان بعض التلاميذ ممسكاً بمقبض العربة لم يملك الطاقة حتى لتغيير وضعيته
وبينما كان تشيونغ ميونغ يحدق بهم برضا تشوه تعبيره فجأة وراح يعبس صاح بنبرة متذمرة وصاخبة
"ها؟ ألم أخبركم أن تنهوا كل شيء ما هذا بحق"
كان التلاميذ المنهكين يحدقون به والشرر يتطاير من أعينهم ولو أن النظرات كانت قادرة على القتل لكان تشيونغ ميونغ الآن قد تحول لأشلاء
لكن للأسف فذلك مستحيل، لوح تشيونغ ميونغ بيده متجاهلاً نظراتهم تلك ومن ثم ركل التلميذ الذي كان يقف بجواره والذي سرعان ما حلق بعيداً وارتطم بإحدى العربات
كان تعبيره مليئاً بالأسى لكن هل هذه هي غلطة تشيونغ ميونغ حقاً؟ كان هو الذي تواجد في المكان والوقت الخطأ من سيلوم إلا نفسه
بينما السيوف الخمس الذين استطاعوا النجاة من تهديد تشيونغ ميونغ كانوا في الخلف، إلا أن تعابيرهم كانت تخلو من أي دهشة، كما لو كان مألوفاً بشكل غريب
"ساهيونغ"
تحدث جوغول بحذر وهو يشير نحو العربات، وحاول بايك تشيون الالتفات لكن وفي اللحظة التي بدأ بها بالتحرك شعر فجأة، سمع صفيرًا حادًا، كأن الهواء قد انشق حوله، ثم شعر باندفاع هواء قوي يمر بجانبه.
كأن شيئًا غير مرئي قد مر بسرعة البرق، مما جعله يتراجع خطوة إلى الوراء، عينيه تتسعان في ذهول.
استدار بسرعة، قلبه ينبض بعنف، محاولًا فهم ما حدث.
في تلك اللحظة، لاحظ شيئًا يلمع على الأرض أمامه.
ضيق بايك تشيون عينيه قليلاً وهو يتفحصه
"هاه؟"
كان ما لمحه هو إبرة فضية تتلألأ تحت ضوء الشمس، رفيعة ودقيقة تشهد على حرفية عائلة تانغ الشهيرة
كانت تغرز في الأرض بعمق وتبرز بزاوية حادة مبعثرة التراب من حولها
"ساهيونغ ما الذي تنوي فعله وأنت على هذه الحال؟"
عند سماع الصوت الغاضب لسوسو شعر بايك تشيون بقشعريرة حادة تسري بجسده، سوسو التي عادة ما تكون لطيفة تتحول إلى شيطان عند معالجة الناس
التفت بايك تشيون نحو السيوف الآخرين من حوله طلباً للمساعدة لكن كان جميعهم قد ابتعد بالفعل من جانبه
'هؤلاء الخونة'
بايك تشيون الذي ترك وحده في المكان لم يكن لديه خيار آخر لذا عادت نظراته نحو سوس التي كانت تتقدم وهي تنفث النيران من فمها وعلى وجهها علامات الغضب وهي تحمل بيدها الضمادات البيضاء ولكن
'ها؟ سوسو؟ لا أعتقد أنه جرح يستلزم استخدام الإبر؟ لا لحظة لما تبدو أكبر من العادة؟'
ورغم أن هذا ما كان يفكر به إلا أنه لم يستطع النطق بها، فراح يبتسم بشكل محرج
"سوسو اهدئي قليلا"
"ها؟ أهدئ"
كانت عينا سوسو متقدتان بالغضب وهي تحدق بجرح بايك تشيون اندفعت نحوه وراحت تضمده بعنف
"بحق لما لم تضع يدك أو تحاول إيقاف النزيف أتعتقد أنه لمجرد أنك فنان قتالي ستشفى لوحدك؟ اللعنة ماذا تظن بجسدك"
"سوسو"
"ماذا؟"
"...."
'لا شيء فقط أنا ساسوك'
وفي تلك الأثناء كانت عينا يوي سول تراقبان تشيونغ ميونغ الذي كان يتفحص العربات بعناية وبينما هي على هذه الحال
"ساغو"
عند الصوت المفاجئ فزعت يوي سول ونظرت نحو مصدره حيث كانت سوسو التي ألقت ببايك تشيون بعيداً تتقدم نحوها.
بدا وكأن فمها يخرج دخاناً بطريقة كما أن وجهها كان أشد من الوقت الذي نظرت فيه لبايك تشيون، مما جعل يوي سول تتراجع بشكل غريزي للخلف.
لكن كان الآوان قد فات بالفعل، سحبت سوسو يدها بقوة وراحت تضمدها بوجه قلق ومرير، شدت الضمادة بقوة مسببة بذلك الألم ليوي سول التي كانت تتحاشى النظر في عينيها
لكن سوسو سرعان ما عادت للغضب من جديد وراحت تصرخ
"ساغو هل انتقلت عدوى غبائهم لك؟"
التفت الجميع نحو سوسو التي كانت تشتعل بقوة لكنهم سرعان ما أزاحوا بصرهم بعيداً بسبب نظراتها الحادة.
" لما فعلتي ذلك بحق؟"
كان صوتها مليئاً بالقلق مما جعل يوي سول تتنهد وهي تنظر إلى تعبيرها المرير ومن ثم راحت تربت على رأسها بلطف، لكن سوسو لم تنو التراجع وحدقت بها باصرار وحدة وهي تتابع توبيخها
"إنه ليس نفسه، إنه مختلف أنت تعلمين ذلك فلما؟"
"إنه نفسه"
ردت يوي سول على كلماتها بكل ثقة مما جعل سوسو تتساءل أي ثقة هي هذه؟ ألم تلاحظ ذلك؟ لا هذا لا يمكن إذاً لم؟
راحت تتمعن وجهها لعلها تعرف الإجابة لكن نظرات يوي سول كانت مثبتة نحو تشيونغ ميونغ الذي كان ينظر للعربات الفارغة ويضحك بسعادة مبالغة
"هيهيههيهيهيهيهيهيه هاهاهاهاههيهيههييهي"
كانت سوسو تضيق عينها وهي تنظر إليه على هذا الحال
"ما خطبه بحق؟ هل أصيب بالجنون أخيراً؟"
....................
في زاوية نزل صغير في مدينة شينشي، جلست رجلان حول طاولة خشبية قديمة.
وأمامهم كان الطفل الصغير، ذو الشعر الأسود الفاحم، يلتهم الزلابية بشغف، وعيناه تتألقان بفرح.
لطخ وجهه بعجينة الزلابية، بينما كانت قدماه تتراقصان في الهواء، تعبيرًا عن سعادته الخالصة.
على الطرف الآخر من الطاولة، كانت ملامح تشيونغ ميونغ مشدودة، حيث تجلى انزعاجه في تجاعيد الجبين التي كانت تبرز بشكل ملحوظ مع كل لحظة تمر.
عينيه، اللتين تلمعان بنظرات حادة، كانت تبحثان عن مخرج من هذا الموقف المحرج، كأنهما تفتشان عن سبيل للهروب من عيون الفضول المحيطة.
لم يستطع أن يخفف من قبضته على زجاجة الكحول، والتي كانت تعكس بريقًا غير مريح في الضوء الخافت للنزل.
قبل لحظات....
بينما كان النزلاء يتناولون طعامهم بشكل طبيعي في المكان، فتح الباب بقوة، مما أحدث صوتًا مدويًا في أرجاء النزل.
انخلعت المفصلات مع صرخات الباب، لتحطم الهدوء الذي كان يملأ الغرفة.
ظهر رجل شاب ذو شعر أسود طويل، وكان وسيم الملامح للحظات، لكن سرعان ما تبددت تلك اللحظات.
حيث تشوه وجهه ليبدي تعابير منزعجة.
ركل الباب بقدمه، مما أضاف إلى الفوضى التي اجتاحت المكان.
كان جسده يتقدم بخطوات واثقة، لكن عينيه كانت تتأجج بغضب غير مبرر، وكأنما كان يحمل عبء العالم على كتفيه.
خلفه، رفيقه الذي كان يحاول كتم ضحكته، لكن بلا فائدة.
بينما كان الطفل الصغير يسير بجانبه، يبدو غير مبالٍ تمامًا بتلك الفوضى، وكأنه لا يدرك الانزعاج الذي أحدثه دخولهم المفاجئ.
"هيونغ لما لا تفتح الباب بيديك؟"
"ها؟"
"لا شيء"
كان هذا المزيج الغريب والدخول الفوضوي هو الذي جذب انتباه الحضور، حيث تركزت الأنظار نحو الباب.
كان الحضور يتبادلون النظرات، ويتحدثون همسًا، وكأنهم يشهدون عرضًا غير متوقع.
لكن بنظرة واحدة من تشيونغ ميونغ، سرعان ما أزاح الجميع بصرهم عن المكان.
..................
كان هذا اليوم فوضوياً بلا شك لا بل جنونياً، لم تتوقف الرسائل والأخبار من التدفق لمعبد شاولين وبانجانغ الذي تلقاها في كل مرة كان وجهه يتشنج ويتلون من شدة الغضب
التلاميذ الذين كانوا في الجبل سمعوا في هذا اليوم كلمة واحدة بشكل متكرر
"قديس السيف اللعين ذااك"
في قاعة المعبد كان بانجانغ جالساً وهو يمسك بكأس خزفي بيده بدأ الكأس بالتصدع شيئاً فشيئاً حتى تحطم لأشلاء وتناثرت محتوياته على يده.
بوب تاي الذي كان يشاهد هذا المشهد بدأ يتساءل إن كان لا بأس لزعيم معبد شاولين بأن يظهر هذه التعابير؟
من المفترض بتعاليم شاولين أن تساعد الناس للوصول إلى بوذا واتباع تعاليمه لكن مدير الدير الذي أمامه بدا وجهه مشوهاً كما لو كان شيطاناً من الجحيم
لكن المشكلة أنه لم يستطع أن يلومه راح يخرج زفيراً عميقاً من فمه وهو يعيد ترتيب الأشياء المتناثرة بالمكان والتي قد ألقاها بوقت سابق
..................
في زاوية حانة مزدحمة، كانت الأجواء تعج بصخب العشرات من المحادثات المتداخلة، حيث تداخلت أصوات الضحك مع صرخات الجدال.
الأضواء الخافتة تلمع على الزجاجات المتراصة على الرفوف، بينما تنبعث روائح الطعام الشهي من المطبخ.
كان هيو لي قد دخل حديثًا، وبدا متسائلاً وهو يتنقل بين الطاولات، عينيه تبحثان عن تفسير للفوضى التي تحيط به.
"ما الذي يجري هنا؟"
سأل هيو لي، صوته محاولاً اختراق الضجيج.
"ها؟ ألا تعلم؟ هل أنت من الخارج؟"
رد أحدهم، وعيناه تشعان بالفضول.
"أجل،"
أجاب هيو لي، مشيرًا إلى شعور الحيرة الذي يعم وجهه.
"لكن، حتى وإن كنت من الخارج، فمن المفترض أن تعرف! لم تتبقى مدينة إلا وقد سمعوا بهذا الأمر."
كان صوت الرجل يحمل نبرة استنكار.
"لقد كنت على سفر لأيام عديدة بعد أن دمرت قريتي على يد الطائفة الشيطانية."
قال هيو لي، وهو يشعر بوطأة الذكريات المؤلمة.
بدأ الرجل يهز رأسه بتفهم، وراح يشرح لهيو لي الموقف، بينما كانت تعابير وجهه تتغير باستمرار بين الإعجاب والغضب.
"جبل هوا فعل كل هذا؟"
"أجل، يا رجل! هل كنت تعيش في كهف؟"
رد الرجل، ضاحكًا بسخرية.
"على الرغم من أن جبل هوا كان أكثر من خسر وقدم التضحيات، إلا أن قديس السيف قطع رأس تشونما، ولم ينسوا الناس العاديين من أمثالنا."
"ما الذي فعلوه؟"
تساءل هيو لي بشغف، وشعور الفضول والقلق يساوره.
"سمعت ذلك من طائفة المتسولين. بمجرد عودة قديس السيف، اتجه إلى مخزن جبل هوا وأخرج كل الأموال الموجودة، ومن ثم أمر جميع التلاميذ بشراء الحبوب وتوزيعها على المدن لمساعدة المتضررين من الطائفة الشيطانية."
قال الرجل، وعيناه تتلألأان بحماسة.
"لا يا رجل، إذا كنت ستخبره، يجب أن تقولها بشكل صحيح!"
قاطع أحدهم، مشيرًا بإصبعه.
"ما الذي تعنيه؟"
سأل الرجل، متعجبًا.
"لقد قال هذا بالحرف الواحد: لن يهدأ أو يرتاح أي أحد في جبل هوا حتى أتأكد من أن الجميع في السهول الوسطى يستطيع تناول الطعام بسلام."
"أنا سمعت أنه أخبرهم إن لم تكف الأموال، فيمكنهم بيع سيفه أيضاً."
أضاف شخص آخر، وعيناه تلمعان بإعجاب.
"محارب يبيع سيفه؟ يا إلهي، إنه مثال للطاوي الشهم حقًا!"
قال أحدهم، وقد ارتسمت على وجهه ملامح الإعجاب.
"إنه حقًا يستحق لقب قديس سيف زهرة البرقوق!"
أضاف آخر، بينما اتسعت ابتسامته، وكأنهم جميعًا يشاركون في احتفال غير رسمي ببطولة قديس السيف.
وهكذا بدأ الجميع يتحدث عن جانبهم من القصة، لكن كل الأحاديث كانت تنتهي بتقديس جبل هوا وتمجيد قديس السيف.
وبينما كانوا يتغنون ببطولاته، ارتفع صوت أحدهم، مما أعاد السكون إلى المكان.
"إذا ما الذي فعلته بقية الطوائف؟"
"هاه؟"
"هؤلاء الأوغاد لا يبالون بنا. إنهم فقط يدعون أنهم يهتمون بالناس، لكن ما الذي فعلوه بحق؟"
قال المتحدث بحماس.
"أنت محق،"
أجاب آخر.
"في الوقت الذي كان جبل هوا يقاتل في جبال الألف، كانوا هم يختبئون في جحورهم."
"حتى أن قديس السيف ضحى بذراعه لقطع رأس تشونما ولأجلنا!"
أضاف شخص آخر، وعيناه تتلألأان بالإعجاب.
"ذراعه؟"
لا أحد يجهل أهمية الذراع للإنسان، فكيف بالمبارز الذي عاش حياته بالسيف؟ أن يضحي بها كان أمرًا عظيمًا بلا شك.
وهكذا بدأت الأصوات تتعالى، مديحًا لجبل هوا وإشارة واتهامًا لبقية الطوائف.
كانوا يتبادلون النظرات، وكل واحد منهم كان يشعر بفخر بهم، بينما كانت الأحاديث تتصاعد، تتداخل فيها الأصوات، وتصبح أكثر حماسة.
"نعم، لقد كان جبل هوا هو الأمل، وهو من واجه الظلم بينما الآخرون اختبأوا!"
صرخ أحدهم، مما أثار حماسة الجميع.
وفي زاوية الحانة المظلمة، كان يجلس رجل غامض يرتدي قبعة تغطي وجهه وملامحه، وعلى وجهه ابتسامة مبهمة.
ملابسه سوداء بسيطة، لكن الحضور كانوا يشعرون بهالة من الغموض تحيط به.
بدأ يهمهم ويهز برأسه كما لو أدرك شيئًا ما، مما دفع الجميع للالتفات نحوه بفضول.
"هممم، إذا كان الأمر هكذا... هذا يجعل الأمر منطقي"
قال بصوت منخفض، وعيناه مليئتان بشيء من السخرية.
سأله أحدهم،
"ما الذي تقصده يا رجل؟"
بينما صاح آخر، وقد ارتسمت على وجهه نظرة حيرة،
"من أنت؟"
أجاب الرجل بثقة، يهز كتفيه بلا مبالاة، بينما كانت زاوية فمه ترتفع قليلاً في ابتسامة غامضة.
"لا أعتقد أن هويتي مهمة، ولكن ألستم فضوليين بشأن آخر الشائعات؟"
"أي شائعات؟"
جاء صوت آخر، حاملاً معه لمحة من التوتر.
بدأ الرجل يلتفت حوله بحذر، يتفحص الوجوه المحيطة به كما لو كان يتأكد من خلو المكان من أي متلصصين.
ثم قرب وجهه، واضعًا يديه على فمه بإشارة هادئة تطلب الهدوء.
سادت حالة من السكون، وتهدأ الأصوات، تاركة فقط صوت قلوبهم المتحمسة.
كانت الأعين مركزة عليه، وكلما اقترب بصوته المنخفض، زادت حدة التوتر في الجو.
"سمعت أن قديس السيف قام بطرد زعيم شاولين وودانغ ونامجونغ من جبل هوا."
"طردهم؟"
تعالت الأصوات بدهشة، وظهرت تعابير الفزع على الوجوه.
"لما يفعل ذلك؟"
تساءل أحدهم، وبدأت يده ترتجف قليلاً.
أشار لهم الرجل بعدم مقاطعته، وساد الصمت مرة أخرى، بينما كان يتحدث بنبرة أكثر جدية.
"كانوا قد أتوا بمجموعة من الكنوز إلى جبل هوا، مدعين بذلك مساعدتهم، لكن قديس السيف ركل تلك الكنوز بقدميه وأعلن انسحاب جبل هوا من تحالف الطوائف العشر."
بدأت العيون تتسع، وتظهر مشاعر الاستغراب والقلق.
"لما يفعل قديس السيف شيئًا كهذا؟ أتوا للمساعدة!"
قال أحدهم، محبطًا، بينما كانت ملامحه تدل على عدم الفهم.
حينها صرخ أحد الحاضرين بغضب، وقد ارتفعت ذراعيه في الهواء،
"ما الذي تتحدث عنه؟ تمكنت الطائفة الشيطانية من تجاوز جميع الطوائف بلا ضرر وصولاً إلى جبل هوا، لم يقف بوجههم أحد!"
"يقال إن قديس السيف عاد مسرعًا إلى جبل هوا لإنقاذه، وعند وصوله وجد النار مضرمة بالجبل، والتلاميذ الصغار للطائفة يصارعون الموت."
أضاف آخر، ووجهه شاحب من القلق.
"لو أنهم تدخلوا أو فعلوا شيئًا، لما مر جبل هوا بهذه المأساة!"
جاء صوت آخر، وكانت ملامح الغضب والخيبة واضحة على وجهه.
"أجل، قرار قديس السيف صائب!"
صرخ أحدهم، بينما كانت الأصوات تتعالى، وبدأت الحماسة تعود إلى المجموعة.
"إنه حقًا مثال للمحارب الشهم!"
أكمل آخر، وقد اتفقت العقول على تقدير قديس السيف، بينما الرجل الغامض ابتسم في زاويته، وكأن كل ما قاله كان جزءًا من خطة أكبر.
كانت ابتسامته تحمل في طياتها سرًا لم يُكشف بعد، بينما كانت الأجواء مشحونة بالتوتر والحماس، وكأن مصيرهم جميعًا معلق على ما سيحدث بعد ذلك.
...........
"هيونغ، إذا استمررت بذلك ستترك ثقباً في جسده!"
قال تانغ بو، محاولاً كبح ضحكته، لكن جسده المهتز جعل الأمر أكثر صعوبة.
كانت ضحكته تتصاعد، وكأنها شرارة قد تشعل الغضب في قلب تشيونغ ميونغ.
تجمد تشيونغ ميونغ للحظة، ثم رسم ابتسامة متشنجة على وجهه، بينما اهتز حاجبه من الغضب.
"إذاً أين والداك، أيها الطفل؟"
سأل، وصوته يحمل نبرة من الاستنكار.
نظر الطفل إليه، مبتسمًا ببراءة، ورفع رأسه عالياً.
"أبي!"
قالها بوضوح، وأشار بيده نحو تشيونغ ميونغ، وكأن الكلمة تعني كل شيء بالنسبة له.
تشنج جسد تشيونغ ميونغ بشدة، وكأن صاعقة قد أصابته.
نهض من مكانه بغضب، وصرخ
" من هو أبوك، أيها الوغد الصغير؟ ها؟ لم ولن يكون لدي شقي مثلك كطفل لي!"
كانت كلماته تتردد في الأرجاء وكأنها تعكس عواطفه المتضاربة.
لكن قبل أن يزداد الموقف سوءًا، سارع تانغ بو للإمساك بتشيونغ ميونغ، وبدأ بحشو فمه بالطعام في محاولة لإسكاته.
"هيونغ، لما تغضب من طفل صغير؟"
سأل بتعجب، عينيه تلمعان بالمرح، بينما تشبث الطفل بملابس تشيونغ ميونغ، غير مدرك لما يحدث.
شعر تشيونغ ميونغ بضغط في صدره.
كانت ضحكة تانغ بو تتردد في أذنه، بينما كان الطفل ينظر إليه بعينيه البريئتين.
التفت تانغ بو بابتسامة مشرقة نحو الطفل، وجعل صوته لطيفًا وهادئًا وهو يقول،
"أيها الطفل، يجب عليك إخبارنا بالحقيقة حتى نستطيع مساعدتك."
كانت عينيه تعكسان الأمل، لكنه شعر بشيء من التوتر عندما حدق الطفل فيه طويلاً، كما لو كان يتفحص روحه.
كان الطفل مشابهاً بشكل غريب لتشيونغ ميونغ، لا سيما بشعره الأسود الفاحم وعينيه الورديتين.
لكن البراءة واللطف اللذين يميزانه دفعا تانغ بو إلى محو تلك الفكرة من ذهنه. ومع ذلك، كانت المفاجأة عندما قال الطفل بجرأة.
"عجوز نتن."
اهتزت أذناه قليلاً، وراح تانغ بو ينظفهما ظناً منه أنه قد أخطأ السمع.
"ماذا قلت يا صغير؟"
سأل بلطف شديد، محاولًا الحفاظ على هدوئه.
أعاد الطفل كلماته بابتسامة واثقة،
"عجوز نتن."
فجأة، شعر تانغ بو بخيط رفيع ينقطع في عقله، كان ذلك هو خيط صبره.
اندفع نحو الطفل الصغير، وعيناه تتألقان بالغضب.
"من الذي تنعته بالعجوز، أيها الوغد الصغير؟ ها؟ كيف أبدو لك كعجوز؟ لا أزال في ريعان شبابي!! ثم ماذا؟ نتن؟؟ تعال إلى هنا، سأؤدبك نيابة عن والديك اليوم!"
لكن قبل أن يتمكن من الاقتراب، شعر فجأة بقوة تدفعه بعيدًا.
كان تشيونغ ميونغ، الذي كان ينظف أذنيه من تلك الإهانة، قد ألقى به جانبًا، وكأنه كيس من الشعير.
أمسك الطفل برفق، وكأنه يحمل شيئًا ثمينًا، ثم خرج من المكان وهو يتذمر
"ذلك الوغد! هل تستخدم قوتك على طفل؟ لما لا تنضج قليلاً؟"
تانغ بو، الذي تم إلقاءه، شعر بدموع طفيفة تهبط من عينيه.
كانت أكثر ما أزعجه هي نظرات الطفل المنتصرة وهو يبتعد، وكأن النصر قد مُنح له.
في تلك اللحظة، تأكد تانغ بو من شيء كان يشك فيه.
إذا كان لذلك الشيطان طفل، فلا بد أن يبدو بهذا الشكل بلا شك.
...............
أدرك تشيونغ مون ما حدث، وراح يحدق بتشيونغ ميونغ بعينين فارغتين، بينما شعر بالتواء شديد في معدته.
كان الألم معتاداً، لا سيما مع ضحكات تشيونغ ميونغ التي كانت تتعالى في المكان.
وبينما كان يمسك بمعدته ويتأوه، لمح شيئًا أبيض قريبًا منه.
التفت ليرى سوسو تقدم له دواء للمعدة، عينيها تحملان تعبيرًا هادئًا.
"ستحتاجه"
قالت ببساطة.
أخذ تشيونغ مون الدواء منها بسرعة، وابتلعه دون أن يتساءل عن سبب حملها لدواء المعدة أينما ذهبت، أو عن معرفتها بحاجته له.
كان الجواب واضحًا بمجرد النظر نحو تشيونغ ميونغ.
التفت تشيونغ ميونغ نحو تشيونغ مون، وعلى وجهه ابتسامة مشرقة.
"ما الأمر، ساهيونغ؟ ألم أحسن صنعًا؟"
لم يرد تشيونغ مون فورًا، بل بقي صامتًا، محاولًا استيعاب المشهد.
"هيهيهي! لقد اعتنيت بالأمور جيدًا في غيابك!"
أضاف تشيونغ ميونغ، وكأنما كان يطلب المديح.
في تلك اللحظة، كان هناك صراع يدور في خلد تشيونغ مون.
بدا تشيونغ ميونغ وكأنه يتوق إلى الثناء، لكنه كان يتساءل في نفسه ما إذا كان من الجيد مدحه على ذلك.
بالطبع، كان توزيع الطعام على الناس أمرًا يستحق المديح، لكن كان من الغريب أن ينفق تشيونغ ميونغ الأموال على الآخرين بإرادته.
لكن إذا كان ذلك لإفساد بقية الطوائف، كل شيء يصبح منطقيًا.
'هاه؟ أمواله؟'
تساءل تشيونغ مون، الذي أدرك شيئًا ما، فابتسم بدفء وتحدث بصوت هادئ، رغم الاضطراب الذي كان يعصف به.
"تشيونغ ميونغ."
"أجل، ساهيونغ."
"من أين جلبت الأموال؟"
أمال تشيونغ ميونغ رأسه محاولاً فهم ما يقوله أخوه، وعلامات الاستغراب كانت واضحة على وجهه.
بدا وكأنه يتساءل: ما الهراء الذي تتحدث عنه، ساهيونغ؟.
هذا كان كافيًا لجعل تشيونغ مون يعلم بالجواب.
"إذاً الأموال المسروقة؟"
" ساهيونغ! ما الذي تتحدث عنه أنت قلت ذلك بنفسك، إنها هدية!"
توقف لحظة، ثم جاءه الإدراك.
كانت هذه سرقة وتهديد ورشوة في آن واحد.
"تشيييوووووووووووووووووووووونغ ميووووووووووووووووونغ!"
صاح تشيونغ مون، وقد امتلأ صوته بالقلق والغضب، وكأن الكلمات نفسها كانت تعبر عن كل ما يشعر به.
........
تعليقات
إرسال تعليق