الفصل التاسع عشر

 أنين خافت وسط الظلام


بينما كان بايك تشيون يشعر بحرارة غريبة تسري خلف ظهره، انتابته قشعريرة من الخوف.

لم يكن لديه أدنى فكرة عما قد يواجهه، لكنه التفت بخفة، وحيث وقعت عيناه كان أسورا الخارج من الجحيم....لا سوسو واقفة هناك تشتعل من الغضب.

كانت تصر على أسنانها بقوة وملامحها مشوهة بشكل فظيع بسبب تشيونغ ميونغ الذي كان يهمل جسده طوال الأيام الماضية.

حاول بايك تشيون تهدئة سوسو الغاضبة، لكن سرعان ما أغلق فمه عند رؤية نظراتها الحادة، التي كانت تحمل في طياتها عاصفة من المشاعر المتضاربة.

تراجع بايك تشيون بشكل غريزي، بينما تقدمت سوسو نحو غرفة زعيم الطائفة الغرفة التي كانت مسكن وملاذ تشيونغ ميونغ هذه الأيام.

اندفعت بقوة بينما يبتعد الجميع عن طريقها، خوفاً من أن تطالهم شرارات غضبها، فتحت الباب بقوة، وصوتها زلزل المكان.

"لن أحتمل هذا بعد الآن! لا يهمني إن كنت ساهيونغ أو شيخاً، سأعالجك شئت أم أبيت!"

كانت كلماتها تحمل كل الغضب والقلق الذي اجتاحها.

لكن في لحظة، خمدت نيرانها عندما نظرت إلى الغرفة الفارغة. لم يكن هناك سوى السرير الخالي، حيث كان يجب أن يكون تشيونغ مون.

كانت الغرفة تتنفس صمتًا كئيبًا، والهواء ثقيلًا بالشعور بالفقد.

"أين هو؟"

تمتمت سوسو، والذهول يعتصر وجهها. عينيها تتسعان من الفزع، وكأنها تبحث عن إجابة في كل زاوية.

كانت تتوقع أن تجد تشيونغ ميونغ هناك، لكن الغياب كان أقوى من أي كلمات.

بدت آثار الدمار واضحة على الغرفة التي طالما كانت منظمة وأنيقة، الأثاث الذي كان يومًا ما متناسقًا، كان الآن متصدعًا.

وعلى الرغم من ذلك، رغم كل الفوضى التي حلت بالمكان كانت الغرفة نظيفة للغاية، وكأن هناك جهدًا خفيًا يبذل للحفاظ على ترتيبها.

حيث كانت الستائر قد تم ترتيبها بدقة، رغم أن بعضها قد تمزق بسبب المعارك.

كما كانت رائحة الخشب المعطر تملأ الأجواء، مما أضفى على الغرفة شعورًا بالراحة، لكن الألم الذي يخيم على المكان كان ملموسًا.

بينما كان السيوف الستة يتأملون الغرفة، استحضرت ذاكرتهم تشيونغ ميونغ وهو ينظف المكان بعناية، رغم ذراعه المقطوعة.

............

اقترب تشيونغ ميونغ من غرفة أخيه بنظرة حانية، فتح الباب وهو يشعر بأن قلبه يثقل قليلاً تحت وطأة الذكريات.

عند رؤية الغبار المتراكم والفوضى التي تعم المكان عبس تشيونغ ميونغ قليلاً وهو يتذكر كيف كان تشيونغ مون دقيقاً يهوى النظافة.

ولذا ورغم ألمه أراد أن يحرص أن المشهد الذي سيراه أخاه عند استيقاظه، سيكون الغرفة الأنيقة التي اعتادها.

بعد قليل عاد ممسكاً مكنسة بيده اليمنى، وبدأ بتنظيف الأرضية، بينما يوازن جسده بتأنٍ.

حركاته كانت بطيئة، لكنها حملت بطياتها عزماً وإخلاصاً شديدين.

بيد واحدة فقط، لكن ذلك لم يمنعه من أداء المهمة كما يجب، مركزاً على كل زاوية، يحرص على عدم ترك أي غبار يتراكم.

يضع الكتب في مكانها، ويعيد ترتيب الأثاث بطريقة تتماشى مع الذكريات التي كانت تعيش في تلك الغرفة.

كانت كل لمسة له تعكس حبًا عميقًا، كأنه يعتني بجزء من روح أخيه.

رغم صعوبة الأمر، كان يشعر بشيء من الراحة وهو يقوم بهذه المهمة.

لم يستطع ترك الغبار يتراكم، ولم يرغب في أن يتحمل الآخرون هذه المسؤولية.

كلما انتهى من ترتيب الأشياء، كان يتراجع خطوة للخلف، ويتأمل إنجازاته.

عينيه تتألقان بالفخر، وكأنما يراها كما كانت في أبهى حالاتها.

تلك اللحظات منحته شعورًا خفيفاً بالسلام، رغم كل ما كان يمر به من ألم.

...........

السيوف الست التي راقبت الغرفة الفارغة إلا من تشيونغ مون الراقد على السرير، شعروا بنبضات قلوبهم وهي تتسارع من القلق.

"ربما يكون في مكان آخر،"

قال بايك تشيون بصوت خافت، يحاول تهدئة الوضع، لكن صوته كان يرتجف من القلق.

"علينا أن نبحث عنه."

سوسو، التي استعدت لمواجهة أي شيء، أومأت برأسها، واندفعت خارج الغرفة، عازمة على العثور على تشيونغ ميونغ.

عيناها تشتعلان بالعزم، بينما كانت خطواتها تعكس قوة لا تُقهر، حتى في وجه الظلام الذي يحيط بهم.

.................

سكن الصمت في أعماق الليل، كأن الزمن قد توقف عن الدوران، وكأن العالم الخارجي قد غاب في ظلامه الدامس.

كانت الأضواء الباهتة من الخارج تتموج عبر النوافذ، مخلّفةً ظلالاً تتراقص في زوايا الغرفة، كأرواح حائرة تبحث عن مأوى.

في تلك اللحظة، كان كل شيء يبدو وكأنه يراقب تشيونغ ميونغ، كما لو كانت الغرفة نفسها تتنفس ببطء، تتأمل ما يخبئه القلب المرهق.

فبعد يوم طويل حافل بالأحداث، عاد تشيونغ ميونغ إلى غرفته، حاملاً عبئاً ثقيلاً من المسؤولية والقلق، وكأنما كان يحمل عالماً من الألم.

كانت خطواته ثقيلة، وكأن كل خطوة تخطف من طاقته.

قد أخبر تشيونغ مون ورب تانغ حول الطائفة الشيطانية، محذراً إياهم من خطر يلوح في الأفق، لم يكن الأمر مجرد حديث عابر؛ كان عبارة عن قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار.

أغلق تشيونغ ميونغ نافذة غرفته، محاولاً عزل نفسه عن هدوء الليل المخادع.

كان الهواء بارداً، يحمل معه رائحة الرطوبة، جلس على حافة سريره الخشبي، وشعر بخطوط العرق تتسلل على جبينه، كأنها تحمل أخبارًا عن أهوال قادمة.

مدّ يديه المتعبة إلى الزجاجة المخفية تحت الوسادة، كمن يبحث عن ملاذ في خمرٍ يخفف عنه وطأة الواقع.

رفع الزجاجة إلى شفتيه، ورشف رشفة عميقة، كانت كالنسيم الدافئ الذي يخفف من برودة الليل، لكنها لم تكن كفيلة بإخماد النار التي تشتعل داخله.

أغلق عينيه محاولاً استيعاب كل ما حدث، لكنه لم يستطع الهروب من تلك الأفكار المظلمة.

كانت الكوابيس تعود لتلاحقه.

تذكّر تلك الغرفة الفارغة والمظلمة التي تعكس شعوره بالوحدة والعزلة، حيث كانت جدرانها تتآكل من الصمت، وتلتهم كل ما هو حي.

في تلك اللحظة، كان يشعر أن الغرفة نفسها ترفضه، كأنها تبتعد عنه، وهو يطفو في بحر من الفراغ.

"لما؟ لما ينتابني هذا القلق؟"

تساءل بصوتٍ خافت، كأنه يخاطب نفسه في مرآة مشروخة.

كان كل شيء ظاهريًا على ما يرام، إخوته بخير، والطائفة في أمان، لكن داخله كانت العواصف تعصف، وكأن روحًا مظلمة تطل من بين طيات قلبه، كما الأمواج التي تدق على صخور الشاطئ.

في اللحظة التي كانت أنفاسه على وشك أن تسكن في عمق هذا الظلام وفجأة،

سمع صوتاً خافتاً يأتي من الخارج، كهمس شبحٍ قادم من العدم. فتح عينيه على مصراعيها، واستمع بتركيز.

كان الصوت يشبه أنين الريح، لكن كان هناك شيءٌ فيه، شيءٌ يثير الرعب في أعماقه.

قلبه بدأ يدق كطبلة الحرب، وكأنما كان يستعد لمواجهة عدوٍ غير مرئي.

تسلل إلى النافذة، وفتحها بحذر، وكأنما كان يتوقع أن يخرج من ظلال الليل شيءٌ مرعب.

نظر إلى الخارج، لكن لم يرَ شيئاً سوى الظلام الدامس الذي يُخفي كل شيء.

ظل واقفاً هناك لبضع دقائق، قلبه يخفق بشدة، ثم عاد إلى سريره، وغطى رأسه بالغطاء، كأنما يحاول درء خطر يحيط به من كل جانب.

أغمض عينيه مرة أخرى، وحاول أن يسترخي، لكن الأفكار كانت تلاحقه كالأشباح، تتراقص حوله في دوامة من القلق واليأس.

كان يعلم أن الصمت يحمل في طياته أسرارًا مظلمة، وأن الليل قد لا يكون كما يبدو.

في أعماق روحه، كان هناك شعور بأن الأوان قد فات، وأن المعركة الحقيقية بدأت للتو.

وهكذا وأخيرا بعد صراع طويل غط تشيونغ ميونغ في نوم عميق

........................................

في عمق الليل، حيث تتراقص الظلال تحت ضوء القمر الخافت، كان هناك رجل يتقدم بخطوات خفية، كأنه جزء من الظلام نفسه.

كان جسده ينحني قليلاً، وكأنه يحاول التسلل بين خيوط الليل، عينيه تلمعان في ظلمة المكان، تحملان نظرات حادة كخناجر.

كل خطوة يخطوها كانت محسوبة بدقة، وكأن الأرض تحت قدميه كانت تضج بالأسرار.

عندما اقترب من الباب الخشبي، كانت أنفاسه تتقطع في صمت الليل.

وضع يده على المقبض، وقلقٌ غامض يعتصر قلبه، وكأن هناك شيئًا يتربص خلف الباب.

فتحه بحذر، وأصوات الخطر تعلو، كأنها صرخات تحذير في أذنه.

عندما دخل الرجل الغرفة، تفاجأ بوجود شخص آخر يقف هناك، عازمًا على ما يبدو، كأنه ظل من ظلال الليل.

تجمدت ملامحه للحظة، وعيناه تتسعان في دهشة، بينما ارتسمت على وجهه تعابير تتراوح بين الارتباك والقلق.

"هاه؟"

"الشيخ تانغ؟"

تانغ بو الذي تفاجئ بوجود تشيونغ جين بالغرفة راح يقترب منه ببطء، يحاول استيعاب الموقف.

وقف الاثنان أمام تشيونغ ميونغ، الذي كان نائمًا بسلام، لكن عرقه يتدفق على جبينه، وكأن كابوسًا يلاحقه في عالم الأحلام.

توقف الزمن في تلك اللحظة.

كانت الغرفة تكتنفها حالة من الصمت الخانق، حيث لم يكن هناك سوى صوت أنفاسهم المتسارعة.

نظرا معًا إلى تشيونغ ميونغ، وكأنهما يشاركان نفس الفكرة، نفس الخوف الذي يعصف بهما.

"ما الذي يحلم به يا ترى؟"

"لقد كان ساهيونغ غريباً هذه الأيام"

"لقد رأيته يطلب الشاي عوضاً عن الكحول"

قال تانغ بو وعلى وجهه ملامح ذعر عند تذكر تشيونغ ميونغ الذي كان في منزله يحتسي الشاي بهدوء، كما أضاف تشيونغ جين بينما يضم جسده المرتعش بصوت مرتجف

"لقد رأيته يبكي"

"هاه؟"

حدق تانغ بو به بصدمة، لتتسلل قشعريرة عميقة إلى ظهر الاثنين.

في تلك اللحظة، كان الصمت يتحدث بصوتٍ عالٍ، وكأن الكلمات تاهت في زوايا الغرفة، تاركةً فقط تلك النظرات المتبادلة بين الاثنين، اللذان التقيا في مفترق طرق غير متوقع، يحملان نفس القلق، ويواجهان نفس الغموض.

وفجأة،

تغيرت ملامح تانغ بو، إذ ارتسمت على وجهه ابتسامة مكر، وكأن فكرة ما قد خطرت له.

أخرج من جيبه قلم حبر أسود، وعيناه تلمعان بشغف الطفولة، ومن ثم نظر إلى تشيونغ جين، وقال بابتسامة

"ما رأيك بهذا؟"

لكن تشيونغ جين لم يتردد.

نظر إلى تانغ بو باستنكار، وعبس في وجهه، وكأنما كان يصرخ في صمت

"لا، كيف يمكن لشيخ عائلة تانغ أن يفكر هكذا؟"

تراجع تانغ بو خطوة إلى الوراء، وكأن الكلام كان صفعة غير متوقعة.

ثم،

وكأن القدر كان يحضر مفاجأة، اكتشف تانغ بو وجود قلم آخر في يده. نظر إلى تشيونغ جين باستغراب، وكانت عينيه تعكسان مزيجًا من الدهشة والفضول، ليجيبه الآخر بابتسامة واسعة

"سيكون من الأفضل استخدام قلم ثابت."

شعرت الغرفة فجأة بانتعاشة غير متوقعة.

ابتسم الاثنان في سعادة، وبدآ بالرسم على وجه تشيونغ ميونغ النائم.

ارتسمت ضحكات خافتة في الأجواء، وكأنهما استوليا على لحظة من الزمن، يجسد فيها اتحاد شيخ طائفة جبل هوا وشيخ عائلة تانغ الأكبر.

كانت تلك اللحظة تجسد روح اللعب والمغامرة، حيث اجتمع الشغف والمرح للعبث مع شخصية تشيونغ ميونغ، الشيطان الذي يثير الرعب في قلوب الكثيرين.

تداخلت ضحكاتهما مع همسات الليل، وكأنهما أوقعا شيئًا من السعادة في عتمة تلك الغرفة.

....................

في قمة جبل هوا، حيث يلتقي السماء بالأرض في حوار صامت، يظهر المكان كعالمٍ معزولٍ محاطٍ بالسكون.

الأرض هنا مغطاة بحبيبات صغيرة من الصخور، تتناثر بين بعض الأعشاب الجافة التي ترفض الاستسلام للبرودة القاسية.

تتداخل ظلال الجبل الوعرة مع ضوء القمر، وكأن القمر ينسج خيوطًا من الفضة على السطح الحجري، مما يمنح المكان شعورًا بالخلود والهدوء المتوتر.

شجرة زهور البرقوق، رمز جبل هوا، التي تبرز كحارس صامت وسط هذه العزلة، تتميز بفروعها الملتوية التي تعكس صمودها ضد قسوة الظروف.

أزهارها البيضاء، التي تفتحت رغم برودة الليل، كانت كأنها عيون تراقب حياة ماضية، تتجلى فيها قوة الجمال الهش في مواجهة الفقد.

كل زهرة حملت في طياتها علامة على القوة الحياتية، تذكر بتلك اللحظات التي يمكن أن تتفتح فيها الحياة حتى في أكثر الظروف قسوة.
في ذلك المكان،

كان هناك،

ووجوده يتلاشى في فضاء الليل.

شعره الأسود، الذي يتراقص بفعل الرياح الباردة، كان كالشظايا المنسية من ذكريات مؤلمة، بينما كانت عيناه الورديتان تشعان بألم عميق، كأنهما تحملان في عمقهما عواصف من الحزن والندم.

وحيدًا، كأنما الجبل نفسه هو الوحيد الذي يعرف معاناته.

ومع نسمات الليل التي تهمس بألحان الماضي، تطاير قميصه الفارغ بينما تتلاعب به الرياح، وكأنها تحاكي صرخته الصامتة.

ذلك الفراغ الذي خلفته الذراع المقطوعة، كان يصدح بصوت أقوى من أي كلمة.

كان الكُمّ يتدلى بلا حياة، كأنه يفتقد جزءًا من ذاته، كما يفتقد هو جزءًا من روحه.

بدأ تشيونغ ميونغ ينحني على الأرض، متجاهلًا برودة الصخور التي كانت تعكس قسوة الليل.

كان يجمع الحجارة المرتمية حوله، يلتقطها واحدًا تلو الآخر، وكأنما كان يستعيد شيئًا من الفوضى التي تحيط به.

كانت الحجارة خشنة، بعضها صغير مثل كفّ اليد، وبعضها أكبر، تحمل آثار الزمن، محفورة بتجاعيد الذاكرة.

تحسسها بأصابعه، يشعر بملمس كل واحدة منها، كل حجرة نقلت له إحساسًا بالثقل، وكأنها تروي له عن الأيام الماضية، عن الضحكات التي تلاشت وتحطمت.

وضعها بعناية أمامه، مُكوّمًا إياها بترتيب غير متناسق، وكأنما يحاول بناء شيء أكبر من مجرد كومة عادية.

وبينما كانت كومة الحجارة تتزايد، كان يشعر بشيء من التحرر، كما لو أنه يُخلي قلبه من أحمال ثقيلة، يبني شيئًا في قلب الجبل، حتى لو كان مجرد كومة من الصخور.

في تلك اللحظة، كان ينغمس في الصمت، محاطًا بذكرياته، بينما كان القمر يُلقي بظلاله على عمله، كأنه يُضيء له الطريق.

يصبّ تركيزه في كل حجر يضعه، حتى أن كل حركة له كانت تتحدث عن الألم والحنين، وتجسد صراعًا داخليًا لا ينتهي.

حينها خرج من فمه صوت مكسور، كأنه يتحدى الصمت الذي يحيط به.

"آسف، فلترضوا بهذا"

همس بصوتٍ ضعيف، وكأن كلماته تتسرب من قلبه الممزق، تتناثر في الهواء كأشلاء من آمال قديمة.

تلاشى صوته بالهواء، مختلطاً مع همسات الرياح التي تعصف بجبل هوا، وكأن الطبيعة نفسها تشارك في حزنه.

توقف لحظة، عينيه تتأملان كومة الحجارة أمامه، التي كانت تتزايد ببطء، تحمل في طياتها معاني عميقة.

"لا أستطيع منحكم قبراً لائقًا الآن"

كانت كومة الحجارة تلك قبوراً.

نصبًا تذكاريًا للأرواح التي فقدها، ليكون مكانًا يُخلّد ذكراهم، حتى لو كان ذلك مجرد كومة من الحجارة.

أمسك بزجاجة الكحول المعلقة على خصره، وفتحها بحركة مترددة، وكأنما كان يحرر نفسه من قيود مؤلمة.

تسربت رائحة الكحول القوية في المكان، تملأ الفضاء بعباءة من السواد، كأنها محاولة يائسة للتغلب على العتمة التي تحيط به.

كان يسكب الكحول على الحجارة المتكومة، وكل قطرة تسقط كأنها دمعة ضائعة، تُقدّم قربانًا لذكرياته الموجعة.

ومن ثم بدأ بتحريك الزجاجة ببطء، كأنما يُعطي نفسه الوقت ليستعد للخطوة التالية.

كانت الزجاجة تلمع تحت ضوء القمر، وكأنها تحمل في جوفها وعودًا بالنسيان.

أخذ نفسًا عميقًا، ثم أمال الزجاجة نحو فمه.

كانت حركته مترددة في البداية، وكأنما كان يخشى ما سيشعر به.

عندما بدأ في الشرب، انسكب السائل الذهبي على شفتيه، مُنطلقًا إلى داخله ببطء، كأنما يختار بعناية كل قطرة تمر عبر حنجرته.

كان الطعم قويًا، مُرًا، يثير لذعة في حلقه، لكنه كان يشعر بشيء من الراحة، كما لو أن كل رشفة تأخذ معه بعضًا من آلامه.

شعر بلسعة الكحول وهي تنزل إلى معدته، تُشعل نارًا دافئة تُخفي بعضًا من الحزن الذي كان يثقل قلبه.

بينما كان يشرب، كانت عينيه تتجولان حول المكان، مُحاولتين استيعاب كل التفاصيل المحيطة به.

عندما أنهى ما تبقى في الزجاجة، أطلق زفرة طويلة، وكأنه يُحرر ما في داخله من آلام.

كان الكحول قد بدأ يؤثر عليه، يخفف من حدة مشاعره، لكنه لم يكن يُخفي الحقيقة.

هو يعرف أنه مجرد هروب مؤقت، لكنه كان بحاجة إلى تلك اللحظة، إلى ذلك الشعور، حتى لو كان مُرًا.

خرج صوت مكسور من فمه، يحمل في طياته عبء الذكريات الثقيلة.

"ليس بإمكاني استعادة جثثكم الآن"

ومن ثم تسربت ضحكة خفيفة من فمه، ضحكة مريرة مثل خنجر يغرس في قلبه.

"إذا كان لديكم شكوى، كان ينبغي بكم العودة"

قال ساخرًا، ولكن سخرية كلماته لم تكن سوى غلافٍ رقيقٍ يخفى أسى عميقًا.

كان يقف هناك، وحيدًا، يخاطب أرواحًا لن تعود، وكأنما كان يتحدث إلى ظلال، إلى ذكريات عالقة في زوايا عقله.

شعور الوحدة كان يغمره، كأنه غارق في بحر من الحزن، بينما كانت الأزهار البيضاء تتراقص في الهواء برفق، تُذكّره بأن الجمال هش، وأن الأمل يمكن أن يتلاشى في لحظة.

في تلك اللحظة، كان جبل هوا، بعزلته، يحمل في طياته كل مشاعره، كل صرخاته المكتومة، وكل تلك الأرواح التي ظلت هنا، حبيسة في ذاكرته، لا تترك له مجالاً للنسيان.

لم يكن هناك أحد ليشاركه تلك اللحظات الحزينة، ولا حتى الطبيعة، التي بدت وكأنها تتجاهله، تأخذه إلى عالم من الصمت.

كانت عينيه تلمعان في ضوء القمر، لكن لم يكن هناك أمل في دمعة تُسقط من عينيه.

رافضاً إظهار ضعفه، ومع ذلك، كان قلبه يتألم، يكاد ينفطر من الداخل، وهو يحاول أن يُخفي هذا الألم وراء قناع من الصمود.

حينها رن في أذنيه صوت رقيق مليء بالقلق، يقطع سكون الليل.

"هل أنت بخير؟"

كانت الكلمات تتردد في الهواء، وكأنها تعبر عن قلق عميق، كأنها تحاول الوصول إلى أعماق روحٍ مُنهكة.

بينما كانت نسمات الرياح تتلاعب بشعره، جعلت خصلاته تتراقص حول وجهه، كأنها تُحيط به في عناق هادئ.

ابتسم، رغم كل شيء، ابتسامة تحمل في طياتها مزيجًا من الحزن والهدوء.

"أنا بخير"،

قال بصوت هادئ، لكنه كان يحمل نغمة من الريبة.

كانت تلك الكلمات تُعبر عن محاولة للتظاهر بالقوة، كأنما كان يحاول إقناع نفسه قبل أن يُقنع الآخرين.

كانت الابتسامة على شفتيه تُخفي الكثير، تُخفي الندم والألم الذي يعتصر قلبه.

.....................

*ساهيونغ أنا بخير*

*مهما كان شعوري ومهما كانت الظروف ستظل إجابتي هي نفسها*

*أعلم كيف أتجاوز كل شيء لوحدي*

*لست بحاجة لكتف أتكئ عليه*

*لأنه ضعف، وأنا*

*أرفض أن أكون ضعيفاً ولو لثوان معدودة*

هيون جونغ الذي فتح تلك الصفحات كما لو كان يفتح جرحًا نازفًا.

عند قراءة تلك الكلمات شعر بصدمة عميقة في قلبه كمن تلقى صفعة قوية،

تراقصت الحروف أمام عينيه، وكأنها تعبر عن كذبة مريرة، تردد صوت تشيونغ ميونغ في أذنيه، وابتسامته المريرة رغم الجراح التي غزت جسده.

شعر بالحرارة تتسرب إلى عينيه، يذرف دموعًا تبلل الصفحات، وكأنها تعبر عن آلام لم تُروَ.

كل جملة كانت كالسيف الحاد الذي يغرز في قلبه، انفجرت مشاعره كبركان خامد.

كان خلف تلك الكلمات، تلك الابتسامة المريرة يقبع إنسان محطم يتشبث بأمل هش كخيط العنكبوت.

تساقطت دموعه لتختلط مع كلمات تشيونغ ميونغ، شعر بشيء ينكسر في داخلها.

في تلك الغرفة، حيث كانت تتنفس رائحة الألم، أدرك أن كل ابتسامة كانت تحمل في طياتها قصة مأساوية.

*أنا بخير حتى وإن لم أكن*

.......................................

في مكان آخر، بينما كان الجميع قلقين على تشيونغ ميونغ ويبحثون عنه، تسلقت يوي سول التلة بهدوء.

كانت خطواتها خفيفة، تشبه همسات الرياح التي تعصف بالأشجار المحيطة.

وجهها كان خاليًا من التعبير، وعيناها تعكسان عمق مياه بحيرة هادئة.

لم يكن هناك الكثير من الحركة على ملامحها، لكنها كانت تعرف كيف تجد طريقها إلى الأماكن المنعزلة حيث يختبئ تشيونغ ميونغ.

كانت تراقب الطبيعة حولها، والأشجار التي تتمايل بلطف، كأنها تستمد القوة من هدوء المكان.

وهي تتسلق إلى قمة التلة، وقفت لبرهة، تنظر إلى الأفق البعيد.

كان صوتها منخفضًا، وكلماتها نادرة، لكن عيناها كانت تعبر عن القلق الذي يعتصر قلبها.

حملت تلك اللحظة ثقلًا خاصًا، وكأنها رسالة للعالم من حولها.

تذكرت كيف كان يجلس هناك، معزولًا عن الجميع، كأنه يحاول الهروب.

ومع كل خطوة، كان قلبها يسعى للعثور على الأمل في هذا الفراغ، حتى وإن لم تكن قادرة على التعبير عن ذلك بالكلمات.

عادت بذاكرتها إلى اليوم الذي شهدت فيه تشيونغ ميونغ وهو يلوح بسيفه تحت ضوء القمر.

كانت السماء ملبدة بالنجوم، بينما انبثق ضوء القمر الفضي، يضيء المشهد بطريقة سحرية.

عندما بدأ تشيونغ ميونغ في تنفيذ تقنيته، كان السيف يتلألأ، كأنه يحمل طاقة الليل الساكن.

مع كل حركة، كان السيف يندفع في الهواء، مُطلقًا رذاذًا من الأزهار الوردية التي تتفتح بتناسق بديع.

الأزهار تتشكل على طرف السيف، تنبض بالحياة كأنها كائن حي يتراقص مع أنفاس الرياح، تتفتح ببطء كما لو كانت تستجيب لموسيقى مكنونة في قلبه.

كانت بتلاتها ناعمة وشفافة، تعكس ضوء القمر بطريقة تجعلها تتلألأ كالجواهر.

ومع كل حركة، كانت الأزهار تتناغم مع الإيقاع، مما يمنح انطباعًا بأنها جزء لا يتجزأ من السيف نفسه.

تقنيته كانت قريبة من الكمال، لكن وجه تشيونغ ميونغ لم يعكس الرضا.

كانت ملامحه مشدودة، وعينيه تحملان نظرة عميقة، كأنه يلاحق شيئًا بعيدًا عن متناول يده.

بينما كانت الأزهار تتفتح وتتناثر حوله، بدا كمن يتوق إلى شيء لم يتمكن من الوصول إليه، يبحث عن إجابة غائبة.

كانت كل حركة تحمل عنصرًا من الشغف، لكنها أيضًا كانت تُظهر إرهاقًا عاطفيًا، كما لو كان يحمل عبئًا ثقيلًا.

الأزهار تتراقص حوله، لكن عينيه، رغم بريق ضوء القمر، كانت تُظهر ظلالًا من الحزن.

في تلك اللحظة، اهتز قلب يوي سول وكأنما أُعيد إحياؤه بعد فترة طويلة.

كما لو كانت حركاته تُسجل لحظات من الزمن، وتعيد إلى الذاكرة ذكريات دفنتها في أعماق روحها، ذكريات والدها الذي مات وهو يلاحق طيف أزهار البرقوق.

كانت تشعر بأن سيفه يعيد إليها جزءًا من نفسها المفقودة.

لكنها أدركت شيئًا عميقًا على الرغم من جمال تلك الأزهار وكمال حركاته، لم تكن كافية لتعويض القوة التي فقدها.

تلك اللحظات أظهرت براعة فنية، لكن خلف تلك التقنية الرائعة، كانت هناك جروح لم تلتئم.

تلك القوة لم تكن مجرد مهارة في القتال، بل تجسيدًا لروح تشيونغ ميونغ، وقدرته على مواجهة التحديات بعزيمة.

ومع ذلك، كان كمن يلاحق طيفاً بعيداً، طيف ماضيه البعيد.

تفتحت تلك الأزهار كرمز لجبل هوا، قوية وحادة ولكن قبل كل شيء كانت بديعة الجمال، لكنها لم تكن قادرة على إعادة ما فقده من ثقة وحضور.

لذلك، أرادت يوي سول أن تُخرجه من معاناته.

لم تكن تريد أن ترى مجددًا تلك النظرة التي تتجلى في عيني تشيونغ ميونغ.

كانت تلك النظرة تحمل مظاهر الوحدة والألم، كأنها نافذة إلى عالم مظلم يُخفي خلفه حكايات المعاناة.

قد كان تشيونغ ميونغ هو الضوء في نفقها المظلم، وبدورها، كانت تُريد أن تكون النور الذي يُشع في ظلامه.

وشيئًا فشيئًا، بدأت قمة الجبل تنكشف أمام يوي سول، كأنها تكشف عن أسرار دفينة.

تابعت تقدمها ببطء، كل خطوة تُظهر لها جمال الطبيعة من حولها، حيث امتدت المناظر بلا حدود، والرياح تعصف بلطف، تُحرك خصلات شعرها.

............

عندما أغمض تشيونغ ميونغ عينيه، انزلق إلى عالم مظلم، حيث كانت الظلال تتراقص حوله ككائنات هائمة.

كان المكان خاليًا من أي حياة، كأنما الزمان قد توقف هنا، وأخذت الكآبة تتسلل إلى أعماقه.

جمدت تعابيره، وخرجت تنهيدة خفيفة من فمه،

"كابوس آخر"

صوتٌ خافت، صوتٌ خافت يختنق في عمق الظلام.


بدأ بالنظر حوله، كان يتأمل المكان بوجه بارد، كأنما لم يعد يملك القدرة على الانفعال.

كان هذا الوجه الجليدي يخفى معاناة عميقة، تلك المعاناة التي لم تكن جديدة عليه.

الأجواء خانقة، والرائحة العفنة التي ملأت المكان كانت كفيلة بأن تُحيي ذكريات مؤلمة.

لكن بدلاً من أن تثير فيه الفزع، كان يتخذ من هذا الهدوء القاتل ملاذًا.

خطواته كانت ثقيلة، كل خطوة تُشعره بثقل العالم على كاهله، لكنه تقدم بلا تردد.

"ما الذي سيكون هذه المرة؟"

تساءل، وصدى صوته يتردد كأنه يتحدث إلى أشباح الماضي.

لم يعد الأمر مضحكًا، لكن تلك الابتسامة الخفيفة التي تسربت من فمه كانت تعكس تناقضًا غريبًا؛ فقد اعتاد على هذه الكوابيس حتى أصبحت جزءًا من حياته.

بينما كانت الظلال تحيط به، كان قلبه ينبض بشدة، لكن ملامحه لم تعكس ذلك.

كان في الداخل معركة تدور بين الخوف واللامبالاة، وبين الرغبة في الهروب من هذا السجن المظلم وضرورة مواجهة ما ينتظره.

ومع كل خطوة، كانت الابتسامة تتسرب من قلبه المكسور، كأنها ردة فعل على فظاعة ما يراه، أو ربما كنوع من التحدي لهذا الكابوس الذي لم يعد يخيفه.

كان المكان فارغًا، مظلمًا وكئيبًا، كأنما أُخذت منه كل عناصر الحياة.

تشيونغ ميونغ، الذي سئم من هذا الفراغ، جلس على الأرض الباردة، ووجهه مُعبر عن انزعاج عميق.

عينيه كانتا تحدقان في الفراغ، تبحثان عن أي معلم يمكن أن يُعيد له شعور الانتماء، لكن كل ما واجهه كان ظلامًا خالصًا.

بدأ ينقر بأصابعه على الأرض، ضجيجًا خافتًا يتردد في الصمت القاتل.

كل نقر كان كأنه يُحاول إحداث ثغرات في جدران العزلة التي تحيط به.

"إذاً، كيف أستيقظ الآن؟"

همس لنفسه، وكأنما كان يسأل الكابوس نفسه عن طريق للخروج.

استشعر برودة الأرض تحت يديه، وكأن كل ذرة فيها تتحدث عن الألم والفراغ الذي يعيشه.

كان يشعر بإحباط يتسلل إلى أعماقه، وكأنما كانت روح المكان تُعبر عن معاناته.

كل نقر بأصابعه كان كأنه صرخات مكتومة، صرخات عن رغبة في الهروب من هذا السجن المظلم.

في أعماقه، كان يعلم أن هذا الكابوس ليس مجرد حالة عابرة، بل هو مرآة تعكس كل ما يختبئ في زوايا روحه. ومع كل لحظة تمر، كان يتساءل

"هل سأستطيع الاستيقاظ من هذا؟"

وكأنما كان ينتظر إجابة من الفراغ الذي يحيط به، لكن الصمت كان الرد الوحيد.

وفجأة،

فتح تشيونغ ميونغ عينيه بدهشة، وكأنما استيقظ من كابوس ثقيل.

وفجأة، فتح تشيونغ ميونغ عينيه بدهشة، أمامه كان تانغ بو وتشيونغ جين، يحملان قلم حبر أسود في يديهما، يحاولان العبث معه، والخربشة على وجهه كما لو كان لوحًا للرسم.

تجمّد في مكانه، وعينيه تتألقان بغضبٍ شديد، بينما ابتسامة شريرة مكشّرة عن أنيابه ظهرت على وجهه.

“ما الذي تفعلانه الآن؟”

سأل بصوت منخفض، كالرعد الذي يسبق العاصفة، بينما كان الغضب يتأجج في أعماقه.

تشيونغ جين، الذي كان يحاول رسم خط عشوائي على وجهه، توقف فجأة، عينيه تتسعان بصدمة.

بينما تانغ بو، الذي كان في منتصف حركة، تجمد كتمثال، مع قلم حبر متدلي من يده.

“هاهاها هيونغ أنت لا تزال تحلم"

قال تانغ بو، محاولًا التظاهر بأنه لم يفعل شيئًا.

لكن وجهه كان يعبر عن الخوف والمرح في آن واحد.

“كابوس؟”

ضحك تشيونغ ميونغ،

“هذا هو أسوأ كابوس رأيته على الإطلاق!”

تحولت الأجواء من دراما العزلة إلى كوميديا الفوضى في لحظة.

تراجع تانغ بو وتشيونغ جين للخلف، وكأنما انزلقا إلى ظلام الكابوس نفسه.

كانت أعينهما تتسعان برعب، بينما كان تشيونغ ميونغ يقترب، وجهه متجهمًا كعاصفة تتجمع في الأفق.

“ساهيونغ، لم أكن أنا!”

صرخ تشيونغ جين، ويداه ترتجفان، وكأنما يحاول دفع اللوم بعيدًا عنه.

“لقد كانت فكرة شيخ عائلة تانغ! أقسم!”

تانغ بو الذي كان يقف بجانب تشيونغ جين، كان مصدوماً بالخيانة المفاجئة، لكنه لم يكن ليتحمل العبء بمفرده.

"هيونغ، أنت تعلم أنني لن أجرؤ على ذلك! إنها مشكلة الانضباط في جبل هوا!"

قال، صوته يرتجف في محاولة لتبرئة نفسه، بينما كان يتراجع خطوة أخرى، وكأنما يحاول الهروب من عواقب أفعالهما.

"هاه؟"

"....."

"......."

في تلك اللحظة تانغ بو الذي أدرك وقع كلماته بدأ يتعرق بغزارة وهو يتراجع بسرعة وعيناه تدوران باحثتان عن مخرج من هذا المأزق.

"ما الذي يقوله هذا الوغد المجنون الآن؟؟؟؟"

رفع تشيونغ ميونغ سيفه، وبدت عيناه تشتعلان بالغضب والتحدي.

“ماذا؟؟؟ انضباط جبل هوا؟؟؟”

صرخ، صوته يتردد في الأرجاء كالرعد، بينما كان ينظر إلى تانغ بو كأنه يراه عدوًا.

“من أنت لتتحدث عن جبل هوا، أيها الوغد؟"

تاك تاك تاك تاك تاك تاك تاك تاك

دعني أريك ما هو الانضباط الحقيقي!”

ثم، وبحركة سريعة، انهال بالضرب على تانغ بو، الذي كان يختبئ خلف يديه، لكن السيف كان يضرب رأسه بشكل متتالي.

"الرأس! الرأس! الرأس! الرأس! الرأس! الرأس!"

كانت الكلمات تتدفق من فمه كعاصفة، بينما كان يستمر في توجيه الضربات، وكأنما يحاول تعليم الدرس بطريقة قاسية.

تانغ بو، الذي تلقى الضربات المتتالية، كان يبكي بصمت، عينيه تتلألأان بالدموع.

كان يشعر بالألم يتسلل إلى أعماق روحه، لكن لم يُسمح له بالتنفس بشكل واضح حتى.

كانت الكدمات تتجمع على رأسه، لكن صمته كان أقوى من صراخه.

"الانضباط أيها اللقيط اللعين؟؟؟؟"

تابع تشيونغ ميونغ، نبرته مليئة بالغضب، وهو يشدد قبضته على السيف.

“هذا هو الانضباط! سأحفره عميقا بعظامك!”

وبينما كان تشيونغ ميونغ ينهال بالضرب على تانغ بو، كان تشيونغ جين يقف في زاوية، يراقب المشهد بعيون تتألق بالدهشة، لكنه لم يستطع كبح ضحكته.

كانت الضحكة تتسلل من بين شفتيه كأنها تعبير عن الارتياح من الموقف، لكن فجأة، ساد الصمت عندما فقد تانغ بو وعيه.

عندما التفت تشيونغ ميونغ إلى تشيونغ جين، كانت على وجهه ابتسامة شيطانية، وكأنما كان يتأهب لإنزال العقاب التالي.

“أتضحك؟”

"........"

سأل بنبرة تهديد، بينما كانت عينيه تشتعلان بالشر.

“أتعقد أنك ستفلت بفعلتك؟”

تشيونغ جين، الذي كان ضحكه قد تجمد في حلقه، شعر بالبرودة تتسلل إلى عظامه.

"لا، ساهيونغ، لم أقصد…"

بدأ يتلعثم، لكن تشيونغ ميونغ لم يكن في مزاج للاستماع.

“لم تقصد؟”

تردد صدى صوته كالرعد في الغرفة، بينما تقدّم نحوه بخطوات ثابتة.

“إذا سأكسر رأسك هذا دون أن أقصد لا بأس بذلك أليس كذلك؟”

تشيونغ جين حاول التراجع، لكن ظهره اصطدم بالجدار، وكأنما كان محاصرًا بين جدران الغضب.

كانت عينه تتوسّعان، بينما كان يرغب في الهروب، لكن لا مفر من مصيره.

خرج تشيونغ ميونغ من الغرفة، منتعشًا كأنما قد أفرغ من قلبه كل الشحنات السلبية. ترك وراءه كومتي اللحم المكومتين في المكان، بينما كانت رائحة العرق والدماء تملأ الهواء، تعكس الفوضى التي أحدثها.

“هؤلاء الأوغاد لا يدعون شخصًا ينام بهدوء!”

تذمر بصوت عالٍ، وصدى كلماته يتردد في الممرات المظلمة.

“تبا! ما خطب هذا الجبل اللعين؟”

كان يتقدم بخطوات متسارعة، محاولاً طرد الغضب الذي لا يزال يتأجج في داخله.

“لا يمكن لأحد أن يترك لي لحظة من السلام!”

أضاف، وهو يضرب الأرض بقدمه.

ولكن..

عندما عاد تشيونغ ميونغ إلى مكانه وحيدًا، سرعان ما استعاد وجهه البارد، كأنما كان يرتدي درعًا من الجليد.

اختفت تلك الابتسامة الشريرة، وحل محلها تعبير جاد، يعكس صراعاته الداخلية.

أخرج تنهيدة عميقة من فمه، كأنما كان يخرج من أعماق قلبه كل ما جال في خاطره.

“تبا لهذا …”

همس، بينما كانت كلمات تنزلق من بين شفتيه كعاصفة تعبر عن الإحباط.

استند إلى الجدار البارد، وأغمض عينيه للحظة، محاولًا استعادة هدوءه. لكن الذكريات، مثل شبح، كانت تلاحقه، تذكره بكل ما عاناه وذلك الكابوس الذي رآه.

“ما كان هذا بحق؟..."

قال بصوت خافت، بينما كانت درجات الحرارة تنخفض من حوله، وبدأت الظلال تتجمع مرة أخرى.

فتح عينيه ببطء، وعاد إلى الواقع، عازمًا على مواجهة كل ما ينتظره.

رغم برودة وجهه، كانت النار الداخلية لا تزال مشتعلة، مُعدةً لمواصلة الصراع اللعين.

(ياحزركم شو شاف بالكابوس؟)



تعليقات