يجب أن تتخذ موقفاً
سادت سكينة عميقة في المكان، كأن الزمن قد تجمد في لحظة من الصدمة.
تلك الأجواء التي لا تتناسب مع الوضع الحالي كانت تكتم أنفاس الجميع، وتخيم على وجوههم تعبيرات الذهول.
تلاميذ الطائفة كانوا يحدقون بأعين متسعة، كأنهم شهدوا شيئًا يفوق خيالهم.
لم تكن نظراتهم موجهة نحو تشيونغ ميونغ، الذي كان يقف في مكانه، وجهه يعبّر عن توتر مكبوت، ولا نحو بو، الذي بدا وكأنه يستمتع بالمشهد.
بل كانت أبصارهم جميعًا تتجه نحو شيء آخر.
خلف تشيونغ ميونغ، كان هناك طفل صغير يمسك برفق بردائه، عينيه تلمعان ببراءة وفضول.
كان وجهه يعبّر عن لطفٍ غير عادي، نظراته تتجول بين الوجوه المذهولة، وكأنه يتساءل عن هذا الارتباك الذي انتشر في الجو، دون أن يدرك عمق الموقف.
رغم ذلك، لم يجرؤ أحد على السؤال.
حتى لمحوا تشيونغ جين، الذي بدأ يتقدم بخطوات واثقة، كأنما يحمل على عاتقه عبء استكشاف هذا الغموض.
في قلوبهم، بدأوا يهتفون له، لكن أصواتهم كانت محصورة في صدورهم.
اقترب تشيونغ جين من تشيونغ ميونغ وتانغ بو، وراح يقلب بصره بينهما وبين الطفل، مبتسمًا بتوتر.
بالطبع، كان وجود طفل في هذا المكان أمرًا غريبًا، لكنه لم يتفاجأ، فقد شهد بالفعل تشيونغ ميونغ وهو يختطف طفلاً في الماضي، وأصبح هذا المشهد مألوفًا لديه.
لذا بكل سذاجة، انخفض تشيونغ جين نحو الطفل، ومدّ يده نحوه، بينما كانت عيناه تتأملانه وراح يسأل تشيونغ ميونغ بارتباك
"ساهيونغ، من هو هذا الصغي... أوتش! اااا، توقف ااا!"
لكن الطفل، الذي كان يمتلك طاقة غير متوقعة، غرز أنيابه في يد تشيونغ جين، مما أدى إلى صراع مرهق.
وبعد جهد، استطاع تشيونغ جين تحرير يده، ليقربها من فمه وينفخ عليها محاولًا تخفيف الألم.
كان يشعر بشيء غريب، فقط كان هذا الموقف مألوفًا له بطريقة ما، فراح ينظر إلى تشيونغ ميونغ تارة وإلى الطفل تارة أخرى.
بطريقة ما، أعاد الطفل إلى ذاكرته ذكرى لقائه الأول مع تشيونغ ميونغ، عندما كان انطباعه الأولي عنه كطفل صغير لطيف.
لكن تلك الفكرة سرعان ما تلاشت عند رؤية التشوهات التي كانت تزين وجهه، وصوت الشتائم التي كانت تتدفق نحوه كالسيل.
في تلك الأثناء، كان جسد تانغ بو يهتز بضحكات مكتومة، فقد كاد ينفجر من الضحك منذ ظهور هذا الطفل، وكأن بهجة هذا الموقف ستدوم لعشر سنوات قادمة.
في حين كان الطفل يظهر عبوسًا وانزعاجًا واضحًا على وجهه، مما جعل تشيونغ جين يتساءل في نفسه.
'هل ارتكبت خطأً؟'
ومن ثم أيقظ صراخ الطفل تشيونغ جين من أفكاره المشتتة، ليجد تشيونغ ميونغ قد هبط بقبضته على رأس الطفل، مسببًا له كدمة صغيرة.
"أوتش!"
انطلقت الصرخة من الطفل معبراً عن استياءه، لكن تشيونغ ميونغ لم يبال كعادته.
"توقف عن تسبيب المشاكل، أيها الوغد الصغير!"
جاء توبيخ تشيونغ ميونغ حازمًا، بانزعاج شديد.
راح الطفل يمسك برأسه، يتأوه من الضربة التي تلقاها، وعبس وجهه في تعبيرات متناقضة بين الألم والحنق.
لكن تصرفه هذا، رغم كونه المخطئ، زاد من شكوك تشيونغ جين وتانغ بو.
ثم جاءت الكلمات التالية لتكون كالسهم الذي أصاب قلب تشيونغ جين.
"لقد آلمني ذلك، يا أبي."
اتسعت عينا تشيونغ جين بذهول وفزع، وكأنما أصابته صاعقة.
تراجع خطوة إلى الوراء، يلهث بشدة، قبل أن يصرخ بقوة، ويداه ترتعشان كما لو كان يحاول الإمساك بالحقيقة التي توضحت أمامه.
"ساااااااااااااااهيونغ جانغ مون ساااااااااااهيووووونغ! تشيونغ ميونغ ساهيونغ أنجب طفلاً بغير زوااااااااج!"
تردد صدى صرخته في أرجاء المكان، كأنها جرس إنذار ينبه الجميع إلى الوضع الغريب الذي أصبحوا فيه.
نظرات التلاميذ اجتمعت على تشيونغ ميونغ، الذي بدا كأنه قد وُضع في موقف لا يُحسد عليه، بينما كانت ملامح الطفل تتأرجح بين البراءة والتمرد، وكأن العالم بأسره قد انقلب رأسًا على عقب.
......................
كانت الأنفاس محتبسة في الصدور، والقلوب تخفق بشدة كأنها طبول حرب تدق في عمق الليل.
في كل مرة ارتفع فيها صوت السيوف، اتسعت الأعين في ذهول، تتبع كل حركة بدقة متناهية، وكأنها ترسم مشهدًا من معركة لا رحمة فيها.
تلاميذ الطائفة، الذين كانوا يقفون في صفوف متراصة، نظروا إلى تشيونغ ميونغ، القلق يتجلى في ملامحهم.
قبل لحظات كان وجهه سعيداً راضياً، لكن سرعان ما تحول ذلك إلى تصلب مفاجئ.
بينما كان يضحك بسعادة وهو يراقب العربات الفارغة، تغيرت أجواء المكان كأن سحابة ثقيلة قد غطت الشمس.
بسرعة، استل تشيونغ ميونغ السيف المعلق على خصر التلميذ بجانبه، وألقاه باتجاه إحدى العربات.
سقط التلميذ على الأرض، مغمورًا في شعور من الرهبة والذهول، كما لو كان قد تعرض لضربة من قضاء وقدر.
كما سلب صوت تشيونغ ميونغ الحاد الأصوات من الساحة التي كانت تعج بالحركة قبل لحظات، وأصبح كل شيء صامتًا كما لو كانت الطبيعة نفسها قد تأثرت بالخطر.
"ها، لا أصدق أن جرذاً تسلل إلى هنا في وجودي هؤلاء اللعناء حقًا!"
كانت كلماته تتردد في الأرجاء كالرعد، تكسر سكون اللحظة.
راح التلاميذ ينظرون إلى بعضهم البعض بذهول، يبحثون عن أثر الدخيل الذي تحدث عنه.
ومن ثم تحولت نظراتهم من تشيونغ ميونغ إلى العربة المدمرة، وكأنهم ينتظرون ظهور العدو الخفي.
كان تشيونغ ميونغ يتقدم بخطوات واثقة، عازمًا على مواجهة الفوضى.
خطواته حاسمة، تحمل في طياتها قوة لا تهاون فيها، بينما كانت عضلات وجهه مشدودة.
عندما بات أمام العربة المحطمة، أدرك أن الدخيل قد تفادى سيفه المفاجئ بمهارة.
وبمجرد وقوف تشيونغ ميونغ في المكان، ظهر أمامه حافة سيف حادة تتجه نحو عنقه.
انحنى برأسه بخفة، متجنبًا الضربة التي كادت أن تلامسه، كأنه طائر يراوغ بين الفروع.
لكن الدخيل لم يتراجع، بل استعاد سيفه بسرعة، متجهًا للخلف، كأنه يستعد لخطوة جديدة.
كانت الأجواء مشحونة بالتوتر، والقلق يتصاعد في صدور الجميع، بينما كان الصراع بينهما على وشك أن ينفجر في لحظة من الفوضى والعنف.
أخرج تشيونغ ميونغ سيفه بابتسامة واثقة، وأشار بإصبعه نحو الدخيل، داعيًا إياه للتقدم.
كانت تلك الإيماءة بمثابة دعوة للمواجهة، لكنها أثارت ريبة السيوف الخمس التي كانت تراقب الموقف بقلق.
لم يكن هذا القلق بسبب استخفاف تشيونغ ميونغ أو منح الفرصة للهجوم، بل لأن الخصم كان دخيلاً تجرأ على ارتداء زي جبل هوا والتسلل إليه.
عندما نطق تشيونغ ميونغ كلمة "جرذ"، استطاع التلاميذ تخيل المشهد في عقولهم: تشيونغ ميونغ يمسك بالدخيل، ويبدأ بالهجوم عليه بلا رحمة، حتى تتغير ملامح وجهه.
كانوا يسمعون صوته يتردد في مسامعهم، كأنه صدى يتعالى في وادٍ خالٍ.
"ها؟ تتجرأ على التسلل إلى جبل هوا؟ وارتداء زيه؟ يا لجرأتك! إذا كنت بهذا الغباء، فأنت بالتأكيد لست بحاجة لرأسك، أليس كذلك؟ سأكون لطيفًا وأخلصك منه!"
"الرأس الرأس الرأس الرأس الرأس الرأس!"
تاك تاك تاك تاك تاك تاك تاك
ولسبب ما، شعر بايك تشيون ببرودة غريبة تسري في جسده، كما وضع بقية السيوف أيديهم على رؤوسهم بشكل لا إرادي، وكأنهم يستعدون لمواجهة مصيرهم.
لكن الواقع كان مختلفاً تماماً، تناغمت أصوات السيوف مع إيقاع التوتر في الأجواء.
كان الدخيل، رغم وقوفه أمام تشيونغ ميونغ، يقف بثبات، حاملاً سيفه بكل قوة.
ورغم أن وجهه كان هادئًا، إلا أن عينيه كانتا تلمعان بحماسة شديدة، وكأن نار التحدي تشتعل في داخله.
انطلق نحو تشيونغ ميونغ بكل تركيز، كالنسر الذي ينقض على فريسته.
ومع كل ضربة وجهها، كان تشيونغ ميونغ يتفاداها بخفة ورشاقة، وقدماه تتحركان بسلاسة كالماء، تتلاعب بالمسافة بينهما.
كانت حركاته تعكس براعة لا تُضاهى، بينما كان الدخيل يحاول استعادة زمام المبادرة، لكن كل هجوم كان يضيع في الهواء، كما لو كان يواجه ظلاً سريع الحركة.
كان سيف تشيونغ ميونغ دقيقًا كخيط رفيع، بلا أي حركات غير ضرورية، وكأن كل حركة كانت مصممة بدقة متناهية لاستهداف ثغرات خصمه.
وبينما كان الدخيل يحاول الدفاع عن نفسه، وجد نفسه يتراجع للخلف، وقد شعر بخوف يتسلل إلى قلبه.
في كل لحظة، كان سيف تشيونغ ميونغ يقترب منه، كأنما يتلو عليه نبوءة حتمية.
بدا وكأن المكان نفسه يتنفس بقلق.
كان الوضع برمته غريبًا بالنسبة للسيوف الخمس، الذين كانوا يراقبون المشهد بذهول.
حقيقة أن الدخيل ما زال واقفًا على قدميه في مواجهة تشيونغ ميونغ كانت تثير استغرابهم.
"ساهيونغ، إنه يبتسم، أليس كذلك؟"
تساءل جوغول، عينيه تلمعان بدهشة وهو ينظر نحو ليون جونغ، الذي أومأ برأسه في تأكيد.
لم يكن من الغريب أن تشيونغ ميونغ يبتسم، فقد اعتاد القتال بتلك الطريقة أحياناً، لكن تلك الابتسامة، والأسلوب الذي يتبعه، كانا مألوفين بشكل غريب.
كأنهم يشاهدون شبحًا من الماضي.
"ساسوك، أليس هذا..."
أومأ بايك تشيون برأسه عند سؤال يون جونغ، وكأنه يدرك ما سيقوله الآخرون.
بدا كأن تشيونغ ميونغ يتلاعب بالدخيل، موجهًا حركاته بمهارة، كفنان يرقص على أنغام معركة.
كانت تلك الحركات تُذكرهم بأسلوبه أثناء التدريبات، حيث كان يتلاعب بهم بنفس الثقة والامتياز.
ورغم معرفتهم أن هذا المكان مجرد ذكرى، كانت قسوة تشيونغ ميونغ تجاههم تؤلمهم.
وعندما شاهدوها تتجلى مع هذا الدخيل، تسربت مرارة غريبة إلى صدورهم، كأنها ندبة لا تُشفى.
"ساسوك، انظر!"
أعاد صوت جوغول الصاخب بايك تشيون إلى صوابه، ليعيدهم إلى تركيزهم على المشهد أمامهم.
كان التعب قد تسلل إلى جسد الدخيل، وأنفاسه تتسارع تحت الضغط المتواصل من تشيونغ ميونغ.
وجهه يتصبب عرقًا، وعينيه تملؤهما علامات الإرهاق، لكنه كان يحاول جاهداً أن يبقى واقفًا.
وكلما حاول إعادة توازنه، كان تشيونغ ميونغ يوجه له ضربة جديدة، مستغلًا كل ثغرة صغيرة في حركاته.
لكن حركات سيف تشيونغ ميونغ بدت وكأنها تسخر من خصمه، كاشفةً عن كل نقاط ضعفه كما لو كانت تلعب على وتر مكشوف.
ورغم ذلك، لم يستسلم الدخيل، بل انتظر حتى سنحت له الفرصة الحاسمة.
حرك سيفه بسرعة، محافظًا على ثباته وتوازنه.
قطع الهواء بدقة، وكأنما كان يرسم خطوطًا غير مرئية في الفضاء المحيط به.
في تلك اللحظة، تعالت صرخات السيوف الخمس الذين شعروا بالتوتر والقلق يتصاعد في صدورهم.
كانوا يعلمون أن تشيونغ ميونغ لن يُهزم بسهولة، لكنهم كانوا يدركون أيضًا أن جسده لم يكن بأفضل حال.
تداخلت مشاعر الخوف والقلق في قلوبهم، مما جعلهم يندفعون نحو ساحة المعركة بلا تفكير.
لكن حركتهم توقفت فجأة عندما لمحوا ابتسامة تشيونغ ميونغ، التي كانت تتلألأ في ضوء الشمس كخنجر مشحوذ.
تلك الابتسامة كشفت عن أنيابه، وكانت تعبيرًا عن تحدٍ لا يُستهان به.
كان سيف الدخيل قريبًا من رقبة تشيونغ ميونغ، مجرد حركة واحدة يمكن أن تتيح له قطع الرقبة بكل سهولة.
جعل هذا المشهد أصوات القلوب تسكن، حيث عم الهدوء المكان وكأن الزمن توقف، لتتداخل الأنفاس مع التوتر الذي يملأ الجو.
وتوقف كل شيء، وكأن الطبيعة نفسها كانت تراقب هذه اللحظة المصيرية التي ستحدد مصير الجميع.
...................
في الأزقة والحارات، حيث تتداخل أصوات الحياة بين المدن والقرى، كانت الأهازيج تترد في النزل والحانات، تتغنى ببطولة قديس السيف.
أصبح صدى أسطورته أنشودة يتلوها الأطفال بمرح، وهم يلعبون في أرجاء السهول الوسطى.
على قمة الجبل، حيث الأبطال نيام،
وقف سيف زهرة البرقوق، شامخاً يواجه الظلام.
أمام تشونما، الشيطان السماوي،
ثابت القلب، رغم كل المآسي.
رفاقه سقطوا، كأوراق الخريف،
لكن قلبه أضاء، كالشمس في المغيب.
في صمت الليل، حيث الهزيمة تُدمي،
تحدى الموت وحده، كالنجم الذي لا ينام.
متلألئًا في ظلام لا ينتهي.
ذراعه فقدت، لكن الروح لم تُقهر،
بأسه كالرعد، وعزيمته كالسحر.
قطع رأس الشيطان، في لحظة مجد،
كتب التاريخ اسمه، بحروف من أملٍ وخلد.
بينما كان بانجانغ يستمع إلى هذه الكلمات مع بقية الزعماء، استشعر غضبًا متصاعدًا، مما جعل الرسول يتوقف للحظات، قبل أن يواصل. لكن بانجانغ، محاولًا إظهار الهدوء، قال
"تابع، لما صمت؟"
راحت عيون الرسول تتجول بين الوجوه، وضغط القلق يُسحقه وهو يتصبب عرقًا، لكنه استأنف كلماته مع تردد واضح
جبل هوا في المقدمة، شامخًا ونبيل،
بينما الطوائف نيام، غافلون عن القتال الجليل.
أصبح رمزًا للشجاعة، في قلوب الأحرار،
سيف زهرة البرقوق، أسطورة الأقدار.
كانت الأبيات الأخيرة كطعنة خنجر، تسببت في تجمد زعماء الطوائف، عاجزين عن النطق بعد سماعها.
سقطت هيبتهم كأوراق الشجر في خريف قاسٍ، حتى بات صبية الشارع يتناقلون تلك الكلمات على ألسنتهم، يلهون بها وكأنها لعبة.
أشعلت تلك الحقيقة براكين الغضب في قلوبهم، لكنهم وجدوا أنفسهم مقيدين، عاجزين عن الفعل.
كان جبل هوا قد ضحى بكل شيء في سبيل العالم، بينما هم اكتفوا بالتراجع، يتقاذف بعضهم البعض باللوم والحجج.
في وسط هذا الجو المتوتر، حيث ساد صمت ثقيل، كان هناك شخص واحد يضحك بملء صوته.
التفتت الأنظار نحو فلك طائفة المتسولين، والشرر يتطاير من أعينهم، كأنما كانوا يواجهون عاصفة.
كان رب نامجونغ هو أول المتكلمين، وقد ارتسمت على وجهه ملامح الاستياء، وعقد حاجبيه في تحدٍ.
"ما الذي يدفعك للضحك هكذا؟"
استدار الفلك نحو كلماته، ورغم هدوء صوته، كانت نظراته مشبعة بالاستنكار، مما زاد من استياء رب نامجونغ.
"ها؟ ألا تجد أنه مضحك؟"
"ما هو؟"
سأل رب نامجونغ، وبدأ الغضب يتسلل إلى نبرته، كخيط رفيع يتقطع.
"كانت خطتكم التخلص من جبل هوا بدفعه للأمام، لكنه انتهى به الحال أسطورة يتغنى بها الناس. لكن أنتم؟... ههه، يا له من هراء!"
قال تلك الكلمات وهو يغادر المكان، تاركًا خلفه موجة من الاستياء المتقد.
"من المزعج حتى أن تنفس هواء أمثالكم!"
كانت كلماته الأخيرة تتردد في فضاء المكان، كصدى لحقائق مؤلمة، تعبر عن واقع باتت تعجز الطوائف عن مواجهته.
...................
وقف تشيونغ مون، وعيناه تتسعان بصدمة وذهول شديدين.
أمامه، كان تشيونغ جين يلوح بيديه بقلق، وكلماته تتدفق بشكل غير مفهوم، مختلطة بالهلع.
"ساهيونغ... طفل... أب... زواج..."
توجهت أنظاره نحو تشيونغ ميونغ والطفل الذي يقف بجانبه.
كان الطفل يتمتع بشعر أسود لامع، وعينين ورديتين تشعان براءة، لكن التعبير المنزعج على وجهه زاد من حيرة تشيونغ مون.
قلبه بدأ ينبض بسرعة، وكأن شيئًا غير عادي كان قد حدث، لكن لم يستغرق الأمر منه لحظات حتى أدرك الأمر.
"أيها الوغد اللعين، ما الذي فعلته بحق السماء؟ تأتي لي بطفل الآن؟"
انفجرت الكلمات من فمه كطلقات نارية، بينما تجسدت علامات الغضب على وجهه.
كان يده ترتجف وهو يشير نحو تشيونغ ميونغ، وكأنه يحاول أن يسحب منه أي تفسير منطقي.
تدفقت مشاعره في لحظة غضب، وبدأ يضرب تشيونغ ميونغ بيديه، بينما كان الأخير يقف هناك، وجهه يحمل تعبيرًا مظلمًا، كأنما تكالبت عليه عواصف من الشكوك والمشاعر المتضاربة.
"أوتش! مهلاً ساهيونغ، انتظر، سأشرح لك!"
حاول تشيونغ ميونغ أن يهدئ من روعه، لكن بلا فائدة؟
"تشرح لي ماذا، أيها الوغد؟ لقد تركتك تأكل اللحوم وتشرب الكحول كما تشاء، ولكن هذا..."
كانت كلمات تشيونغ مون تتدفق كالسيل الجارف، تنقل إحباطه العميق.
عينيه تتقدان بغضب، وكأنما كان يبحث عن مخرج من هذه الفوضى.
ورغم صعوبة الموقف كان تشيونغ ميونغ هو نفسه، لم يكن ليترك الأمر يمر وقال ما في خاطره بلا مبالاة
"ساهيونغ، لماذا تكذب؟ متى تركتني وشأني؟"
لكنه سرعان ما ابتلع كلماته عند نظرات تشيونغ مون الحادة، والذي راح يمسك بمعدته المتألمة بيد، بينما كانت الأخرى تعبر عن حالة من الارتباك، كما لو كان يحاول الإمساك بشيء يتلاشى من بين أصابعه.
"هذا الوغد... طفل بلا زواج... طفل... أب... تشيونغ ميونغ.. أب... آه، أيها الأسلاف، ما الخطأ الذي ارتكبته؟"
كانت كلماته تتردد في الجو، كأنها صرخات استغاثة تتنقل بين جدران المكان.
كان وجهه شاحبًا، وعينيه تلمعان بالدموع التي كادت تنفجر في أي لحظة.
بينما كان مشدودًا إلى تلك الأفكار، كان تشيونغ ميونغ يضيق عينيه، ينظر إلى ساهيونغ بحيرة واضحة.
"لماذا تبالغ هكذا؟ ساهيونغ، توقف عن هذا، أخبرتك إنه ليس طفلي!"
كانت نبرة صوته متوترة، وكأنما يحاول بشتى الطرق أن يخرج من هذا المأزق.
تجمدت اللحظة بينهما، وكأن الوقت قد توقف، بينما كانت الأجواء تتنفس توترًا غير مرئي.
رائحة التراب والرطوبة في الهواء كانت تعزز من حدة الموقف، وكأن الطبيعة نفسها تشاركهم مشاعرهم المتضاربة.
............
كان الدخيل، الذي شعر بنشوة النصر تتدفق في عروقه، يرفع بصره نحو تشيونغ ميونغ، وعيناه تتألقان بحماس كعيني نجم يلمع في سماء مظلمة.
لم يبقَ في المكان سوى صوت أنفاسه المضطربة، وهو يحدق بسيفه الذي بات على مقربة من رقبة تشيونغ ميونغ.
كانت تلك اللحظة تغلي بتوتر لا يُحتمل، وكأن الزمن نفسه قد جمد في تلك الثواني.
لكن سعادته لم تدم طويلاً، فقد تلاشت عند رؤية الابتسامة التي زينت وجه تشيونغ ميونغ.
أدرك الدخيل الحقيقة في تلك اللحظة، فتدحرجت مشاعره كأمواج عاتية.
خفض بصره، واتسعت عيناه بذهول وإعجاب عندما رأى تشيونغ ميونغ وهو يوجه سيفه نحو قلبه، كأنه يضعه في مرمى السهم.
كل ما يحتاجه هو دفعة رقيقة تخترق قلبه، لتكون النهاية حتمية.
حينها أدرك ذلك، كان ثمن ترك خدش على رقبة تشيونغ ميونغ هو حياته.
تردد صدى تلك الفكرة في ذهنه كصدى الرعد، بينما كان يتراجع بضع خطوات إلى الوراء، كأنه يبتعد عن مصير لا يُحتمل.
وفي ظل هذا التوتر، وبينما كان الجميع صامتًا يحدق بترقب، أعاد كل من تشيونغ ميونغ والدخيل سيفيهما إلى مكانهما.
كانت حركاتهم تنم عن احترام غير معلن، وكأنهما يحترمان اللحظة الفارقة التي عاشاها.
تراجع الدخيل مجددًا، ووضع يديه أمامه، منحنيًا باحترام لتشيونغ ميونغ، كما ينحني الغيم أمام عاصفة.
"شكرًا لتعليمك إياي، أيها الشيخ"
قال بصوت مفعم بالتقدير، كأنما يعبر عن امتنان عميق.
لكن تشيونغ ميونغ، الذي كان لا يزال يبتسم، أجاب بصوت هادئ لكنه يحمل قوة لا تُضاهى
ابتسم تشيونغ ميونغ، ونبرة صوته تحمل لمسة من الفخر
"لقد أصبحت أقوى."
تورد وجه الدخيل في خجل، وابتسم بإشراق وهو يرد على مديح تشيونغ ميونغ باحترام عميق
"لا يزال لدي طريق طويل للحاق بك."
"لماذا العجلة؟"
جاء رد تشيونغ ميونغ كنسيم ربيعي، لكن كلماته التالية حملت شيئاً من السخرية.
"يبدو الأمر كأنه بالأمس عندما كنت تبكي وتتعلق بي."
تسللت تلك الذكريات إلى ذهن الدخيل، مما جعله يبتسم بحرج، بينما كان يفرك مؤخرة رأسه بتردد.
"هاها... ألا يمكنك نسيان ذلك، أيها الشيخ؟"
حينها نظر إليه تشيونغ ميونغ، عينيه تتسعان بفضول حقيقي.
"لماذا؟ لقد كنت لطيفًا حينها..."
توقف تشيونغ ميونغ عن الكلام، وبدت ملامح وجهه تتأمل في عمق الأفكار.
كأنما كان يحاول استعادة لحظة من الزمن، ليجيبه الدخيل كما لو كان يدرك ما يدور في ذهنه،
"سيجين... إنه سيجين، أيها الشيخ."
"هاهاها، أجل صحيح، سيجين! هاها، حقًا لقد كبرت كثيرًا"
جاء الصوت كضحكة رنانة ملأت المكان.
بينما كانت الضحكات تتردد، نظر تشيونغ ميونغ إلى بقية التلاميذ الذين كانوا متجمدين في أماكنهم، مثل تماثيل حجرية.
دفعتهم نظراته للتحرك بسرعة، وعادت الضجة إلى الساحة، حيث بدأ التلاميذ يحركون العربات لإعادتها لمكانها، وكأنما كان هناك تنسيق غير معلن بينهم.
في تلك الأثناء، كان السيوف الخمس لا يزالون واقفين بلا حراك، أعينهم متسعة بدهشة، عاجزين عن استيعاب الموقف الذي كان يتكشف أمامهم.
كانت مشاعرهم مختلطة، كألوان الطيف تتداخل في سماء غائمة، حيث تعالت الأصوات وامتلأت الأجواء بالحيوية، بينما احتفظت الذكريات بحضورها القوي في كل زاوية من المكان.
لكن تشيونغ ميونغ لم يكن ليعبأ بهم، بل واصل حديثه مع سيجين.
"إذاً، ما الذي يفعله تلميذ جانغام هنا؟ أذكر أنني أبلغت شيوخك بأني سأقطع أقدام أي أحد يصعد هذا الجبل."
كانت كلماته باردة كقطعة جليد، على الرغم من أن صوته احتفظ بنبرته المرحة المعتادة.
"ها؟ أنا لم أسمع بهذا، لكنني كنت قلقًا على الشيخ لذا..."
بدأ سيجين يتلعثم، وكلمات توتره تتعثر في حنجرته.
كانت ملامح وجهه تعكس القلق، كأنما يحاول أن يجد مخرجًا من موقف محرج.
لتتسلل بذلك ضحكة تشيونغ ميونغ إلى الأجواء، وراح يبتسم وهو ينظر إلى ملابس سيجين، التي كانت مزينة برمز طائفة جبل هوا.
هذا جعل سيجين يشعر بالحرج الشديد، وكأن الجبال نفسها تضحك عليه.
بينما كان في هذه الحالة، تفاجأ بتشيونغ ميونغ وهو يضربه برفق على رأسه.
"اوتش!"
أطلقها سيجين بذهول، ورفع رأسه محدقًا بتشيونغ ميونغ، الذي كان ينقر على لسانه بانزعاج.
"تسك تسك تسك، ألم تتخلَّ عن عادتك هذه بالتسلل؟"
كانت كلماته تحمل في طياتها مزيجًا من السخرية والحنان، بينما كانت ملامح وجهه تعكس توازنًا فريدًا بين المرح والجدية.
راح سيجين يفرك رأسه، ضاحكًا بخفة على كلمات تشيونغ ميونغ، وكأن أسهم الحرج قد تلاشت في الهواء، ليحل محلها شعور دافئ من الألفة بينهما، كزهر يزهر في فصل الربيع.
في حين كان السيوف الخمسة، الذين استمعوا لتلك الكلمات، مذهولين.
"جانغام؟"
تردد الاسم في عقولهم كصدى بعيد.
"أليس هذا الاسم الذي يكرهه تشيونغ ميونغ أكثر من غيره؟"
تساءل الجميع، غير مصدقين كيف يتحدث تشيونغ ميونغ مع أحدهم وهو يضحك.
ورغم تسلل سيجين بزي جبل هوا، فقد نجا بضربة خفيفة على الرأس وكأنها لم تكن أكثر من لمسة ودية.
تبادل السيوف النظرات، ثم تحولوا إلى بايك تشيون، الذي شعر بالانزعاج والتوتر تحت وطأة تلك النظرات المتفحصة.
"ماذا؟"
سألهم بحدة، محاولًا إخفاء ارتباكه.
"لا، أليس من الرائع رؤية أحد أجدادك؟"
قال جوغول، مبتسمًا بسخرية، بينما كانت عينيه تلمعان بمشاعر مختلطة.
"يجب عليك معاملته باحترام"
أضاف يون جونغ، محاولًا أن يثير المزيد من الاستفزاز.
تململت مشاعر بايك تشيون، وهو يلقى نظرة على أولئك الأوغاد الذين كانوا يستمتعون بإغاظته.
"أجل، من يدري؟ ربما نقابل التني... اااااا!"
وقبل أن يكمل جوغول كلماته كان قد حلق بعيداً، راح يمسح دمعته التي كادت تسقط، محدقًا بهم بامتعاض.
كان وجهه يعكس مزيجًا من الإحباط والغضب.
رغم أن الجميع قد تحدث، إلا أن جوغول كان هو الوحيد الذي حلق بعيدًا عن محيطهم، مما دفعه للتساؤل
"لما؟؟"
لكن لم يلتفت إليه أحد، واستمر الآخرون في التركيز على الدخيل، الذي كان وسيم الملامح، بشعره الأسود القصير وعينيه الزرقاوين اللامعتين كقطعتين من السماء الصافية.
و تشيونغ ميونغ يستمع لكلمات سيجين باهتمام، وابتسامة تتراقص على شفتيه، لكن تلك الابتسامة تلاشت فجأة عندما لاحظ نظرات سيجين المتجهة نحو كمه الفارغ.
"ما الذي تنظر إليه؟"
سأل تشيونغ ميونغ والعبوس باد على وجهه.
ليرفع سيجين رأسه بتعبير مرير، لكن عندما واجه وجه تشيونغ ميونغ، لم يكن أمامه سوى أن يعاود الابتسام، كزهرة تشرق في وجه الشمس.
"دوجانغ، لا يزال كالسابق."
"أجل، يقال إن الناس يتغيرون عند موتهم. لا يزال لدي حياة مديدة."
قال تشيونغ ميونغ هذه الكلمات وهو يبتسم، لكن لسبب ما، تركت كلماته أثرًا مؤلمًا في نفوس المستمعين، لا سيما أولئك الذين تذكروا مشهد عودته وهو مغطى بالدماء، ككابوس لا يُنسى.
لكن تشيونغ ميونغ لم يمنحهم الوقت للغوص في تلك المشاعر، كعادته، حيث صاح فيهم،
"ما الذي تفعلونه؟ لا يزال لدينا الكثير لفعله..."
ثم صمت قليلًا، وراح يقلب بصره بينهم للحظات، كمن يبحث عن شيء مفقود في بحر من الوجوه.
أشار بيده إلى أحد التلاميذ، الذي انتفض مذعورًا، يبحث خلفه وكأنه يتوقع أن يكون هناك من هو المطلوب بدلاً منه.
"نعم، أنت! اذهب، وقل لساهيونغ بما حدث. سأستمع لذلك لاحقًا."
لوح له بيده لينصرف، ثم التفت نحو تشيونغ مون، الذي كان واقفًا في مكانه، مبتسمًا، وقد تخلى عن أي محاولة لفهم ما يحدث.
"هيهي، ساهيونغ سيشرح لك كل شيء، لكن كما ترى... هاهاها."
كان تشيونغ ميونغ يشير إلى الدخيل، الذي كان يبتسم بإشراق، مما دفع تشيونغ مون للتنهد، ووضع يده على رأسه كمن يستسلم أمام سيل من الأحداث.
ثم التفت تشيونغ ميونغ نحو السيوف الخمس، الذين تراجعوا بتوتر للخلف، كأوراق شجر تتساقط في رياح عاصفة.
حدق بهم بتلك النظرات الحادة، القاسية والعدائية، التي كانت غير مألوفة بالنسبة لهم، مما تسبب لهم بألم غريب، مختلف تمامًا عن الطريقة التي عامل بها الدخيل.
"ما الذي تفعلونه؟ ألن تتحركوا من هنا؟"
عند سماع صوته البارد، تردد السيوف للحظة، لكنهم باشروا بالمغادرة سريعًا، بينما كانت أنظارهم تعود للخلف لرؤية تشيونغ ميونغ، الذي كان يضحك مع الدخيل بسعادة وود، مما جعل الأمر يبدو غريبًا وغير مريح بشكل غير معتاد.
وفي خضم هذا، بدأ جوغول، الذي بدا وكأنه هائم في أفكاره الخاصة طوال الوقت، بالتحدث بتردد.
"بالمناسبة..."
"ماذا؟"
جاء رد يون جونغ، متسائلاً بنبرة تحمل بعض الاستغراب.
"ما الأمر؟"
كما أضاف بايك تشيون.
"لا، لما ترمقوني بهذه النظرات؟ لم أقل شيئًا بعد."
كانت ملامح جوغول تعكس الإحباط، بسبب نظراتهم المتشككة.
"من الواضح أنك ستقول شيئًا غبيًا كالعادة."
جاء الرد بنبرة ساخرة.
"بحق، لما لا تستمعون أولاً؟"
"تحدث بسرعة!"
جاء الأمر كصرخة تحمل ثقل الانتظار.
"ألا تشعرون أننا نسينا شيئًا؟ أو أن هناك شيئًا مفقودًا؟"
قال جوغول، وكأن مع كل كلمة يخرجها من فمه، كان يحاول استعادة شيء ضائع.
"هاه؟ لا، لا أعتقد ذلك..."
لكن فجأة، توقف يون جونغ،
"ها، عند ذكر ذلك، أنت محق."
توقفت خطوات السيوف الخمس، وتسمّروا في أماكنهم، بينما أدركوا ما قد غاب عن أذهانهم، كفراشات تطير في ظلام الليل.
"الراهب!"
"هايوون!"
"الأصلع!"
ما إن نطق أحدهم، حتى تساءل الآخرون في دهشة،
"من الذي ناداه بالأصلع؟"
في ذلك اليوم كانت الأجواء مشحونة بالحيوية، كأنما كان المكان نفسه يتفاعل مع تلك اللحظات، حيث تداخلت الضحكات مع مشاعر القلق والفضول، مما خلق جوًا من الألفة والتوتر في آن واحد.
....................................................................................
تعليقات
إرسال تعليق