لن يكون الأمر بهذه السهولة
بينما كان تشيونغ ميونغ على وشك الخروج لإخبار أحدهم بجلب الكنوز، توقف للحظة عند الباب، وبدا وكأنه قد تجمد في مكانه، كانت لحظة الصمت تلك كالسكون الذي يسبق العاصفة، حيث انقلبت أعين الحاضرين إليه بترقب.
بعد لحظات من الصمت الثقيل، عاد بوجه جاد، عاقدًا حاجبيه، وجلس بهدوء، مغلقًا عينيه، كأنه يحاول استجماع أفكاره في عالم خاص به.
كانت الغرفة مليئة بالتوتر وتبادلت الأنظار بين الزعماء، كل واحد منهم يتساءل في داخله: "ماذا يجري؟" ولكن لم يجرؤ أحد على كسر هذا الصمت المطبق، لذا راحوا يحدقون بالشخص الوحيد القادر على كسر هذا الصمت، وهو تشيونغ مون.
كما لاحظ تشيونغ مون نظراتهم القلقة، فتنحنح لتنظيف حلقه، محاولاً استعادة السيطرة على الأجواء، صوته كان متحيرًا لكنه حازم
"تشيونغ ميونغ؟"
لكن الرد كان صمتًا مطبقًا.
"تشيونغ ميونغ؟"
بدا صوت تشيونغ مون أكثر حدة الآن، لكن تشيونغ ميونغ ظل محافظًا على وضعه، كأنه في حالة تأمل عميق. استسلم تشيونغ مون أخيرًا، وقرر أن ينادي أحد التلاميذ.
"أنتم عند الباب!"
عند سماع صوته، جفل كل من بايك تشيون والسيوف الخمس، الذين كانوا يسترقون السمع، وفتحوا الباب بابتسامة محرجة.
"هذا... لم نقص..."
لكن تشيونغ مون قاطعهم، "سنناقش هذا لاحقًا. اذهبوا للمخزن واحضروا الكنوز."
أومأ بايك تشيون برأسه وانحنى باحترام، لكن بينما كان على وشك المغادرة، شعر بشيء غريب يجتاح جسده.
تجمدت الدماء في عروقه، وكأن جليداً قاسياً قد تسرب إلى عظامه، مما جعله يشعر بالبرودة تتسرب إلى أعماق روحه.
كان عقله يصرخ بأن يهرب، لكنه كان مقيدًا، وكأن خيوطًا غير مرئية تشده إلى الأرض.
تلك اللحظة بدت وكأنها تتسارع، بينما كان يفكر في العواقب.
كان قلبه ينبض بسرعة، كأنه يحاول الهروب من جسده، وكل نبضة كانت تذكره بخطر الموقف.
ازدادت حدة توتره، وكأن الهواء المحيط به أصبح ثقيلاً، يضغط على صدره ويجعل التنفس صعبًا.
بينما نظر إلى زملائه، رأى الخوف في عيونهم، وبدت كأنها مرآة تعكس شعوره.
كانوا جميعًا في حالة من الذعر، فقد انهار كل من سوسو ويون جونغ وجوغول أرضًا، هو و يوي سول فقط من استطاعو التماسك أمام هذا الحضور الطاغي والهالة القاتلة.
ثم جاء صوت تشيونغ ميونغ، باردًا كرياح الجليد، ليكسر الصمت.
"تحركوا، وسترون ما سيحصل."
كانت الكلمات كالسيف، تقطع ما تبقى من تماسكه.
شعر بايك تشيون وكأن البرودة التي تسربت في عروقه قد تحولت إلى نار مشتعلة، تتسارع في داخله، مما جعله يحس بالقلق المتزايد والرغبة في الهروب، لكنه استمر في الوقوف، محاولًا أن يُظهر شجاعة لم يكن متأكدًا من أنه يمتلكها.
وبينما كان غضبه يتصاعد في الغرفة، كانت الأجواء وكأنها مشحونة بالكهرباء، تجعلك تسير على أطراف أصابعك.
وانتاب الزعماء شعور بخناجر حادة تصوب على رقابهم، كانوا يتبادلون نظرات القلق والارتباك، كانوا يشعرون بتلك الطاقة كأنها ضباب كثيف يختنق حولهم.
في حين كان تشيونغ مون هو الشخص الوحيد الذي بدا هادئًا. ولم تؤثر عليه الطاقة المتصاعدة من تشيونغ ميونغ، بل راح يراقب بعناية.
على الرغم من كونه غاضباً، إلا أن تشيونغ ميونغ لم ينس أن جسد أخيه مصاب بشده، مما جعله يسيطر على طاقته تلك حتى لا يؤذيه.
ومن ثم نادى تشيونغ مون بصوت صارم، يحمل في طياته شيئًا من اللطف.
"تشيونغ ميونغ!"
لم يرد تشيونغ ميونغ، بل استمر في تجاهل صوته، مما زاد من حدة القلق في قلب تشيونغ مون.
"تشيونغ ميونغ، أوقف ذلك! لا يستطيعون تحملها لوقت طويل."
فجأة، فتح تشيونغ ميونغ عينيه، وحدق بهم بنظرات حادة.
أخرج تنهيدة عميقة، وكأنما كان يخفف من وطأة الغضب المتأجج بداخله.
ثم أخفى طاقته المتفجرة، وبتعبير جاد كان يتفحصهم واحدًا تلو الآخر.
بدأ يوجه أصبعه نحو زعماء الطوائف، يمررها عليهم واحدًا تلو الآخر، ومن ثم قال بصوت حاد وبارد:
"ساهيونغ، لا أستطيع أن أعيدها لهم بهذه البساطة."
كان زعماء الطوائف يشعرون بالغضب والإهانة، إلا أن تشيونغ ميونغ لم يكترث بهم وتابع حديثه متجاهلاً مشاعرهم:
"هؤلاء الأوغاد، بعد كل ما بذلناه لقطع رأس اللعين تشونما، جرو أذيلهم خلفهم واختبؤوا في جبالهم تاركين بقايا الطوائف الشيطانية وحدها."
كان تشيونغ مون على وشك الرد، لكن نظر إليه تشيونغ ميونغ نظرة حادة، جعلته يبتلع كلماته.
"ساهيونغ، لا أمانع أن أعيدهم حقاً، ولكن قبل ذلك هناك ما أريد سؤال بانجانغ عنه"
كان بانجانغ يحاول الحفاظ على هدوئه وهو يتلاعب بخرزات المسبحة في يديه، ومن ثم قال بصوت مضطرب يعكس دواخله
"ما هو هذا سيجو؟"
قال تشيونغ ميونغ بصوت حاد يتفجر من أعماقه
"أريد أن أعرف ما هي الخطة العظيمة لبانجانغ والطوائف العشر بخصوص بقايا الطوائف الشيطانية."
فجأة، انفجر بانجانغ، الذي لم يعد قادرًا على كتمان غضبه
"سيجو! أتعتقد أن الوقت ملائم للحديث عن ذلك؟ لقد خرجنا للتو من الحرب!"
"ساهيونغ، لا أستطيع أن أعيدها لهم بهذه البساطة."
تواصلت المشاعر المتأججة في الغرفة، وكأن كل شخص فيها كان على حافة الانفجار.
كانت عيون الزعماء تتنقل بين تشيونغ ميونغ وبانجانغ، وكأنهم يشهدون صراعًا لا ينتهي، حيث كانت الكلمة الواحدة كفيلة بإشعال فتيل العداء مرة أخرى.
تشيونغ ميونغ، الذي سمع كلمات بانجانغ، بدأت نبرته تتغير، لتصبح منخفضة وحادة، كالسيف الذي يقطع الهواء.
كانت كلماته تبث القشعريرة في نفوس الحاضرين، بينما ارتفعت زوايا شفتيه كاشفة عن أنيابه البيضاء، مبتسمًا بابتسامة ساخرة جمدت الدماء في عروقهم.
"وقت؟ حرب؟ هل بانجانغ الآن يناقشني في الحرب؟ لجبل هوا؟ لي أنا؟"
توقفت الأنفاس في الغرفة، ولم يكن هناك أي رد.
كان الصمت ثقيلًا، كأن الوقت قد تجمد.
عيون الزعماء كانت مشدودة إلى تشيونغ ميونغ، تبحث عن أي علامة على الضعف، لكن لم يكن هناك سوى عاصفة من الغضب تتشكل داخله.
"أتعتقد أنك مؤهل لمناقشة ذلك؟"
مرة أخرى، ساد الصمت، وكأن الكلمات كانت تتردد في أذهانهم.
ثم انطلق صدى ضحك تشيونغ ميونغ في المكان كالرعد، محطماً كل هدوء.
كان صوته يعلو، يسحب جميع الأنفاس والحركات في تلك الغرفة.
لم يسمع سوى ضحكته، التي كانت تحمل في طياتها كل المعاني عدا تلك التي يجب أن تتحلى بها.
في عمق قلبه، كانت ذكريات الحرب المريرة تتلاعب به، كأنها أشباح لا تفارق خياله.
جثث رفاقه، رائحة الدماء القاتلة، نظرات تشونما وكلماته الأخيرة لا تزال حية، تتلوى حول قلبه كالثعبان الخبيث، تغرز أنيابها السامة في روحه.
..................
فتح تشيونغ ميونغ عينيه، ليجد نفسه محاصرًا بكابوس مرعب.
كان هذا الكابوس قد أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياته اليومية، حتى كاد أن يموت إحساسه به.
لكن، ولسبب غريب، لم يستطع هذه المرة التخلص من الشعور الثقيل الذي يثقل كاهله.
ضم جسده إلى صدره وجلس، دافنًا رأسه بين قدميه، كأنه يحاول أن يتحصن من العالم الخارجي الذي كان يهاجم حواسه.
في تلك اللحظة، شعرت بكل مشاعره وكأنها تتفجر من أعماقه.
كان قلبه ينبض بسرعة، وكأن كل دقة تعلن عن صراع داخلي لا ينتهي.
في كل مرة يتكرر فيها الكابوس، كانت تلك المشاعر تشتعل داخله، وكأنها تعود للحياة بقوة.
كانت الذكريات المؤلمة تتجسد أمام عينيه، تنبعث منها رائحة الفقدان والندم، وكأنها تهمس له بأن الألم لم ينته بعد.
رغم محاولاته للتجاهل، لم يكن بمقدوره إنكار ما يراه، فكل شيء بدا وكأنه لم يكن مجرد حلم بل واقع مرير عاشه.
تملكت منه حالة من الغضب واليأس، وجعلته يشعر وكأنه عالق في دوامة لا مفر منها.
لكن سرعان ما طرد تلك الأفكار القاتمة من ذهنه، ونهض من فراشه، عازمًا على مواجهة يومه.
خرج من غرفته، وتجوّل في أرجاء المكان، مستشعرًا شيئًا من الارتياح، لكنه كان ارتياحًا مفعمًا بالتوتر.
كان هذا الارتياح غريبًا، كأنه جاء من تجربة مؤلمة، لكن مألوفة.
تجول محاطًا بأصوات التلاميذ المتدربين وصدى الأوامر الحادة التي كان يطلقها جين.
كانت ساحة التدريب تعج بالحركة، حيث كان الهواء مليئًا برائحة العرق والجهد.
تحت أشعة الشمس الساطعة، كان التلاميذ يتصببون عرقًا، عازمين على إرضاء توقعات معلمهم القاسي.
"لا بحق السماء، لماذا لا تفعلونها بشكل جيد؟ إذا رأى ساهيونغ ذلك، سينفث النار من عينيه!"
كان صوت جين يرتفع، يعكس توتره وكانت ملامح وجهه مشدودة، وعيناه تلمعان بالقلق.
"ماذا سيفعل؟"
"لقد أخبرتك، ذلك المجنون لن يترك الأمر يمر. لماذا تسأل، بال... ها؟ ساهيونغ؟"
ارتجف صوت جين وهو يتلفت حوله، كأنه يبحث عن مخرج.
فجأة، ظهر تشيونغ ميونغ خلف جين، مما جعله يتراجع خطوة إلى الوراء بفزع.
بدا وكأنه قد رأى شبحًا، وراح يبرر لنفسه
"لا، ساهيونغ، أنت تعلم أنني لا أقصد فعل ذلك. أنا أفعل ذلك لتشجيعهم فقط!"
نظر إليه تشيونغ ميونغ بعيون تحمل مزيجًا من السخرية والجدية.
"تشجيع؟"
سأل، وقد ارتسمت ابتسامة شيطانية على وجهه.
حاول جين أن يضحك بارتباك،
"أجل، هاهاها!"
لكن ضحكته بدت فارغة، وكأنها محاولة يائسة لإخفاء خوفه.
بينما اقترب تشيونغ ميونغ منه، كانت خطواته واثقة، وابتسامته تنبئ عن شيء غير مريح.
أغمض جين عينيه في استسلام، متوقعًا الضربة التي ستأتي.
ولكنه شعر، بشكل غير متوقع، بضربة خفيفة على رأسه. فتح عينيه ببطء، ليجد يدي تشيونغ ميونغ تهبط بلطف، مما أثار في نفسه مشاعر مختلطة من الارتياح والدهشة.
لم يكن ذلك لطيفًا بالمعنى التقليدي، لكنه كان أفضل بكثير مما توقعه.
بينما كان جين يحاول استيعاب الموقف، بدأ تشيونغ ميونغ بالابتعاد، يلوح بيديه بطريقة غير مبالية، قائلاً، "اجعلهم يتدربون! إذا لم يستطيعوا فعل الضعف، سأدربهم شخصيًا، بالطبع معك أيضًا!"
تجمدت ملامح جين، وكأن كلمات تشيونغ ميونغ قد نفذت إلى أعماق روحه، مما جعله يدرك أن الأمور ستصبح أكثر صعوبة مما كان يتوقع.
فجأة، كما لو كانت طاقة جديدة قد بثت في الأرواح المنهكة عند سماع تلك الكلمات، نهض التلاميذ المنهارون على الأرض.
رغم التعب الذي كان واضحًا في ملامحهم، بدأت حركاتهم تتجدد، وابتسامات يائسة ومصطنعة تتسلل إلى وجوههم.
"هاهاها، شيخ جين! سنتبع تعاليمك الحكيمة بإخلاص!"
قال أحدهم، محاولًا إظهار حماسه رغم أنفاسه المتقطعة.
رد آخر، مستعرضًا عزمًا مزيفًا
"ما الذي تعنيه بأننا تعبنا؟ ما زال لدينا الطاقة! هاهاها!"
"هيا بنا لنتابع!"
أضاف ثالث، مثبتًا على نفسه روح المنافسة.
رغم صعوبة هذا التدريب وقسوته إلا أنه لا يزال أفضل من الإشراف من قبل ذلك "الشيطان" عليهم، فقد كان كحكم إعدام غير معلن، يثقل كاهلهم ويزيد من شعورهم بالقلق.
وبينما كانت الفوضى تعم الساحة، ظل تشيونغ جين متسمراً في مكانه، يتحسس رأسه بحذر.
لم يكن هناك أثر للكدمة المعتادة، فقط نقرة لطيفة عابرة، وهو ما جعل قلبه يخفق بتوتر.
كان كل ما فعله تشيونغ ميونغ هو هذه اللمسة الخفيفة، لكنها كانت كافية لترك أثر كبير في نفس جين.
"زعييييم الطائفة! ساااااهيونغ تشيووووونغ ميونغ غريب!"
...........
والآن كان تشيونغ ميونغ الآن يسير نحو وجهته الجديدة، خطواته واثقة، وكأن كل شيء حوله يتلاشى في ظل عزيمته.
وعند وصوله إلى البوابة، كان تانغ بو يقف هناك، مبتسمًا ببهجة.
في حركة سريعة، ألقى بزجاجة الكحول نحوه.
التقطها تشيونغ ميونغ بمهارة، ورفعها إلى شفتيه، مستمتعًا بالطعم القوي الذي ملأ فمه بينما يتقدم للأمام.
"إذاً، أين وجهتنا التالية؟"
سأل تانغ بو، عينيه تتألقان بالفضول.
أخفض تشيونغ ميونغ الزجاجة من فمه، وابتسامة غامضة ترتسم على وجهه.
أعاد الزجاجة إلى مكانها دون أن يجيب، وكأن كلماته كانت محصورة في أعماق تفكيره.
"لا بحق، هيونغ! لما لا تجيبني؟"
سأل تانغ بو، وعلامات الإحباط بدأت تظهر على وجهه.
"هيونغ!"
أصر تانغ بو، محاولًا جذب انتباهه.
"هيوووونغ!"
أضاف بصوت مرتفع، كأنه يحاول كسر حاجز الصمت الذي أحاط بهما.
لكن تشيونغ ميونغ استمر في السير، مغمضًا عينيه للحظة، وكأنه يستمتع بلحظة الانتشاء، بينما كان قلب تانغ بو ينبض بالتوتر والفضول.
كان كل منهما يعرف أن الرحلة المقبلة تحمل في طياتها الكثير من المفاجآت، لكن تشيونغ ميونغ كان متمسكًا بسرارته، كما لو كان يعرف شيئًا يجهله الآخرون.
...............................
كان الترقب يخيم على الغرفة كغيمة سوداء، تتجمع في سماء مشحونة بالتوتر.
عيون الجميع كانت مركّزة على تشيونغ ميونغ، وكأن كلماته هي السيف القاطع الذي يمكن أن يسلب الحياة بسهولة.
في تلك اللحظة، في تلك المحكمة كان تشيونغ ميونغ هو القاضي، والزعماء هم المتهمون، وجو الغرفة كان مشحونًا ببرودة لا تُحتمل.
"إذاً؟ ما هي خطتكم؟"
تساءل بصوت خافت، لكن كلماته كانت كالصقيع المتجمد، تحمل في طياتها حرارة الغضب الكامنة.
سأل ولم يكن ينتظر جوابًا، فقد كان يعلم الحقيقة، لكن الرغبة في فضح نفاقهم كانت تدفعه للحديث.
كان الأمر مريرًا وصعبًا؛ قد ابتلع مشاعره المهتاجة عدة مرات، وقاتل رغم الجروح النازفة في جسده، ورأى الحياة تتسرب من رفاقه كالرمال من بين أصابعه.
رؤية الجسد البارد لأخيه، والخوف من فقدانه، كانت كل تلك الأحاسيس تتصارع بداخله كأمواج عاتية تحاول الهروب من بحر الأسى الذي اجتاحه.
حينها كان بإمكانه أن يشعر بتلك الوجوه المبتسمة التي تحاول الظهور بكل وقاحة، وكأن كل ما حدث لم يكن له تأثير.
لذا كيف يمكنه السكوت بعد كل ما حدث؟ كيف يمكنه أن ينظر إلى وجوههم الفارغة، التي تظهر بلا خجل وبكل وقاحة، وكأنهم قد نسوا كل شيء؟
كيف يمكنهم التظاهر بهذه البساطة؟
بينما كانت مشاعره تتأجج، كان قادرًا على إخفاء طاقته، محاولًا بلا جدوى أن لا يؤذي أخاه.
كان قلبه يتصاعد كبركان يوشك على الانفجار، لكن عقله كان يحاول السيطرة على تلك النيران، مدركًا أن اللحظة تتطلب الحكمة أكثر من العنف.
وكان الزعماء أمامه، يتبادلون النظرات القلقة، ويدركون أن هذا ليس مجرد نقاش عابر.
كانت تلك اللحظة مصيرية، حيث تتداخل فيها خيوط الغضب والضعف، وتتشابك فيها المصائر.
في تلك الغرفة المظلمة التي اجتمع فيها الزعماء، والتي بدت وكأنها ساحة محكمة تكتنفها ظلال الشك والريبة.
الأضواء الخافتة كانت تلقي بظلال طويلة على الوجوه المرهقة، بينما كانت الأعين تتنقل بين الحاضرين، بحثًا عن الأمل أو التبرير.
في الزاوية، كان تشيونغ مون يراقب تشيونغ ميونغ، بعينين مليئتين بالقلق.
كان وجهه متجهمًا، بينما أطبقت شفتيه على بعضهما بإحكام، كأنه يحاول كبح مشاعر تعصف به.
تدحرجت الأفكار في رأس تشيونغ ميونغ كأمواج عاتية، والذكريات المؤلمة لا تزال تتأرجح في ذهنه.
راح تشيونغ مون ينظر إليه بقلق. كانت عينيه، اللتين تحملان بريق الحكمة، تحملان أيضًا عبء ما يجري. "تشيونغ ميونغ.. يمكننا مناقشة ذلك لاحقًا." نطقت كلماته بنبرة هادئة، محاولة لتهدئة الوضع المتأزم بين زعماء الطوائف.
"تشيونغ ميونغ.. يمكننا مناقشة ذلك لاحقًا."
جاء صوت تشيونغ مون محاولًا تهدئته، لكنه كان يحمل أيضًا قلقًا عميقًا.
كان يعلم ورغم كل المشاعر التي تجتاح تشيونغ ميونغ إلا أنه سيستمع إلى كلماته وسيتراجع، ككل مرة وكما يتبعها كحد السيف لا يحيد عنها.
لكن تشيونغ ميونغ هذه المرة لم يكن في حالة مزاجية للاستماع
كان يشعر بصراع داخلي مرير، لم يستطع أن يتجاهل مشاعر الغضب التي كانت تتأجج بداخله.
لم يعد هناك مكان للعقل أو المنطق في قلبه، فقد تلاشت كل تلك الأفكار.
كان كل شيء حوله يتلاشى، وكأن أصوات العالم تصبح ضبابية.
كانت عواطفه مثل بركان ثائر، مستعدة للانفجار في أي لحظة.
نظراته كانت حادة، ووجهه مشدود كأنه يواجه عدوًا، بينما كانت قبضته مشدودة، كأنها تعكس الصراع الداخلي الذي يعيشه.
"لا تتدخل بذلك، ساهيونغ!"
نطق بها بصوت منخفض، لكنه كان يحمل في طياته قوة لا يستهان بها.
صوت حاد كخنجر، يعكس الألم الذي يحمله.
في ذهنه، كانت ذكريات مؤلمة تتداعى، كأمواج عاتية.
"ساهيونغ كان فاقداً للوعي لم يرى ذلك"
تذكر كيف شعر بدماء رفاقه على جسده، وكيف رأى تلاميذ الطائفة الصغار يواجهون الموت على يد بقايا الطائفة الشيطانية.
" كيف وصلت الطائفة الشيطانية إلى جبل هوا؟"
صرخ، ووجهه مشحون بالألم والغضب.
"كيف اضطررت للركض كالمجنون، عائدًا دون أن أحظى بفرصة لالتقاط أنفاسي؟"
كانت عواطفه تتصاعد، وكأنها نار تأكل في داخله.
كانت أنفاس رفاقه الأخيرة تتردد في أذنه، ورائحة الدماء المنسكبة على الأرض لا تزال عالقة في حواسه، وتلك اللحظة التي رأى فيها أخاه ممددًا على السرير، بلا حراك.
"ساهيونغ لا يعلم شيئًا من ذلك. لذا لا يجب أن يتدخل."
كانت كلماته تتفجر كبركان خامد، حادة كخناجر تغرز في قلوب الحاضرين، لكن الضحية الكبرى كان هو نفسه، تشيونغ ميونغ، الذي استمع إلى صراخ قلبه.
"يمكنك معاقبتي لاحقًا، ولكن..."
توقف قليلاً، ثم أضاف بصوت عميق وهادئ
"اليوم لن يخرج أحد من هذه الغرفة حتى أستمع إلى الإجابة."
حينها تراجع تشيونغ مون، غير قادر على نطق أي كلمة، بينما كانت صورة تشيونغ ميونغ التي رآها عند استيقاظه لا تزال تتراقص في ذهنه.
شعره الفوضوي، آثار الدماء التي تلطخ وجهه، والكم الفارغ من ثيابه، كلها كانت تمزق قلبه.
كان الألم يتسلل إلى أعماق روحه، مما جعله يشعر وكأن العالم من حوله ينهار.
أعاد تشيونغ ميونغ نظره باتجاه الزعماء، وعينيه تتقدان بالغضب.
حاول بانجانغ أن يتحدث بصوت هادئ، محاولاً احتواء الموقف كما لو كان يحتضن موجة هائجة، لكنه لم يكن أكثر من قشور هشة أمام العاصفة التي كانت تدور في قلب تشيونغ ميونغ.
"ما الذي يريد قديس السيف معرفته؟"
سأل بانجانغ، وكلماته كانت كالماء البارد، لكنها لم تخفف من حرارة الغضب المتأجج في الغرفة.
رد تشيونغ ميونغ، عازماً على عدم تقديم أي اعتذار.
"أنا حقًا أتساءل، لكن هل هناك شرط بشاولين يقتضي ببيع عقلك قبل الدخول، أم أنها موهبة تصقلونها مع التدريب الطويل؟"
"سيجو، كلماتك هذه..."
بدأ بانجانغ الحديث، وكان على وشك الانفجار من الإهانة والسخرية الواضحة في نبرة تشيونغ ميونغ.
لكن لم يُعطَ الفرصة ليتحدث أكثر.
"لا، بحق السماء، ألا تستطيع التفكير؟ كم مرة يجب أن أكرر ذلك؟ قلت، ماذا ستفعل مع بقايا أولئك الأوغاد؟"
تعلقت الكلمات في الهواء، كأنها سلاسل ثقيلة تمنع أي محاولة للفرار من الحقيقة.
كانت عيون الزعماء تتنقل بين تشيونغ ميونغ وبانجانغ، والجو مشحون بالتوتر كبرق يهدد بالانفجار في أي لحظة.
تلك اللحظة كانت حاسمة.
تشيونغ ميونغ، بكل مشاعره المكبوتة، كان على وشك الانفجار، بينما بانجانغ، رغم محاولاته للسيطرة على الموقف، كان يشعر بأن الأرض تهتز تحت قدميه.
غمر الصمت الغرفة، وكأن الزمن توقّف لبرهة، ثم كسر بانجانغ هذا السكون بعمق أنفاسه، بينما استعاد توازنه.
كان صوته هادئًا، لكنه يحمل ثقل الموقف.
"سيجو، هل تدرك الوضع المزري الذي نعاني منه حاليًا؟"
"نعاني؟"
" لقد خسرنا في هذه الحرب الكثير أيضاً لذا..."
" أنتم؟ "
جاء رد تشيونغ ميونغ بحدّة، كسكين حاد يطعن في قلب الكلمات.
بينما كان بانجانغ يحاول الحفاظ على هدوئه، انقطعت المسبحة من بين أصابعه، وسالت الدماء إلى وجهه من شدة الغضب.
مع كل كلمة يقولها، كان تشيونغ ميونغ يوجه إليه نظرات ساخرة، يذكّره بتخاذلهم وخيانتهم.
ومع ذلك، كان بانجانغ هو مدير معبد شاولين، والانضباط كان كل ما تدرب عليه طوال تلك السنوات.
لذلك، حاول أن يتمالك نفسه، مبتلعًا الجمرات التي كانت تتأجج داخله.
"أعلم أن جبل هوا قدّم تضحيات عظيمة، ولا يجرؤ أي منا على إنكارها."
حينها برزت على شفاي تشيونغ ميونغ ابتسامة مليئة بالسخرية، ورد بنبرة مُتهكمة، وكأن كلمات بانجانغ لم تكن أكثر من صدى فارغ.
"أوه حقًا؟"
"......"
" بعد قولك تلك الكلمات سأستطيع النوم براحة، هل سمعتم ذلك؟"
قال هذا وهو يحدق بالسيوف الخمس عند الباب.
أثارت كلماته ارتباكهم الذين تبادلوا النظرات، وأحسوا بالقلق يتسلل إلى قلوبهم.
هذا المجنون، ما الذي تفعله بحق السماء؟ لماذا تجرنا إلى هذا؟
كانت أفكارهم تصرخ في دواخلهم لكن، بغض النظر عن أفكارهم، كان تشيونغ ميونغ شيخًا في الطائفة، وكان عليهم الرد باحترام.
"نعم، أيها الشيخ."
"اذهبا وطمئنا التلاميذ الآخرين."
"هاه؟"
جاء الرد مرتبكًا.
ثم أعاد تشيونغ ميونغ نظراته نحو بانجانغ غير مبالياً بهم، وابتسم بوجه مشرق.
كانت ابتسامته تُظهر سعادة زائفة، لكن عينيه ظلتا مظلمتين كالسحب العاصفة.
"بعد اعتراف بانجانغ هذا، سيعود أخوتنا، وسيعود كل شيء. ليس عليهم القلق بشأن أي شيء الآن."
تلك الكلمات كانت كالسيف، تقطع الأمل في قلوبهم، بينما كانت المشاعر تتصاعد، وتدور في حلقة مفرغة من التوتر والخوف.
كانت كالجمر الملتهب في قلب بانجانغ.
انفجر الغضب بداخله، وكأن كل الانضباط الذي حاول جمعه على مر السنوات قد تلاشى في لحظة.
استقامت قامته، وتورد وجهه كأنما تحرقه حرارة الغضب.
"سيجو، ألا تريد أن تأخذ هذا على محمل الجد؟ هذا ليس مكانًا للهزل!"
كان صوته يرتعش، لكنه حاول أن يبدو هادئًا، مع ذلك كانت عينيه تتألقان بشعلة الغضب.
تشيونغ ميونغ، بملامح متجهمة، بدأ يُومئ برأسه متفقًا مع كلمات بانجانغ.
"أنت محق."
في تلك اللحظة، بينما كان بانجانغ على وشك الابتسام، ظنًا أنه قد حصل على فرصة للضغط عليه، تابع تشيونغ ميونغ كلماته بحدة.
"لكن ما الذي علي فعله في حين أن بانجانغ يستمر في إلقاء النكات؟ أعني، إن حس الفكاهة لديك عظيم حقًا! ليس بيدي حيلة! هاهاهاها!"
تردد صدى ضحكته الساخرة في أرجاء الغرفة، وكأنها صدى في وادٍ عميق.
رمق السيوف الخمس بنظرات حادة، وكأنها أسلحة جاهزة للانقضاض.
"ما الذي تفعلونه؟ ألا تجدونه مضحكًا؟"
عند هذه الكلمات، انتشرت ضحكات السيوف الخمس، التي كانت عاجزة أمام نظرات زعماء الطوائف وتشيونغ ميونغ الحادة.
ضحكوا ضحكة بلا روح، كأنها صرخة يأس.
"هاهاهاهاها!"
"هاهاه. هاها. ها!"
"هاهاها."
"هاهاهاهاها."
تردد صدى الضحك في الهواء، لكنه كان ضحكًا محملاً بالشجن.
ذلك المجنون...
إذا كنت تريد الموت، لما تسحبنا معك؟....
تبا لك...
وغد...
ها؟ جوغول؟ لما تضحك بقوة هكذا؟
بايك تشيون، الذي لاحظ ضحكات جوغول الصادقة، شعر بفقدان الأمل في رفاقه مرة أخرى.
كان الوقت قد فات على إزالة آثار الحبر الأسود الذي لطخهم.
في قلب الغرفة، كان الضحك يتردد كأنه أغنية مبهجة، لكن الواقع كان بعيدًا عن ذلك.
من الخارج، قد يبدو الصوت وكأنه علامة على المرح، لكن في الداخل، كانت المعدة تتلوى من الألم.
زعماء الطوائف، الذين اتسعت أعينهم في ذهول، كانوا يشعرون ببركان من الغضب يغلي في داخلهم.
وتلاميذ جبل هوا، وهم مُجبرون على الضحك، كانوا يبتسمون بتعابير مُرَغَمَة، وكأنهم يحاولون إخفاء الفوضى التي تجتاح مشاعرهم.
كانت ضحكاتهم تتردد في الأرجاء، ولكنها كانت بلا روح، كأصداء تتنقل بين الجدران الباردة.
بينما كان تشيونغ مون يتنقل بنظراته القلقة بين الحضور، كان يشعر بثقل الكلمات غير المعلنة.
ومع ذلك، كان هناك شخص واحد فقط يبدو مرتاحًا في هذا المكان المشحون بالتوتر، وهو تشيونغ ميونغ.
بعد أن هدأت ضحكاته، نظر إليهم مجددًا، وكأنما كان يقرأ أفكارهم، ثم قال بصوت حاد، موقِفًا هذا المشهد الهزلي.
"يكفي من هذا العبث!"
قال، مما جعل الصمت يكتسح الغرفة وكأن الهواء قد تجمد.
تجمد الجميع في أماكنهم، مُنتظرين ما سيقوله بعد ذلك، وكأنهم يعرفون أن اللحظة التالية ستكون حاسمة.
"ألا ترى مدى سخافة ما تقوله؟"
كان صوته يقطع حبل الضحكات، كأنما يجرّدهم من قناع الفرح الزائف.
كانت تعابير وجهه تعكس مزيجًا من السخرية والجدية، وعيناه تلمعان بحدة، كأنهما سلاحان موجهان إليهم. في تلك اللحظة، أدرك الجميع أن اللعب قد انتهى، وأن الوقت قد حان لمواجهة الحقيقة المرة.
"توقف عن نفث هذا الهراء وقول أشياء يعرفها الجميع!"
"سألت سؤالًا واضحًا: ما الإجراء الذي ستتخذه الطوائف العشر بشأن بقايا الطائفة الشيطانية؟"
كان بانجانغ على وشك الرد، لكن تشيونغ ميونغ رفع يده بصرامة، مما جعله يتراجع.
"لحظة واحدة."
تبادلت النظرات بين الزعماء، مستغربة ومتسائلة.
كيف يمكن لأحد الأشخاص أن يغير مسار النقاش بهذه السهولة؟ لكن تشيونغ ميونغ لم يكن يهتم بتعابير وجههم.
لقد كان هو الذي يحثهم على الحديث منذ لحظات.
ما الذي تغير الآن؟
بإشارة حازمة برأسه، أمر تشيونغ ميونغ السيوف الخمس
"اذهبوا واحضروا الكنوز. لا أريد سماع شيء. كأنني هددتهم لأتخذ موقفًا أو استخدمت كنوزهم للمساومة. لا يحتاج جبل هوا لشيء كهذا."
ترددت الكلمات في الغرفة كما لو كانت صدى في وادٍ عميق.
"تحرك!"
سارعت السيوف الخمس إلى الانصراف، متجهين نحو المخزن بلا تردد.
كان تشيونغ ميونغ هو من سرق تلك الكنوز، وهو من هددهم بها، ولكن الآن، كيف يتصرف وكأنه لم يفعل شيئًا؟
بانجانغ، الذي كان عاجزًا عن الكلام، شعر بشيء من الارتباك. كان يتأمل في هذه المفارقة.
..............
في وسط ساحة مهجورة، حيث تتقاطع الطرقات المتهالكة، كانت هناك خيمة كبيرة، مهترئة الأطراف وكأنها تحمل أعباء الأيام.
كانت أقمشتها ملطخة بالألوان الباهتة، تتراقص بفعل نسيم خفيف، بينما كانت الأوتاد التي تثبتها في الأرض مهدومة، مما جعلها تبدو كأنها ستنهار في أي لحظة.
تحت تلك الخيمة، كان هناك تجمع من الناس، بعضهم يجلس على الأرض، وآخرون يتجولون في فضاء المكان، وجوههم تعكس قصص الفقر والمعاناة.
يعبق الهواء برائحة الطعام البسيط الذي يُعد في زوايا الخيمة، مختلطًا برائحة التعرق والخيبة.
عند مدخل الخيمة، كان هناك حبل متهرئ يُستخدم كستارة، ينسدل بشكل غير مرتب، وكأن من يقف خلفه يخجل من الظهور.
كانت الأصوات تتعالى بين همسات الشكوى ونداءات المساعدة، مما يخلق جواً من التوتر والترقب.
وقفت أمام المدخل شخصان.
الأولى، تانغ بو الذي كانت ملامحه ضبابية، عينيه تعكسان الحيرة وعدم الفهم.
كان ينظر إلى الخيمة وكأنه يحاول استيعاب السبب الذي دفعه للوجود هنا.
لم يكن لديه أدنى فكرة عما ينتظره داخل هذا المكان المظلم.
تشيونغ ميونغ الذي كان يبتسم بمكر وعيناه تتألقان بلمعة غامضة.
تبادل الاثنان نظرات سريعة، وكل منهما يحمل في قلبه شعورًا مختلفًا.
تانغ بو، لا يزال في حيرته، وتشيونغ ميونغ، يبتسم بمكر، وكأنها تدرك أن كل شيء هنا ليس كما يبدو.
تقدم تشيونغ ميونغ بخطوات واثقة نحو الخيمة، وكأنها تعبر عن يقينٍ داخلي لا يمكن تجاهله.
تحركت خيوط الأقدار حولهم، وكل خطوة كانت تعكس صراعًا داخليًا بين الفضول والخوف، بين الأمل واليأس.
وبينما كان المتسولون يتجمعون في المكان، كانت أعينهم تتجه نحو تشيونغ ميونغ.
كانوا هم الأكثر تعاملاً مع المعلومات، فكانوا هم أكثر من يعرفونه جيدًا، فهو ليس غريبًا عنهم، قديس سيف زهرة البرقوق؟ ها من لا يعرف ذلك؟ لكن سمعته بين المتسولين كانت مختلفة.
الشيطان المتنكر بهيئة الطوائف الصالحة كان دائمًا يتنمر عليهم بكلماته الساخرة ويستعرض سلطته عليهم.
المتسولون، شعروا بمزيج من الفضول والخوف.
كانت لديهم مهمة واضحة: جمع الأخبار والتفاصيل عن الأحداث من حولهم.
لكنهم كانوا يعلمون جيدًا أن تشيونغ ميونغ لا يتهاون مع أي تقصير.
"ماذا يريد منا هذه المرة؟"
كانت تلك الأسئلة تتردد في عقولهم، لكن لا أحد كان يجرؤ على طرحها بصوت عالٍ.
عندما رأوه يدخل مبتسمًا بمكر، اجتاحتهم قشعريرة من الخوف.
كانت تلك الابتسامة تعني شيئًا واحدًا: أنه يخطط لشيء ما.
كانت تلك الذكريات تعود إليهم وكأنها كابوس دائم، حيث كان يتلذذ بإحباطهم.
"ذلك الوغد، إذا أخطأ المرء مرة، فيجب أن يضرب مرة واحدة، فلما يضربه مئة مرة؟"
كانت هذه الفكرة تتردد في أذهانهم، تعكس مشاعرهم المتزايدة من الإحباط والخوف.
لقد أصبحوا ضحايا لسلطته، وكل خطأ بسيط كان يعرضهم لعقوبات مهينة.
لكن أكثر ما كان يخيفهم هو الإشاعة الجديدة المنتشرة بين المتسولين.
"ها؟ قديس السيف جن؟ ألم يكن كذلك منذ البداية؟"
تساءل أحدهم بقلق، بينما رد الآخر
"لا، إنه يتصرف بغرابة هذه الأيام."
"هذه الأيام هو... مهووس بالرؤوس"
أضاف متسول آخر، وعينيه تتسعان من الرعب.
كانت تلك الإشاعات تتداول بسرعة، وكأنها نار تنتشر في حقل جاف، مما زاد من الخوف والقلق في قلوبهم.
تلك الأفكار كانت تثير الفزع، فالمجهول الذي يحمله تشيونغ ميونغ كان أكثر رعبًا من أي شيء آخر.
كانت همساتهم تتعالى، وكلهم يتساءلون: "ماذا سيحدث إذا قرر أن يستهدفنا؟" كانوا يجلسون في دائرة من التوتر، يتبادلون النظرات، وكأن كل واحد منهم يحمل جزءًا من الإجابة، ولكن لا أحد كان شجاعًا بما يكفي لطرح السؤال الحقيقي.
سارع أحدهم للداخل محاولا مناداة قائد الفرع لكن لم تتح له الفرصة، فقد تجاوزه كل من تشيونغ ميونغ وتانغ بو.
"تشه، ما الذي فعلته ليتصرفوا بهذا الشكل؟ ها هل تعلم؟"
وراح تشيونغ ميونغ ينقر بلسانه وهو يحدق بهم، وكأنه قد نسي أفعاله، عندها لم يستطع تانغ بو سوى أن يخرج ضحكة فارغة من فمه.
ذلك الشيطان.
وعند دخولهم الخيمة، كان الوضع فوضويًا، والمتسولون يركضون في كل مكان، ينظمون المعلومات التي تم جمعها.
"أجل، هذه طائفة المتسولين التي أعرفها، ليس ذلك الهراء."
قال تشيونغ ميونغ وهو يومئ برأسه برضا.
تقدم للأمام نحو وسط الخيمة، كان المتسول جالسًا على الكرسي بحالة من الإهمال، مائلًا إلى الوراء، بينما يغفو في المكان.
وجهه كان شاحبًا، مع تجاعيد عميقة تعكس سنوات من المعاناة، وكأن كل خط فيه يحمل قصة من الفقر والخيبة.
عينيه كانت غائرتين، تفتقران إلى اللمعان، وكأنها تعكس عالماً مظلماً لا يرحم.
شعره كان كثيفًا ولكنه متسخ، ينسدل بطريقة غير مرتبة على جبهته.
كانت بعض الخصلات قد تداخلت ببعضها، وكأنها لم تتلق أي عناية منذ زمن بعيد.
لحيته كانت غير مشذبة، تتدلى بشكل عشوائي، مما زاد من مظهره المهمل.
كان يرتدي ثيابًا ممزقة، قميصه مصنوع من قماش رقيق، يبرز بقعًا داكنة من الأوساخ.
كما كان يرتدي حذاءً قديمًا، متهالكًا، يتدلى من قدميه وكأنه سيقع في أي لحظة.
"تسك تسك، وتسمي نفسك قائدًا للفرع؟"
صدرت الكلمات عن تشيونغ ميونغ، وهو ينقر على لسانه بطريقة مثيرة للغضب، عاقدًا حاجبيه في استهزاء.
كان ينظر إلى المتسول الذي يجلس أمامه، عينيه تملؤهما انزعاج واضح.
ثم، في حركة سريعة، رفع يده وضرب رأس المتسول بخفة، لكن الضربة كانت تحمل في طياتها قسوة لا تُحتمل
"استيقظ أيها الوغد، ألا تراني أمامك؟"
كان تانغ بو قد جلس على كرسي قريب، يتأمل المشهد بصمت بعد أن قدم له أحد المتسولين كأسًا من الشاي وراح يشربه بهدوء.
كان المتسول نائمًا، لذا بطبيعة الحال لم يكن ليستطيع رؤية تشيونغ ميونغ، لكنه وعلى الرغم من معرفته ذلك، غضب وضربه على رأسه كما هو متوقع منه.
كان نائمًا بسلام، يحلم بنفسه وهو يصبح زعيم المتسولين، بينما يضحك ضحكة خرقاء.
"هيهيهي، سأعتني بالطائفة جيدًا، سأكون الفلك الجديد، هيهيهي!"
لكن وسط أحلامه الجميلة، نزلت ضربة تشيونغ ميونغ وصوته على رأسه كصاعقة أفسدت أحلامه.
لذا، راح يتحسس رأسه بانزعاج وغضب، ثم رفع صوته موبخًا الشخص الذي فعل ذلك.
"ما الذي تفع..."
وقبل أن يكمل كلماته، توقفت في حنجرته، تأبى الخروج.
كان تشيونغ ميونغ يقف أمامه، عاقدًا حاجبيه مستاءً، وبجانبه تانغ بو يجلس بهدوء.
المتسول الذي أدرك هوية الشخصين أمامه، سرعان ما غير من نبرته الغاضبة إلى أخرى متوترة ومرحبة.
"ما الذي يفعله شخص بمقامك في هذا المكان القذر، هاهاها؟"
كانت ضحكاته تفتقر إلى الفرح، تتردد في الهواء كأنها صدى للخوف الذي يخفيه.
التقط تشيونغ ميونغ الكرسي القريب وجلس عليه، واضعًا قدميه على الطاولة أمامه، كأنما يتوعد المتسول بنظرة متعالية.
كما كانت قدماه بوجه المتسول، بينما راح يتذمر بنبرة مزعجة.
"ألن تقدم لي شيئًا؟ منذ متى بات اتحاد المتسولين بهذا البخل؟"
"منذ البداية، لم يكن المتسولون أشخاصًا يمنحون الآخرين شيئًا."
بالطبع، كانت تلك أفكار المتسول الداخلية، وكانت الكلمات التي خرجت منه مختلفة.
"هاهها، اعذر وقاحتي. ما الذي تفعلونه؟ تحركوا بسرعة!"
صاح المتسول ببقية المتسولين بسرعة لإحضار الكحول.
في تلك اللحظة، كان التوتر يسود الأجواء، وكأن كل فرد منهم يعلم أن الأمور لن تكون على ما يرام إذا لم يرضوا تشيونغ ميونغ.
.......................................
عندما يُسأل أي شخص عن اللحظات التي شعر فيها بسعادة عظيمة، غالبًا ما تكون إجابته مرتبطة بمكسب ما، سواء كان معنويًا أو ماديًا.
لكن الآن، وفي هذه اللحظة، على الرغم من الكنوز التي تتكدس أمام أعينهم، لم يستطع زعماء الطوائف الشعور بالسعادة.
بدلاً من ذلك، كانت معدتهم تتلوى من الألم وهم يتأملون تلك الكنوز التي تتزايد شيئًا فشيئًا.
كانت الألوان الزاهية تلمع تحت ضوء الشموع الخافت، حيث برز تمثال بوذا الذهبي وسط الحبوب الثمينة من وودانغ، حتى عصا اليشم لطائفة المتسولين كانت موجودة هناك.
ومع تزايد الأغراض أمامهم، اتسعت أعينهم في ذهول، وكستهم الرهبة وكأنما سحرهم جمال تلك الكنوز، رغم ما تحمله من قلق وخوف.
بانجانغ، الذي كان يتصبب عرقًا باردًا، كان يحدق بتشيونغ ميونغ، حيث عجز عن فهمه أو التواصل معه.
حتى في هذه اللحظة، شعر براحة طفيفة في صدره لكون تشيونغ مون حيًّا وواعياً في هذا المكان.
كم مرة كان سيف تشيونغ ميونغ على وشك أن يقتلع رقابهم لولا تدخل تشيونغ مون؟
بالنسبة له، كان هذا لغزًا عميقًا. كيف استطاع جبل هوا، ترويض هذا الوحش الكاسر؟
كلمة واحدة هي كل ما يحتاجه الأمر حتى يتراجع الشخص الذي لا يمكن التواصل معه، والذي يتحول معه كل منطق إلى هراء فارغ.
لكن ومع ذلك، لم يكن أحد ليتخيل مثل هذا الأمر.
لم تمضِ إلا عشرة أيام منذ أن وضعت الحرب أوزارها، وكان جبل هوا وقديس سيف زهرة البرقوق هما الطرف الذي عانى أكثر من غيره.
بينما كان زعيم الطائفة غائبًا عن الوعي، بدا أن الأمور تتعقد أكثر.
وسط تلك الفوضى، كيف تمكن تشيونغ ميونغ من التسلل وسرقة كنوزهم؟
كان هذا وحده كافيًا لإظهار مدى غضبه وجنونه.
كان من المعجزات أنه انتظر مضي عشرة أيام.
وبينما كان بانجانغ هائماً بأفكاره لفجأة اتسعت عيناه وتوقف عقله عن التفكير، كان الأمر للحظة واحدة لكن التعبير الذي أبداه تشيونغ ميونغ كان كفيلاً لبث الرعب في جسده.
بدأ شعور غريب يتسلل إلى قلبه، حيث تلاشت الراحة التي شعر بها لوجود تشيونغ مون بلا عودة.
فحتى هو الآن بدا عاجزًا عن فعل أي شيء، بدا كما لو أن كلماته لن تلقى صدى في أذني تشيونغ ميونغ.
حينها أدرك بانجانغ بوضوح أن الكلمات التي سينطق بها تشيونغ ميونغ ستحدد مصيره وحياته.
في تلك اللحظة، كان الصمت يلف المكان، وكأن الزمن قد توقف.
كانت الأنفاس تتعالى خافتة، والقلوب تتسارع، بينما انتقلت نظراتهم بين تشيونغ ميونغ والكنوز المتلألئة، وكأنهم في مشهد من كابوس لا ينتهي.
على الجانب الآخر، كان تشيونغ مون هائماً بأفكاره، وكأن ثقل العالم كله يتجمع فوق كتفيه.
كان يشعر بهاوية سحيقة تحت قدميه تسحبه بقوة، وكأن الأرض قد تخلت عنه.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يقاطع فيها تشيونغ ميونغ كلماته، لكنه كان يعلم أن الاستمرار في الضغط عليه سيجبره في النهاية على الانصياع.
لكن كلمات تشيونغ ميونغ السابقة كانت كالسيف المسلط على عنقه.
لم يقصد تشيونغ ميونغ جرحه بالتأكيد، لكنه كان كفيلاً بجعله يرى الموت آلاف المرات، وشعور الخسارة يلتف حول قلبه كعقدة لا تُفك.
في تلك الأثناء، كانت عيناه تتجهان مرة أخرى نحو الفراغ الذي خلفته الذراع المفقودة، مما زاد من إحساسه بالعجز.
أغلق عينيه، مسترجعاً ذكريات ذلك اليوم المرير.
رائحة الموت تغطي المكان، مختلطة برائحة الدماء.
الأرض كانت رطبة، مشبعة بالدماء الحمراء، والأشلاء المتناثرة كالتذكارات المؤلمة عن الفقدان.
لم يكن هناك أثر للحياة؛ فقط موت ومأساة وسط ذلك الخراب.
كان يتخيل شعور تشيونغ ميونغ وهو يقف هناك وحيداً بعد أن انتهت الحرب.
كان يعلم أكثر من أي أحد أن تشيونغ ميونغ، وعلى عكس ما يبدو، كان حساساً ويخفي بداخله لطافة تعكس عمق إنسانيته.
استشعر تلك الهمسات الخفية من مشاعره، وبدا له أن تشيونغ ميونغ واجه العالم بشجاعة، بينما كانت أحزانه تتدفق داخله كالأمواج العاتية.
ما شعر به في تلك اللحظة كان بالتأكيد أعمق من مجرد الغضب أو الأسى.
كانت كسم زاحف يتسلل إلى عروقه، يحرق جوارحه، ويثقل صدره بسلاسل من الندم والذنب.
كما لو كان الهواء حوله يشتعل، وكأن كل شهيق وزفير يجره نحو هاوية سحيقة.
لم يستطع فعل أي شيء.
لم يستطع حمايتهم.
كانت تلك اللحظات تتكرر في ذاكرته ككابوس، وهو يعيد ذلك الشريط حيث يتوجب عليه مراراً وتكراراً الوقوف وهو يرى الموت يخطف أرواح رفاقه واحدًا تلو الآخر، مضطرًا للسير فوق جثثهم، مستمراً بالقتال.
لأنه واجبه، لأنه الأقوى.
لطالما كان وحيدًا في قمة العظمة، كان ينظر إلى الأسفل في بعض الأحيان، يرجو أن يقترب منه أحد، ولكن في عينيه كان الجميع ضعفاء، عديمي الفائدة، مثيرين للشفقة.
لذا كان يشعر بأنه الشخص الذي ينبغي عليه القتال.
الشخص الذي يجب أن يموت.
لكن في ساحة المعركة القاسية تلك، لا مكان للرحمة أو الضعف.
هنا، البقاء للأقوى فحسب، هنا حيث تُنتزع الحياة من الأرواح البريئة بلا رأفة.
ومع ذلك كان مشهد موتهم أشد مما يمكن لقلبه أن يحتمل، كل صرخة، كل أنين، كان يشعر به كما لو كان يصدر من داخله.
رغم أنه حاول بكل جهده أن يُظهر عدم الاكتراث ورباطة الجأش، إلا أن داخله كان ينهار شيئًا فشيئًا مع كل نظرة إلى الأجساد المتناثرة حوله.
كانت تموج مشاعر الألم والحزن والخوف في أعماقه، وهو يرى الحياة تتسرب ببطء من أعين رفاقه المغمورة في الظلام.
كل همس أخير، كل انقباض آلم، كانت تصيبه كطعنات خنجر في قلبه.
كان يتمنى لو يستطيع إنقاذهم، لو يستطيع إيقاف هذا النزيف المروع الذي يُفرغ أرواحهم واحدًا تلو الآخر.
لكن في ظل هذه المعركة، لم يكن أمامه سوى أن يقف صامدًا، مُظهرًا قوة لا يشوبها تردد، حتى لا تذوي تضحيات هؤلاء الشجعان في عبث لا طائل منه.
لذا ورغم أنه كان يشهد كيف تتسرب الحياة من أعين رفاقه، كيف تفقد أجسادهم حرارتها، كان عليه أن يتظاهر بعدم الاكتراث، أن يقف بشموخ، لتكون تضحياتهم حقيقية، لتجنب أن تتحول شجاعتهم إلى عبث.
كل تلك المشاعر بدأت تتسلل إلى قلب تشيونغ مون وهو يراقب ظهر أخيه، واجتاحته مشاعر متناقضة من القلق والندم.
كان ظهر تشيونغ ميونغ، المنحني قليلاً، يعبّر عن عبء ثقيل يثقل كاهله، وكأن الجبال قد استقرت عليه.
شعور بالذنب يتسلل إلى أعماق روحه، كحبل مشدود يقطع أنفاسه ببطء، بطريقة ما وعلى الرغم من مواقفهما كانت مشاعرهما متشابهة، كل منهما عد نفسه المسؤول عن تلك التضحيات.
كان تشيونغ مون هو الشخص الذي دفع بتشيونغ ميونغ إلى أخطر الأماكن وهو من حمله تلك المسؤولية.
شيئاً فشيئاً شعر بحرارة غريبة تتسلل إلى جسده، كأن نيرانًا خفية تشتعل في عروقه.
شعور مرير يلتف حول روحه، كدوامة عميقة تدور بلا هوادة، وكأن حربًا ضروسًا تجري في داخله، تشتت أفكاره وتغرقه في بحر من الذكريات المؤلمة.
رفع رأسه ببطء، وعينيه التقتا بوجه تشيونغ ميونغ، الذي كان غارقًا في تأمل الكنوز المتلألئة أمامه، وكأن تلك الأغراض الثمينة تعكس كل ما فقدوه.
زعماء الطوائف من حوله كانوا يراقبونه بتوجس، وملامحهم تتجلى بين الخوف والريبة.
وفي عيني تشيونغ ميونغ السوداويتين، اجتمع أسى العالم بأسره، وبرزت المرارة كأنها تعصر قلبه، مما زاد من شعور تشيونغ مون بالضياع.
ما الذي يمكن أن يقوله في مثل هذه الأوقات؟ كيف يمكن للمرء أن يخبر الغريق أن يتنفس، وأنه أقوى من الماء، بينما هو يغرق في أحزانه وندمه؟
تسرب الصمت إلى أذنه كصدى بعيد، وكل كلمة كانت تتردد في ذهنه، لكنه لم يستطع النطق بأي شيء.
كان هناك شعور بأن الأمل قد تلاشى، وأن الكلمات كانت عبئًا ثقيلاً لا يستطيع حمله، في حين أن عذابات الماضي كانت تتراقص أمام عينيه كأشباح لا تنتهي.
خرجت من فمه تنهيدة عميقة، تكاد تتمزق لها ضلوعه.
كان قد اتخذ قراره:
هذه المرة، سيكون هو من يتراجع.
بينما كان تشيونغ مون يحدق في ظهر أخيه، كانت مشاعر الذنب تتسلل إلى أعماق روحه مثل سم زعاف يلتف حول قلبه.
كان يعلم أنه الشخص الذي دفع بتشيونغ ميونغ إلى أخطر الأماكن، وأحاطه بعبء المسؤولية الثقيلة.
في تلك اللحظة، بدأ جسده يتفاعل مع تلك المشاعر، فشعر بحرارة غريبة تتسلل إليه، كأن حربًا تدور في داخله، بينما كان يرفع رأسه ببطء.
عينيه تلاقتا مع عيني تشيونغ ميونغ، الذي كان يحدق في الكنوز المتلألئة أمامه، بينما كان زعماء الطوائف يراقبونه بقلق واضح.
في تلك الأثناء، كان السيوف الخمس يركضون بجنون بين المخزن والغرفة، تتصاعد أصوات أقدامهم المتعجلة على الأرض الخشبية، في حين كانت رائحة الغبار تتسلل إلى أنوفهم.
لكن تشيونغ ميونغ الذي راح يحدق بهم بدت ملامح وجهه تعكس استياءً واضحًا.
حاجباه كانا مرفوعين، وعيناه اللامعتان كانتا تحملان نظرة حادة ومليئة بالتساؤل.
كان ينقر على لسانه بانزعاج، والاهتزاز الطفيف في يده كان يعكس القلق الذي يسيطر عليه.
بدا جسده مشدودًا، وكأنه يقاوم رغبة في الانفجار، مما جعل حركاته تبدو متوترة وغير متوازنة.
جفل السيوف الخمس عند ملاحظة ذلك وتراجعوا للخلف برهبة وهم يتساءلون بصمت: ما الأمر معه الآن؟
"أليس لديكم عقل؟"
"هاه؟"
جاء الرد مرتبكًا من أحدهم.
"لما قمتم بإحضار كل شيء؟"
تابع تشيونغ ميونغ كلماته مشيرًا إلى زعماء الطوائف الذين جفلوا عند إشارته.
"هذا.."
"إنه فقط أصلع شاولين وزعيم وودانغ ونامجونغ. فلما جلبتم كل شيء أيها الحمقى؟"
حينها كان بانجانغ يحاول التدخل، مشيرًا إلى ضرورة جعله يعيد تلك الكنوز لأصحابها، لكن تشيونغ ميونغ قد أوقفه بحركة يده، كما لو كان يطرد ذبابة مزعجة.
"ماذا لو أتى الآخرون إلى هنا فيما بعد؟ ما الذي سأقوله لهم؟ أوه، للأسف، ذهبت كنوزكم الثمينة في الصندوق الخيري لشاولين؟"
عند تلك الكلمات كان زعيم شاولين في حالة من الصدمة المذهلة، اتسعت عينيه بشكل غير طبيعي، وكأنما وقع على مشهد لا يُصدق.
كان وجهه شاحبًا، وتعبير الدهشة مختلطًا مع الإهانة، مما جعله يبدو وكأنه فقد القدرة على التفكير.
بينما كان يفتح فمه ليعبر عن استنكاره، لم تخرج منه سوى همسات ضعيفة.
كما كانت يداه ترتجفان قليلاً، وكأنهما تحاولان الإمساك بشيء غير مرئي.
لم يكن قادرًا على استيعاب العبثية التي يعيشها، وكلمات تشيونغ ميونغ كانت كالصاعقة التي تتردد في أذنه، تاركةً إياه مشلولاً أمام إهانة لا تُحتمل.
لكن تشيونغ ميونغ بلا مبالاة راح يقترب من الكومة وأخذ منها تمثال بوذا وحبوب وودانغ والكنز الثمين لنامجونج ووضعهم على الطاولة وهو يقول:
"الآن يمكننا متابعة حديثنا."
لوهلة، بدا أن بانجانغ قد نسي كيف يتحدث أمام هذا المشهد العبثي.
أيشكك في نزاهة معبد شاولين؟ هل يعتقد حقًا أننا سنسرق كنوز بقية الطوائف؟
عندما لاحظ تشيونغ ميونغ تعبيرات بانجانغ المصدومة، أمال رأسه كما لو كان لا يفهم سبب عدم سعادته.
حاجباه كانا مرفوعين، وعيناه الداكنتان تحملان نظرة استغراب.
"لما لا تبدو سعيدًا لقد أعدت كنوزك؟"
ثم صاح فجأة، كأنه أدرك الأمر.
"آه، أتفهم ذلك. كان من الصعب علي أيضًا التخلي عنها، لكن تعلم كيف سيكون موقف جبل هوا إذا سئل عنها لاحقًا وكانت بحوزتكم؟ هذا ليس جيدًا لسمعتنا."
سمعة؟
سرقة؟
كانت هذه الكلمات كالسكاكين تغرس في قلب بانجانغ، مشاعر الغضب والحرج تتصاعد في داخله.
كيف يُعقل أن يتهم جبل هوا شاولين باللصوصية؟ ومع ذلك، تمالك نفسه وراح يبتسم بخبث.
"لست واثقاً مما يعنيه سيجو بكلامه هذا، لكنه يجعلني أتساءل... هل هذه هي نية جبل هوا الأساسية لدرجة أنك ترى الآخرين كمرآة؟"
تعبير وجهه كان مزيجًا من الاستنكار والدهشة، بينما كانت يداه ترتجفان قليلاً، يحاولان السيطرة على الانفعالات المتضاربة في داخله.
"إذا كان سيجو يتخلى عن هذه الكنوز بسهولة فقط لإيذاء سمعة شاولين، فأرجو منك أن تتوقف عن ذلك."
عندها نظر إليه تشيونغ ميونغ كما لو كان مذهولاً، ثم أمال رأسه كما لو كان يتسائل عن المنطق وراء كلمات بانجانغ.
"ما الأمر سيجو؟"
"لا، أنا حقًا كنت أتساءل," رد تشيونغ ميونغ بصوت هادئ، لكن نبرته كانت تحمل تحديًا.
"ما الأمر؟"
"أي سمعة هذه التي تتحدث عنها؟" ثم التفت إلى السيوف الخمس وسألهم.
"هل تعلمون ما الهراء الذي يتحدث عنه؟"
السيوف الخمس كانوا في حالة من الذهول، وكأنهم عالقون في مشهد غير مألوف، يشعرون بأنهم مجرد متفرجين في عرض لا ينتمون إليه، كأنهم ضحايا لمعركة لا ينتمون إليها.
"هاه؟"
"لا، أنا حقًا أسأل لأنني لا أفهم. أعني، لا أعتقد حقًا أنني مضطر لفعل شيء. ألا تعتقد ذلك؟ بين جبل هوا وشاولين، من تعتقد أنه مؤهل لمناقشة السمعة؟"
كانت كلماته تتردد في الهواء، مثل صدى في وادٍ عميق، بينما كانت عيون الجميع تتجه نحو تشيونغ ميونغ، الذي كان يقف كالنجم المتألق في سماء مظلمة، غير مكترث بالعواصف التي تدور حوله.
راح بانجانغ يصرخ بقوة، لكن قبل أن يكمل كلماته، لوح له تشيونغ ميونغ بيده بشكل غير مكترث.
"آه، أعلم أنني وقح، أليس كذلك؟ هل يمكننا الآن الحديث عن المهم؟ كنوزكم معكم، فما أنتم صانعون؟"
حينها لم ينطق بانجانغ بأي شيء لا بل أبت الكلمات أن تفارق شفاهه.
وقف يحدق بتشيونغ ميونغ، وعيناه تشعان غضبًا.
لو أن النظرات بإمكانها قتل أحد، لكان تشيونغ ميونغ قد تحول لأشلاء تحت وطأة نظراته.
وفي تلك الأثناء، بدأ زعيم وودانغ، الذي ظل صامتًا طوال الوقت، بالكلام بصوت هادئ بينما يقرب فنجان الشاي من فمه.
"لقد سألت ما الذي ننوي فعله ببقايا الطوائف الشيطانية؟"
بدأت نظرات تشيونغ ميونغ تهتز كما لو كان يستمع باهتمام لكلماته، وأجابه بصوت منخفض:
"أجل."
رد زعيم وودانغ ببرود:
"لا شيء."
"لا شيء؟"
أعاد تشيونغ ميونغ كلماته بشيء من الحدة والغضب، لكن زعيم وودانغ استمر بهدوء بينما يشرب الشاي، عاقدًا حاجبيه كأنه يتوقع ردود فعل غير سارة.
"لا أعلم ما الذي كنت تتوقعه بفعل هذه الحركة الطفولية."
"طفولية؟"
قال تشيونغ ميونغ، مستاءً، لكن زعيم وودانغ تابع، دون أن يتأثر
"ولكن لا يوجد شيء يمكننا فعله. لقد خسرنا الكثير في هذه الحرب. سيكون من الغباء أن نتابع الحرب ونخسر أكثر لإنهائهم فقط."
"هل يعتقد رب نامجونغ ذلك أيضًا؟"
اجاب رب نامجونغ بعزم، لكن وجهه كان متجهمًا وهو يحاول السيطرة على مشاعره
"أنا لا أتفق مع ما قاله."
"إذا؟"
"لكنني لا أعتقد أنه من الحكمة مطاردتهم الآن."
في تلك اللحظة، انفجر تشيونغ ميونغ بالضحك، وكانت ضحكته تتردد في الغرفة كالرصاص، تستنزف أرواحهم وكأنها تطعن بهم وتذكرهم بعارهم وخزيهم.
"حكمة؟ يالها من نكتة جيدة، لم أعتقد أنه سيأتي اليوم الذي أسمع فيه هذه الكلمات من رب نامجونغ."
وفجأة تغيرت ملامح وجهه، وهبطت يده بقوة على الطاولة، مما أحدث صوتًا مدويًا في المكان.
"ياله من هراء لعين قذر! لما لا تكون صادقًا؟ أنت فقط لا تريد أن تتحمل المسؤولية، وتبدو وكأنك تأمل أن جبل هوا سيتولى ذلك هذه المرة أيضاً."
"سيجو، أعتقد أنه كثير جداً. استمرارك بلومنا، أليس جبل هوا هو من اختار الوقوف بالطليعة؟ فكيف يكون ذلك خطأنا؟"
بينما كان الحوار يتصاعد، بدأ بانجانغ يتململ، وعيناه تتنقلان بين الحاضرين، لكن تشيونغ ميونغ استمر، ووجهه مشحون بالتحدي.
"ليس خطأكم؟"
سخر تشيونغ ميونغ، بينما أشار بإصبعه.
"بينما كان جبل هوا يقاتل ويقدم التضحيات، قد أديتم واجبكم، أليس كذلك؟ لا بد أنها مهمة صعبة التمسك بتمثال بوذا والتوسل، لا؟"
تردد صدى كلماته في الهواء، وكأنها طلقات نارية تخترق صمت الغرفة. كانت الأضواء خافتة، ورائحة الشاي الساخن تمتزج برائحة الخشب المحترق، مما يضيف إلى أجواء التوتر.
"سيجو، كلماتك هذه..."
حاول بانجانغ أن يتحدث، لكن صوته كان مهتزًا، وكأنما الكلمات تتعثر في حلقه.
"سيجو، أنت الآن متأثر بعواطفك. يجب أن تهدأ، هذه الأمور لا يجب أن تُؤخذ هكذا، يجب أن تتحلى بالمنطق!"
"منطق؟ تقول منطق؟ ها!"
قاطع تشيونغ ميونغ، وابتسامة ساخرة ترتسم على شفتيه.
كأنما كان يستمتع بموقفهم، بينما كان الغضب يتسلل إلى صوته.
فجأة، جفل بانجانغ، حيث لم يكن يتوقع ما حدث.
بلمح البصر، كان سيف تشيونغ ميونغ يلمع كالشمس، وقد وُجه نحو رقبة أحد الشيوخ الذين حضروا معه.
"سيجو..."
همس الشيخ، وعيناه تتسعان في ذهول.
"نشيونغ ميونغ!"
صاح تشيونغ مون، وقد انتزعته الصدمة من هدوءه.
لكن قبل أن يكمل كلماته، بدأ خط أحمر رقيق يتشكل على رقبة الشيخ، وكأنه يروي قصص الدماء المسكوت عنها.
بدا أن كل شيء يتوقف حولهم، ولم يكن هناك سوى صوت خفقان قلب الشيخ الذي يتزايد بشكل ملحوظ.
عندما أخرج تشيونغ ميونغ سيفه، كان لمعان المعدن يضيء في ضوء الغرفة الخافت، وكأن السيف نفسه كان ينتظر هذه اللحظة.
عندما وضع حافة السيف على رقبة الشيخ، تجمدت ملامح الشيخ، وشعر بشيء بارد ينساب على جلده.
كانت عيون تشيونغ ميونغ تراقب الشيخ باهتمام، بينما كان يبتسم ابتسامة ساخرة، تعكس مزيجًا من القوة والاستخفاف.
"ما رأيك إذا أن تناقشني بالمنطق بعد أن أقطع رقبته؟"
قالها بصوت منخفض، لكن كل كلمة كانت كالرصاص تصيب الهدف بدقة. كانت كلماته تتردد في الهواء، محملة بالتهديد.
"سيجو، لا تفعل شيئًا ستندم عليه لاحقًا!"
حاول بانجانغ أن يتدخل، لكن صوته كان مليئًا بالخوف.
"لا أعلم، لدي الكثير لأندم عليه، وإضافة شيء آخر لن يغير الأمر."
كانت كلمات تشيونغ ميونغ تنبعث كالرصاص، حادة وقاطعة، بينما كان ينظر إلى الشيخ الذي كان يرتجف من الخوف.
عم السكون في الغرفة وكأن أنفاس الجميع توقفت، بينما كانت الأعين تتنقل بين تشيونغ ميونغ والشيخ، تنتظر ما سيحدث بعد ذلك.
كان الشيخ يتنفس بصعوبة، وكأن الهواء قد فقد معناه، بينما كانت عرق بارد يتصبب من جبينه.
تشيونغ ميونغ، الذي شعر بارتباكهم، استمر في الابتسام، مما زاد من توتر الموقف.
"هذا يكفي، سئمت حقًا من هذا الهراء."
كانت كلماته واضحة وحادة، وكأنها تقطع الصمت الذي خيم على المكان.
ومع لحظة من الهدوء، أعاد سيفه إلى غمده، مما أطلق سراح التوتر الذي كان يسيطر على الجو.
بينما سقط الشيخ المرتعب على الأرض، تنفس بعمق، كالغريق الذي يخرج من تحت الماء، محاولًا استعادة رباطة جأشه.
ومن ثم تقدم تشيونغ ميونغ بخطوات ثابتة نحو كومة الكنوز المتراصة، بينما كانت رائحة الخشب القديم والمعدن تملأ الهواء، ممزوجة بشيء من الغموض والتهديد.
عندما وصل إلى الكومة، رفع قدمه وضربها بقوة، مما أدى إلى انزلاق الكنوز والارتطام بالأرض، كأنما يطرد كل ما هو غير مرغوب فيه.
بدت الكنوز المتناثرة كأشلاء من ماضيه الثقيل.
ضحك بمرارة وهو ينظر إلى الفوضى التي أحدثها، وكأنما يعكس جميع خيبات الأمل والعار الذي حمله.
ثم التفت إليهم، وعيناه تتقدان بنار الغضب، أشار بيده نحو الباب، وقال بصوت قوي، يملؤه الغضب والازدراء
"اخرجوا!"
صدى الصوت كان كالرعد في صمت الغرفة، وأشعل شرارة الفوضى في نفوس الحاضرين.
"لا أريد رؤية وجوهكم اللعينة في هذا المكان!"
كانت نبرته أكثر من مجرد أمر، بل كانت تحذيرًا يحمل في طياته الغضب والازدراء.
وكأن تلك الكلمات كانت تتدفق من أعماق قلبه، مما جعلهم يتراجعون إلى الوراء، غير قادرين على مواجهة تلك النيران التي كانت تتأجج في عينيه.
في تلك اللحظة، لم يكن هناك مجال للشك. كان تشيونغ ميونغ، الذي يقف كجبل من الصمود، قد اتخذ قراره. ومنذ تلك اللحظة، أعلن بوضوح
"جبل هوا منذ اليوم لا علاقة له بتحالف الطوائف العشر."
وبهذا، أرخى سكونه، تاركًا الجميع في حالة من الصدمة والارتباك.
...............................................................................................
صوت تشيونغ ميونغ الحاد غلف الغرفة بصمت قاتل، فكانت الأنفاس تتقطع في الهواء، ورائحة الخشب المحترق من الشموع تتداخل مع رائحة العرق المتصاعد من الحاضرين.
عيون الجميع كانت متوجهة نحو تشيونغ ميونغ، الذي وقف بثقة، وكلماته الأخيرة تتردد في أذهانهم كالصدى.
بانجانغ كان في حالة من الذهول.
شحوب وجهه كان واضحًا، وعيناه تتسعان في صدمة. كأنما أصيب بصاعقة، لم يكن قادرًا على استيعاب ما سمعه.
شفاهه ارتجفت قليلاً، لكنه حاول أن يظهر بمظهر الهدوء.
يديه، على الرغم من ذلك، كانت ترتجفان خفية، بينما كان ينظر إلى تشيونغ ميونغ وكأنما يبحث عن دليل يبرر تصرفاته.
زعيم وودانغ جلس في صمت، بدا وكأنه شلته الكلمات.
كان يتنفس بعمق، محاولًا استيعاب ما يجري. عينيه كانت تتابع تشيونغ ميونغ بقلق، وفي داخله كان يواجه صراع حاد.
كما تجمدت ملامح رب نامجونغ، وكأن الكلمات التي سمعها أخرسته.
كان يتململ في مقعده، يحاول التمسك بكلماته، لكن الغضب الذي بدأ يتسرب إلى قلبه جعل من الصعب عليه أن يبقى هادئًا.
كانت نظراته تتجه نحو تشيونغ ميونغ، محاولًا قراءة نواياه خلف تلك الابتسامة الساخرة.
أما السيوف الخمس، فقد كانوا في حالة من عدم الارتياح، يتبادلون نظرات غير مريحة.
صمت الغرفة كان مقيدًا، بينما كان صوت التنفس المتقطع للحاضرين يُسمع بوضوح.
تشيونغ ميونغ، الذي كان يقف بثقة وكأنه يسيطر على الموقف، أشار بيده نحو كومة الكنوز التي تكتظ بالأشياء الثمينة، وكأنما يتحدى الجميع.
"هذا يكفي، سئمت حقًا من هذا الهراء."
تدحرجت كلماته كالرعد في سماء ملبدة، مما زاد من حدة التوتر في الأجواء.
في تلك اللحظة، تجمدت الأجساد، وجاءت نظرات الجميع نحو بعضهم البعض، تتساءل عن الخطوة التالية.
وبعد لحظات من الصمت بدأ بانجانغ بالكلام، بدا كما لو كان يحاول بصعوبة أن يظهر بمظهر الحكيم، فصوته خرج هادئًا كما لو كان شيخًا ينصح طفلًا صغيرًا.
" سيجو، لا أعتقد أن هذا قرار يتخذ بناءً على مشاعرك."
على الرغم من الغضب المتأجج في داخله، كانت كلماته تحمل صدقًا لا يمكن إنكاره، مما أضاف إلى التوتر في الجو.
كان تشيونغ ميونغ يدرك تمامًا تلك المشاعر، وكان ذلك ما أثار استيائه، ذلك النفاق المقزز، الإيمان المثير للاشمئزاز بأنه على صواب، كل ذلك جعل نظراته الحادة تخترقه لتبث القشعريرة في جسد بانجانغ، ومن ثم قال بنبرة منخفضة
"أعتقد أن لديك ما يكفي للقلق بشأنه لدرجة سقوط شعرك بأكمله لا داعي لإضافة شيء آخر ألا تعتقد ذلك؟"
خرجت كلماته الساخرة بهدوء، لكن الهدوء الذي يكتنفها كان كهدوء البحر قبل العاصفة.
كان هناك شيء مقلق في تلك السكينة، وكأن أمواج الغضب تختمر تحت السطح.
تحركت شفتا تشيونغ ميونغ ببطء، لكنه كان يضبط نفسه، محاولًا كبح العواصف الداخلية التي تجتاحه.
حينها أدرك بانجانغ أن لا فائدة ترجى من النقاش مع تشيونغ ميونغ وأن الأمور قد بلغت نقطة اللا عودة، لذا التفت بنظراته نحو تشيونغ مون، الذي كان جالسًا في صمت، ملامحه تعكس تفكيرًا عميقًا.
"هل هذا موقف جبل هوا؟"
سأل بانجانغ بصوت مفعم بالشك، مُحاولًا نقل الحوار إلى شخص آخر، كأنه يبحث عن دعم في وجه العاصفة.
تشيونغ مون، الذي كان يجلس هادئًا، وكأنه تمثال لا يتأثر بالمعركة الكلامية التي تدور حوله.
كانت ملامح وجهه باردة، عينيه تتنقلان بين تشيونغ ميونغ وزعماء الطوائف والسيوف الخمس، وكأنما يراقب المسرحية من بعيد.
"منذ أن قررت الصمت، كنت قد تركت الأمر له، لذا أجل، يمكنك اعتباره كذلك."
جاء رده هادئًا، لكنه كان يحمل في طياته توترًا غير مُعلن.
حينها وبينما كان بانجانغ يعض شفتيه بقوة وهو يحدق بتشيونغ مون تكاد نظراته تثقبه من حدتها، نهض زعيم وودانغ ورب نامجونغ، لذا تملك بانجانغ شعور بالذهول وكأنما كُسرت أصفاد عالمه.
"ما الذي تفعلانه؟"
سأل، صوته يرتجف قليلاً، وكأن الكلمات تخرج من بين شفتيه بعناء.
رد زعيم وودانغ بنبرة حاسمة، تحمل في طياتها اللامبالاة
"لقد حصلنا على ما جئنا لأجله. ما الداع لبقائنا إذا؟"
بدأ بانجانغ يشعر بأن الأرض تنسحب من تحت قدميه.
كان يدرك أن قرارهم يعني نهاية شيء ما، لكنه لم يكن مستعدًا لذلك.
عواطفه كانت تتصارع، وتظهر على وجهه مزيج من الخيبة والغضب، بينما استمر في تحديقهم، كأنهم يبتعدون عنه في زوبعة من الغموض.
مع انطلاقهم، أدرك بانجانغ أنه لا يملك القوة لتغيير مجرى الأمور.
وبصمت، نهض من مكانه، يجر أذيال الخيبة وراءه.
قبل أن ينصرف، التفت نحو تشيونغ ميونغ، الذي كان يسد الباب أمامهم، عازمًا على عدم بالرحيل بهدوء.
"ستندم على قرارك هذا، سيجو."
كانت كلماته تحمل ثقل الندم، لكن صوته لم يكن أكثر من همسة تتلاشى في الهواء.
تشونغ ميونغ، الذي كان يبتسم بسخرية، أجابه بنبرة هادئة لكن متسلطة،
"ربما. ولكنني سأجعلك تندم على ما سبق قبل ذلك."
وبعد خروجهم، خيم صمت ثقيل على الغرفة، كأن الهواء قد تجمد.
كانت الجدران المظلمة تتردد فيها صدى الأحاديث المتوترة التي مرت، بينما كانت الأضواء الخافتة تلقي ظلالًا غامضة على الوجوه.
كان تشيونغ ميونغ يقف، يراقب الفراغ الذي خلفوه، قبل أن يلتفت نحو تشيونغ مون بابتسامة مُحرجة، وهو يفرك رقبته بحركة عصبية.
"هاهاها، ساهيونغ، أنا آسف. لم أتمالك غضبي، لذا..."
تشيونغ مون، الذي كان يجلس على الكرسي أمام الطاولة، بدت عليه السكينة الغامضة، لكن صمته كان أكثر إزعاجًا من أي صراخ.
كان وجهه مُتعكرًا قليلاً، وعيناه مغمورتان في تفكير عميق.
تسرب القلق إلى قلب تشيونغ ميونغ، حيث كان يعرف أنه عادةً ما يثور عند أي تصرف غير محسوب.
"ساهيونغ؟"
كرر تشيونغ ميونغ، صوته يحمل لمسة من القلق، وهو يتفحص تعابير تشيونغ مون التي كانت تتراوح بين الاستغراب والجدية.
بينما كان السيوف الخمس يقفون في أماكنهم، عيونهم تراقب الموقف بترقب.
بدا من المثير رؤية تشيونغ ميونغ، الذي عادة ما يتمتع بالثقة، مضطربًا أمام أعينهم.
رفع تشيونغ مون يده من على رأسه، وكأنه كان يحاول تنظيم أفكاره.
ثم أطلق تنهيدة عميقة، وكأنما يستجمع شجاعته، وقال بصوت هادئ، لكن عميق
"هل خططت لهذا منذ البداية؟"
اتسعت عينا تشيونغ ميونغ بشيء من الدهشة، وكأنما تعرض لصاعقة.
تلاها ابتسامة ماكرة، كأنما وجد في السؤال فرصة للتمويه.
"ها؟ هل كنت تعلم؟"
"أتعتقد أنني لن أعلم؟"
في تلك اللحظة، كان تشيونغ ميونغ يشعر بشيء من الدهشة.
كان يعلم أن ساهيونغ قد يقرأه بسهولة، وأن أي محاولة لإخفاء نواياه قد تكون بلا جدوى.
وبينما كان التوتر يملأ الأجواء كغيمة مظلمة، بدأ السيوف الخمسة يتحركون بهدوء نحو الباب.
كانت خطواتهم خفيفة كأنها نسمات هواء باردة، لكن قلوبهم كانت تتسارع، تتراقص مع كل نبضة، تشعر بالبرد الذي غمر المكان وكأنه شتاء قارس قد حلّ فجأة.
تشيونغ ميونغ، الذي قابلوه هنا، كان يبدو مختلفًا تمامًا عن الشخص الذي اعتادوا عليه.
كان اليوم، وكأنه ظل من نفسه السابقة، حيث انطفأت حرارة روحه، تاركة وراءها برودة شديدة تخيم على الأجواء، وكأن المكان نفسه قد فقد الحياة.
صمت رهيب قد غلف المكان لكن وفي اللحظة التي اقتربوا فيها من الباب، قُطع هذا الصمت بفعل صوت بارد، يتردد كأنه صدى جليد يتكسر.
"مكانكم."
كانت كلمة واحدة فقط، لكنها حملت قوة كالسوط، جعلت الدم يتجمد في عروقهم.
توقفت خطواتهم، وكأن سلاسل غير مرئية قد قيدتهم.
عيونهم، التي كانت تملؤها الشكوك، ارتفعت لتلتقي بنظرات تشيونغ ميونغ، التي كانت تحمل سكونًا قاتلًا.
كان صوته خاليًا من التعاطف، وكأنه يخرج من أعماق جبل جليدي، باردًا وصامتًا.
صوت خطواته هو الوحيد الذي كان يتردد في الأجواء المليئة بالتوتر، يقترب منهم ببطء، وكأن كل خطوة تحمل معها ثقل العالم.
كانت الأجواء تتكثف حولهم، حتى الهواء قد بات ثقيلاً، يصعب التنفس فيه.
خفقت قلوبهم بشدة، وكأنها تحاول الهروب من هذا الموقف المرعب.
عندما أخرج سيفه من غمده، أصدر صوتًا يشبه صرير الجليد، مما زاد من رهبتهم.
كانت حركته دقيقة، متقنة، وكأنما يرقص على حافة الخطر.
حاول بايك تشيون أن يتحدث، كمن يبحث عن مخرج من كابوس لا نهائي.
"تشيو..."
لكن قبل أن يتمكن من إنهاء كلماته، كان سيف تشيونغ ميونغ قد رسم خطًا أحمر على رقبته، كأنه يخط رسمة دموية على قماش الحياة.
لم يدرك بايك ما حدث حتى شعر بحرارة الدم تتسرب من جرحه، تتنقل ببطء وكأنها تسجل كل لحظة من الألم، بينما كان جسده يرتجف بشكل لا إرادي، كأنما يتوسل للرحمة.
توقفت الأنفاس للحظة، وكأن الزمن قد تجمد.
حاول أن يتحدث، لكن الكلمات خانته، وكأنها محبوسة في حنجرة مختنقة.
في تلك اللحظة، كانت عيون أصدقائه تتوسل إليه، مليئة بالصدمة والرعب، وكأنهم يشاهدون مشهدًا من كابوس يتكرر بلا نهاية.
"لماذا؟"
همس في نفسه، بينما كانت الأفكار تتصارع في عقله.
تسارعت دقات قلبه، بينما كان سيف تشيونغ ميونغ لا يزال يتلألأ في ضوء خافت، كأنه يحمل وعدًا بالمزيد من الألم.
بدا الشحوب جلياً على وجه بايك تشيون وقد فقد لونه، بينما كانت مشاعر الخوف والقلق تتجلى في عينيه، وكأن الوعي بالواقع قد غمره في دوامة من الهلع.
نظرات تشيونغ ميونغ كانت قاتلة، تحمل برودة عميقة كعاصفة ثلجية.
أكان غاضبًا؟ حسناً فهذا ليس بالأمر الغريب عنه، لكن ما رأوه كان شيئًا مختلفًا تمامًا: وجه خالٍ من التعبير، وعينان باردتان كالصقيع، كأنما تمسك بزمام الأمور حتى آخر لحظة.
لم يستطع بايك فهم تلك النظرات، لما؟
كان تشيونغ ميونغ هو الساجيل الخاص بهم، الشخص الذي علمهم كل شيء، تلميذ جبل هوا.
رغم تذمره الشديد وتنمره عليهم في كل فرصة، ورغم قسوته، إلا أن تلك التصرفات كانت مألوفة، تخفي في طياتها اهتمامًا شديدًا بهم.
كان وكأن قسوته كانت تعبيرًا عن حرصه عليهم، حتى لو كان ذلك يتضمن بعض المرح المزعج.
"أه، عدا جزء التنمر، ذلك الوغد كان يستمتع بذلك فقط!"
فكر بايك، بينما كانت ذكريات الماضي تتجلى أمامه.
لكن كل شيء فيه كان مختلفًا الآن.
النظرة التي كان يوجهها إليهم كانت تحمل شيئًا غريبًا، كأن رغبته في تقطيع أعناقهم صادقة، وكأن هناك جليدًا يملأ المسافة بينهما.
الصوت الذي خرج من فمه كان يحمل نبرة باردة، تشبه صرير السكاكين الحادة.
"إذاً، ما سبب تجسسكم على المكان؟"
عند تلك الكلمات، شعر بايك أن العالم من حوله يتلاشى، وأنه محاصر بين جدران من الخوف والارتباك.
"تجسس؟"
اتسعت عيناه بذهول.
(قد لمعت عينااااه...أسفة كملوا)
بالتأكيد، ما فعلوه هو التجسس، نعم، فلا يجب على التلاميذ محاولة الاستماع أو التنصت على زعيم الطائفة.
لكن في جبل هوا، الذي اعتادوه، كان هذا سلوكًا مألوفًا.
بل عوضًا عن التجسس، كانوا يتواجدون في كل اجتماع، يشاركون في كل نقاش.
تجمدت أفكارهم للحظة، بينما بدأوا يدركون شيئًا مهمًا.
تشيونغ ميونغ الموجود أمامهم الآن لا يعدهم تلاميذ جبل هوا، بل مجرد غرباء متطفلين.
كانت تلك الحقيقة واضحة كوضوح الشمس، لكن الألفة الناتجة عن سنوات من التفاعل جعلتهم ينسونها لفترة.
شعر بايك بصدمة داخلية، وكأن جدارًا قد انهار في داخله، مزيج من الخوف والارتباك يتصاعد في صدره.
كيف يمكن أن يتحول شخص كان يومًا مرشدًا لهم إلى عدو محتمل؟ كيف يمكن أن يتغير كل شيء بهذه السهولة؟
تبادلت نظرات القلق بين أصدقائه، وكأنهم جميعًا يتشاركون في نفس الفكرة.
كان هناك شيء غير طبيعي، شيء قاتم يلوح في الأفق.
"ما الذي يجدر بي قوله؟"
تساءل بايك في نفسه، بينما كان قلبه ينبض بسرعة، وكأن كل نبضة تذكره بالخطر الذي يحيط بهم.
بينما كانت الكلمات تدور في ذهنه، بدأ القلق يتسلل إلى أعماقه.
كان هذا هو تشيونغ ميونغ، لكن النسخة التي أمامهم كانت مختلفة تمامًا.
وفي تلك اللحظة، أدرك أن الأمور ليست كالسابق.
السيوف الخمس، الذين كانوا يشعرون بالألفة تجاه تشيونغ ميونغ، بدأوا يستشعرون الخطر.
كانت اللحظة صعبة، وكأن الزمن قد توقف، بينما كانت نظراتهم تتعقد في دوامة من الشكوك والخوف.
...............
انحدر بانجانغ من سفح الجبل، بينما كانت نسمات الهواء الباردة تعصف بلحيته، كانت خطاه ثقيلة، وكأنما كل خطوة تأخذه بعيدًا عن الجبل تحمل ثقلًا من الخيبة والغضب.
كان يتقدم بصمت، لكن في أعماقه كانت العواصف تتجمع.
فجأة، ناداه أحد الشيوخ الذين كانوا يسيرون بجانبه.
"رئيس الدير!"
جاء الصوت كصرخة في صمت الجبال.
التفت بانجانغ نحو صاحب الصوت، عينيه تومضان بالاستفسار.
"ما الأمر؟"
كانت كلماته تتدفق من بين شفتيه بحذر.
تردد الشيخ للحظة، يبدو أنه يختار كلماته بعناية.
"لا أفهم لماذا أنت مستاء من قرارهم هذا."
ابتسم بانجانغ ابتسامة باهتة، بينما كان يحاول ترديد السوترا في ذهنه لتهدئة قلبه المضطرب.
لكن الشيخ، الذي لم يستطع قراءة عواطفه، تابع حديثه.
"على أي حال، إن انهيارهم هو مسألة وقت ليس إلا، ألا يسرع هذا من انهيارهم؟"
أجاب بانجانغ بصوت هادئ لكنه حازم بالوقت ذاته.
"أنت تستهين بقديس السيف كثيراً أتعتقد أنه اتخذ قراره هذا دون تفكير؟"
ظل الشيخ عاجزًا عن استيعاب ما يقال، لذا أكمل
"ألم يكن ذلك بسبب غضبه؟"
سأل بانجانغ سؤاله بعمق، وكأنما كان يحفر في أعماق تفكير الشيخ.
"لو كنت مكانه، ما هو أول شيء ستفعله عند عودتك؟"
"حسناً، سأنظم أمور الطائفة والتلاميذ، ومن ثم أنسق للتعاون مع بقية الطوائف."
جاء الرد متوترًا، لكن بانجانغ كان يعرف أن الكلمات تخفي أكثر مما تظهر.
حينها، اتجهت عيني بانجانغ نحو الشيخ، وكانت نظراته تحمل ثقل العالم
"حتى بعد أن تعرضت للخيانة من قبلهم؟"
جفلت ملامح الشيخ عند سماع هذه الكلمات، وكأنما أصيب بصدمة كهربائية.
"خيانة" نعم، بالتأكيد، في نظر جبل هوا، كان موقف الطوائف العشر خيانة واضحة، لكنه لم يتوقع أن تصدر تلك الكلمات من رئيس الدير نفسه.
لذا بدأ يدرك أن الأمور أكبر مما كان يعتقد.
راحت ابتسامة تتسلل إلى وجه بانجانغ، لكنها كانت ابتسامة مقلقة.
عينيه لم تبتسما، بل كانتا مشحونتين بالاستياء العميق.
"ذلك الثعبان خطط لكل شيء من البداية."
كانت الكلمات تتدفق كالنهر الجارف، تملأ المكان بعبق الخوف والغضب.
في تلك اللحظة، شعرت الرياح وكأنها توقفت، وحل صمت ثقيل بينهما.
كان بانجانغ يقف هناك، متمسكًا بتعاليمه، لكنه في داخله كان يناضل.
منذ لحظة خروجه من الغرفة، كان يشعر وكأنه يبحر في بحر من الضياع.
كانت خطواته ثقيلة، كل خطوة كأنها تؤدي إلى الهاوية، وعقله مليء بالأسئلة التي تتلاطم كأمواج عاتية.
عندما استدار نحو الشيخ الذي كان يرافقه، لاحظ نظرات الاستفهام التي تملأ عينيه، لكن بانجانغ لم يكن في حالة تسمح له بالحديث.
كان التعبير القاتم الذي ارتسم على وجهه كفيلًا بإسكات كل الأسئلة.
كان يختنق بأفكاره، وكأنما يحمل جبلًا على كتفيه.
بعد انتهاء الحرب، عانت العديد من الطوائف من الخسائر والتضحيات، لكن لا شك أن جبل هوا كان الأكثر تضرراً.
ومع ذلك، ما رآه عند دخول الطائفة كان مختلفًا تمامًا عما توقعه.
كانت وجوه التلاميذ الذين اعتقد أنهم سيكونون مليئين بالمرارة والأسى تحمل بريقًا من الأمل
. كانت عيونهم تلمع كأنها تعكس ضوء الفجر بعد ليلٍ طويل، وكان المكان منظمًا بشكل يفوق تصوره.
تجولت نظرته حول الغرفة، حيث كانت الألوان الزاهية تتداخل مع رائحة البخور التي تنبعث من زوايا المكان، وتضيف جوًا من السكينة.
لم يكن هناك أثر للعشوائية التي توقعها، بل كل شيء كان مرتبًا ومنظماً بشكل مثالي.
فكر في غياب تشيونغ مون عن الوعي، لكنه لم يكن يتوقع أن يتمكن تشيونغ ميونغ من تنظيم الأمور بهذا الشكل السريع.
في غضون عشرة أيام فقط، استطاع تشيونغ ميونغ أن يحول الأوضاع لصالحه، وكأنما كان يملك قدرة سحرية على إعادة بناء ما تهدم.
تساءل بانجانغ في نفسه "كيف تمكن من فعل ذلك؟" كان يشعر بشيء من الخيبة، خاصة وأنه كان يأمل في أن تستغرق عملية التعافي وقتًا كافيًا يسمح له بالتخطيط لخطواته المقبلة.
كان يعتقد أن جبل هوا سيكون مشغولًا بإعادة البناء، مما يمنح شاولين الفرصة لتولي زمام السيطرة.
ولكن ها هو تشيونغ ميونغ، بذكائه وحنكته، قد نجح في تحويل الأمور لصالحه بطريقة تجعل الطوائف العشر عاجزة عن ادعاء أي فضل في النصر.
كان هذا الانتقال السلس من الفوضى إلى النظام يثير في قلب بانجانغ مشاعر مختلطة من الإعجاب والغضب.
وفي تلك اللحظة، أدرك بانجانغ أن الأمور قد تغيرت، وأنه يتعين عليه استعادة زمام الأمور قبل أن يصبح مجرد ظل في لعبة أكبر منه.
خيم صمت ثقيلاً على المكان، بينما كان بانجانغ يشعر بالقلق يعتصر قلبه.
عينيه كانتا تتجولان في الأفق، محاولتين استشفاف أي علامة على المستقبل.
بعد لحظة، التفت إلى الشيخ الذي كان يسير خلفه، ووجهه مشدود بالتفكير.
"ماذا تعتقد أنه سيحصل الآن مع خروج جبل هوا من تحالف الطوائف العشر؟"
سأل بانجانغ، صوته يحمل نبرة من القلق.
أجاب الشيخ بسرعة، لكن نبرته كانت تتسم بشيء من التردد، وكأنها تحاول إخفاء الشكوك في قلبه.
"ألن يكونوا في وضع سيء؟ لا أعتقد أن هذا سيؤثر علينا كثيراً."
هز بانجانغ برأسه، مظهراً استياءه من السذاجة المتوقعة.
كانت ملامح وجهه تعكس الجدية، وعيناه تتقدان بالتصميم.
"سيشير عامة الناس بأصابعهم نحونا."
"هاه؟ لكننا لم نطردهم!"
اعترض الشيخ، لكن بانجانغ كان قد قرر المضي قدماً.
"لا يتعلق الأمر بخروجهم بل يتعلق بالتوقيت."
"التوقيت؟"
سأل الشيخ، عابساً، بينما كانت حواجبه ترتفع في استغراب.
"أجل. لو حصل هذا في وقت آخر، لقال الناس إن جبل هوا لم يعد بالمستوى الكافي ليكون جزءًا من الطوائف العشر."
أومأ الشيخ برأسه، محاولاً فهم المنطق وراء كلام بانجانغ.
"وكيف يختلف ذلك الآن؟"
أجاب بانجانغ بوجه متجهم، مبتعداً بنظره عن الشيخ وكأن الكلمات كانت تتجمع في حلقه.
"الآن، جبل هوا وقديس السيف هم أبطال الحرب، لكنهم أعلنوا انسحابهم من التحالف. ما الذي تعتقد أنه سيحصل؟"
الشيخ، الذي كان يتابع بانجانغ بنظرة مشبوهة، شعر بشيء من القلق يتسلل إلى داخله.
أدرك أن الأمور قد تخرج عن السيطرة، وأن قرار جبل هوا سيحمل تداعيات أكبر مما تصور.
"سيتساءل الناس عن السبب الذي دعا جبل هوا والطائفة التي خسرت الكثير في الحرب أن تتخلى عن هذا التحالف. سيبدأ الناس بالشك بنا وفقدان ثقتهم."
قال بانجانغ كلماته هذه ونظر إلى الشيخ، الذي كان يرمق السماء الداكنة التي بدأت تتجمع فيها السحب، وكأنها تعكس القلق الذي يعتمل في صدره.
جفل الشيخ، وتغيرت ملامح وجهه إلى لون شاحب.
"مستحيل! أتقصد أنه فعل كل هذا فقط لهذا السبب؟"
كان صوته يرتجف، وعيناه تتسعان في ذهول.
سادت لحظة من الصمت الثقيل بينهما.
بانجانغ لم يجب، بل اكتفى بلمحة من عينيه، تحمل الكثير من الكلام.
كان يعرف أن تشيونغ ميونغ قد تلاعب بكل شيء، وأنه بفعلته قد خرب كل خططه.
كان قلبه ينبض بسرعة، وأفكاره تتسابق.
كيف بإمكاني إخباره؟
تمتم في نفسه.
"لكنه لم يكن مضطراً لتلك المسرحية! ألم يكن بإمكانه أن ينشر الأمر فحسب؟"
أضاف الشيخ، عابسًا.
كان يجلس على حافة اليقين، متشبثًا بأمل أن تكون الأمور أقل تعقيدًا.
بيد أن بانجانغ أدرك أن الأمور قد تجاوزت مرحلة التفاؤل.
نظرة عينيه كانت مفعمة بالقلق، تعكس مخاوفه من عواقب ما سيحدث.
كان يعلم أن جبل هوا سيأخذ موقفًا بعد الحرب، لكن ما لم يتوقعه هو مدى شراسة تشيونغ ميونغ وقدرته على قلب الموازين لصالحه.
بدأت خطوات بانجانغ تتسارع، بينما كان قلبه ينبض بمزيج من الخوف والإحباط.
"لم أكن أعتقد أن الأمور ستصل إلى هذا الحد!"
تمتم، بينما كانت قدماه تضربان الأرض بحماس، وكأنهما يتسابقان للهرب من مصير محتوم.
"بسبب سرقته للكنوز، لم يكن لدي خيار سوى القدوم لجبل هوا ومواجهتهم."
مع كل خطوة، كان يشعر بثقل الضغوطات تتجمع حوله، وكأن العالم بأسره يتربص به.
"القادم سيكون أسوأ بكثير"،
فكر في نفسه، بينما كانت السحب تتلبد في السماء، وكأنها تنذر بعاصفة قادمة.
تدور أفكاره في دوامة من القلق والتوتر، بينما يتجه نحو المجهول، ويشعر بأن كل شيء قد يتغير في لحظة.
........................................................
تعليقات
إرسال تعليق