سرقة؟ جبل هوا؟؟؟
كان يومًا مشرقًا، حيث كانت الشمس تتسلل عبر النوافذ، ترسل أشعتها الذهبية.
أضاءت الغرفة بلون دافئ، لكن شعاع الضوء لم يكن كافيًا لطرد الحزن الذي كان يخيم على قلب تشيونغ مون.
استيقظ من غيبوبته الطويلة، وراح ينظر من النافذة إلى الفضاء الواسع، كانت الطبيعة تبتسم في براءتها، لكن قلبه كان مثقلاً بأثقال الماضي.
استيقظ وهو ينظر إلى الأفق من خلال الزجاج، حيث كانت ابتسامة مريرة ترتسم على شفتيه، لا تعكس سعادة، بل تشير إلى معركة داخلية لا تنتهي.
كانت رائحة العشب الطازج تأتي من الخارج، لكنها لم تستطع طرد رائحة الدماء التي لا تزال عالقة في ذاكرته.
تجمدت ملامح وجهه في تعبير مختلط من الألم والحنق.
كانت عينيه، اللتين كانت تعكس عادةً قوة لا تُقهر، تفتقدان البريق، وكأنهما تحملان عبء المعارك التي خاضها.
تأمل في السماء الزرقاء الصافية، لكن سحابة من الذكريات السيئة كانت تحوم فوق رأسه.
"كانت معركة ضارية."
همس لنفسه، بينما كانت ذكرى الحرب تتأرجح في ذهنه ككابوس لا ينتهي.
فقدت الكثير من الأرواح، ولكن الضحية الكبرى كانت جبل هوا.
على الرغم من الانتصار الذي حققوه، إلا أن الثمن كان باهظًا.
كان ضحية لخيانة الطوائف الأخرى، بينما شعور بالمرارة يغلي في معدته، كحمم بركانية تتأهب للانفجار.
تذكر كلمات الشجب واللائمة التي سمعها، صراخ تشيونغ ميونغ وهو يطلب منه أن يتراجع.
كان يعلم أنهم منافقون، أوغاد لا تهمهم إلا مصالحهم الخاصة.
لم يكن هناك أي منهم مستعدًا للمخاطرة بحياته في خضم المعركة.
لكن رغم ذلك، كان لديه أمل ضعيف في أنهم يسعون لحماية تلاميذهم، وأنهم سيكونون الدرع الأخير إذا هلك الجميع.
"ما الذي فعلوه؟"
تردد في ذهنه، وصدى ضحكته الساخرة يملأ المكان.
"استطاعت الطائفة الشيطانية قطع الطريق الطويل من جبال الألف وصولًا إلى جبل هوا، ولم يقف في وجهها أي أحد."
تلك الكلمات كانت كالسكاكين، تمزق روحه بلا رحمة.
"لو لم يعد تشيونغ ميونغ من الحرب حينها، لكانت الأمور أسوأ."
لا، لا،
كان عليه أن يتخلص من هذه الأفكار السوداوية.
نفض تشيونغ مون تلك الأفكار من رأسه، لكن الألم كان مريرًا، مثل جرح نازف لا يندمل.
كل ما حدث كان يثير حنقًا عميقًا في صدره.
**في هذه الحرب، خسر جبل هوا الكثير.**
**كما خسر أخاه الأصغر.**
لم يستطع حتى أن يفكر بالبحث عنه، كان عليه أن يتخذ بنفسه قرار التخلي عنه.
**وفقد تشيونغ ميونغ ذراعه،**
**حتى جسده ليس بأفضل حال، لربما لن يستطيع أن...**
"هاه."
خرجت تنهيدة عميقة من شفتيه، وكأنها تعبر عن كل ما عاناه.
وراح يرتدي رداءه، لكن الحركة كانت مؤلمة، وكأن كل خلية في جسده تذكره بما فقده.
كان لا يزال من الصعب عليه الوقوف بشكل سليم، لكنه كان يعرف أنه زعيم الطائفة، وعليه التماسك، حتى لو كانت روحه تتألم.
خرج تشيونغ مون من غرفته، بخطوات متثاقلة وراح يتجول في المكان.
كان الهدوء يغمر المكان، وكأن المكان نفسه يعكس حالة الفوضى في قلبه.
في هذه اللحظة، لم يكن تشيونغ ميونغ موجودًا هنا، ولم يكن هناك من يشعر به.
"أين ذهب بحق؟"
همس لنفسه، وكأن الكلمات كانت تعبر عن قلقه العميق.
"لقد عاد ليتذمر طوال الليل عن طرده ثم اختفى هكذا؟"
............
في الليلة الماضية، كانت الأجواء مشحونة بالتوتر، والنجوم خافتة تحت غيوم ثقيلة.
كان صوت تشيونغ ميونغ وهو يكلم يوي سول باردًا، لكنه احتوى على نبرة دافئة، كما لو كان يحاول تخفيف وطأة الذنب الذي يثقل كاهل يوي سول.
"هذه لم تكن حربًا تشارك بها طفلة مثلك! إنه ليس شيئًا يدعو للمرارة!"
كلماته كانت كفعل من أشعة الشمس التي تخترق ضباب الصباح، تمنح الأمل لكنها لا تخفي الحقيقة القاسية.
بينما كان ينظر إليها، كانت ملامح وجهها تعبر عن تضارب المشاعر؛ عينيها اللامعتين كانتا مليئتين بالتحدي، لكنهما أيضًا تعكسان حزنًا عميقًا.
شعرت يوي سول كما لو أن كل كلمة منه كانت طعنة في قلبها، تشعل غضبها وحنقها، في الماضي والآن لم يكن مكانها إذا...
"أين مكاني؟"
تساءلت في نفسها، وذاك السؤال كان كصدى يتردد في أعماق روحها.
"متى يجدر بي القتال؟"
" بعد أن يموت الجميع؟"
" بعد أن يسقط آخر قطرة من دمائه؟"
عضت على شفتيها بقوة، كأنها تحاول كبح مشاعرها المتفجرة.
كانت تحدق به بحنق، بينما يداها تتشنجان، تعبيرًا عن الإحباط الذي يعتصر قلبها.
في تلك اللحظة، كانت مشاهدته تغضبها، لكنها في الوقت نفسه كانت تؤلم قلبها بشدة، كما لو كانت تحاول أن تستنطق منه شيئًا أكثر من مجرد كلمات.
نزل تشيونغ ميونغ من الجبل، حيث كانت أزهار البرقوق لا تزال تتراقص في ذاكرته كذكريات شاحبة.
كانت الألوان الوردية تتلألأ في عينيه، كأنها تُذكّره بأيام أفضل، حينما كانت الحياة أكثر بساطة.
ومن ثم لاحت له فكرة مفاجئة جعلت ثناياه تبرز بابتسامة مستمتعة، تخللتها لمحة من السخرية.
"سيكون هذا مسليًا"،
همس لنفسه، وهو يشعر بشيء من الانتعاش يتسلل إلى روحه المنهكة.
وبعد وقت قصير وصل إلى وجهته، فتح الباب بقوة، مما أحدث صريرًا حادًا في أرجاء الغرفة.
"ساهيونغ!"
صرخ بحماس، وكأن الصوت نفسه كان يحمل كل الطاقة المتبقية في جسده المنهك.
في تلك اللحظة، كان تشيونغ مون مرهقًا، كالنبات الذي يحتاج إلى الماء بعد جفاف طويل.
فزع من الاندفاع المفاجئ لأخيه، وتضاربت مشاعره بين الاستغراب والقلق.
وضع يده على رأسه، يهزها في يأس من تصرفات تشيونغ ميونغ الطفولية.
"تشيونغ ميونغ، أرجوك، أرجوك، لن أطلب منك طرق الباب، لكن ألا يمكنك فتحه بيديك على الأقل؟"
تجهم وجه تشيونغ ميونغ،
"لا، ساهيونغ، هل هذا مهم الآن؟"
قال بنبرة غير مبالية، بينما كان يبتسم ببراءة، كأنه لم يفقه بعد ما حصل.
رفع تشيونغ مون رأسه وراح يتفحصه وهو يضيق عينيه محاولاً معرفة سبب قدومه هذا.
كان عبوس واضح على وجهه، والامتعاض بادي بشدة.
تشيونغ مون الذي أدرك الأمر راح يتنهد بعمق، لكنه ابتسم بدفء وتحدث بصوت هادئ
"إذاً ما الأمر؟"
"ساهيونغ كيف تفعل هذا بي بحق؟"
تساءل تشيونغ مون، بينما عينيه تتسعان في استغراب
"ما الذي فعلته؟"
تراجع تشيونغ ميونغ بدهشة، ووضع يده على قلبه، متظاهراً بالألم كما لو كان يتعرض لجرحٍ عميق. وجهه كان مزيجًا من التهكم والتعجب، وكأنه يواجه أكبر خيانة.
"لا، ساهيونغ، كيف تكون قاسي القلب هكذا وتنسى ما فعلته؟"
"أنا؟"
أجاب تشيونغ مون، بينما كان يُظهر بوضوح استغرابه.
"أجل، كيف يمكنك طردي لتتكلم مع أولئك الأوغاد؟ وماذا؟ تعاقبني؟ بسببهم؟"
كانت كلماته تتدفق كالنهر، معبرة عن خيبة أمله.
"أتعلم كم شعرت بالإحباط عندما سمعت ذلك؟ ساهيونغ، من المفترض به أن يمدحني، لكنه... آه، تيانزين، أيها الأسلاف، انظروا كيف أصبح جبل هوا... آه!"
وهكذا، اضطر تشيونغ مون للاستماع لتذمر تشيونغ ميونغ طوال الليل، كأنه يراقب عاصفة من الشكاوى تتنقل بين جدران الغرفة، حتى نزفت أذناه من كثرة الكلمات المتراصة كأنها أمواج لا تتوقف.
............
تجول تشيونغ مون في أروقة الطائفة، حيث كانت أشعة الشمس تتسلل عبر الفتحات، ترسم خيوطًا ذهبية على الأرض المتربة.
كانت آثار الدمار لا تزال حاضرة، كذكريات مؤلمة في عينيه.
ورغم أن الطائفة استعادت شيئًا من هيئتها، إلا أن الوجوه التي قابلها كانت تحمل علامات التعب، وكأنها تحمل عبء الأيام العصيبة.
بدأ التلاميذ الذين رأوه بتحيته، ورغم التعب الذي كان يبدو عليهم، إلا أن عيونهم لمعان بالأمل.
ابتسامة دافئة انتشرت على شفتي تشيونغ مون، لكنها كانت ابتسامة مملوءة بالألم، كزهرة متفتحة في أرض قاحلة.
قلبه كان يعتصر بألم، لكنه حاول إخفاء ذلك، فكلما رأى وجوههم المتعبة، تذكر الأوقات السعيدة التي كانت فيها الطائفة في أوجها.
سأل أحد التلاميذ بفضول،
"أين تشيونغ ميونغ؟"
أجاب التلميذ بدهشة، "ها، ألم يكن عندك؟ هذا غريب."
وفي تلك اللحظة، انقطع الهدوء برنة صوت غاضب ومزعج، كالرعد الذي يقتحم سكون المكان.
"هااا أعد ما قلته الآن أيها الوغد اللعين؟!"
كان هذا صوت تشيونغ ميونغ الصاخب، الذي كان يتردد صداه كصدى في وادٍ.
تلاشت ابتسامة تشيونغ مون شيئًا فشيئًا، وكأنها سحابة غائمة تبتلع أشعة الشمس.
شعر بسخونة في وجهه، لذا نظر إلى الأرض، محاولًا تجاهل الموقف.
"تشيونغ ميونغ، عزيزي، ما الذي تفعله الآن؟"
.......................
في تلك الليلة، كان ضوء القمر يتلألأ في السماء كألماس نقي، ساطعًا بشكل خاص كما لو كان يتحدى عتمة الليل.
لكن ورغم جماله، كان هناك شعور خفي من الوحدة يكتنفه، كأنه يحاول جاهدًا إخفاء مرارته خلف هالة من النور.
تألق القمر بين نجوم السماء، لكن تلك النجوم، رغم قربها، كانت تبدو كأشباح بعيدة، تراقب بصمت دون أن تتواصل.
وبريقه الفضي ينساب برفق كخيوط الحرير في ظلمة الليل، منعكساً على تلك العيون الوردية التي كانت تفتقد لوهجها على الرغم من بريقها.
تلاعبت الرياح بخصلات شعره الأسود، كأنها تحاول تقديم العزاء، كأنها تحاول مواساته بلطف، لكن برودة الليل تسللت إلى قلبه، تاركةً أثرًا عميقًا من الشجن.
كانت تلك اللحظات تمر ببطء، كما لو أن الوقت نفسه قد تجمد في حضرة وحدته.
كان كل شيء بخير حتى ذلك الحلم الذي تكرر في خياله ككابوس متمسك بجذوره.
ذكرياته الجيدة كانت توشّح ذاكرته، لكن كلمات ذلك الظل الغامض لا تزال عالقة في ذهنه، تتردد كصدى بعيد.
"لابد أنك كنت سعيدًا."
تسربت من شفتيه ابتسامة مريرة، كأنها تسخر من ضعف حاله.
لم يستطع قولها، لم يستطع النطق بها. نعم، كانت تلك اللحظات سعيدة، لكن الكلمات كانت تتدافع في داخله، تأبى الخروج من فمه كما لو كانت محاصرة في زنزانة مظلمة.
تنهد بعمق، محاولًا طرد تلك الأفكار، ومد يده نحو زجاجة الكحول بجانبه. لكن،
"هاه؟"
لم تكن هناك.
تشيونغ ميونغ الذي أدرك سبب اختفائها، راح يضيق عينيه في تركيز، يتأمل الشخص الذي يقف بكل ثقة بجانبه، وهو يشرب منها ببطء، كأنه يستمتع بكل قطرة.
كوااه!"
أخرج تانغ بو صوتًا منتعشًا وهو يسلم الزجاجة إلى تشيونغ ميونغ، الذي أخذها دون أي كلمة، عازفًا عن الحوار.
وهكذا، مر بعض الوقت، وتناقلت الزجاجة بينهما، كأنها حلقة وصل صامتة بين روحيهما.
لم ينطق أي منهما بكلمة، بل كانت الصمت يملأ المكان، وكأنهما يعيشان في فقاعة من الذكريات والأحاسيس.
ثم جلس تانغ بو بجواره، وبدأ الكلام. كان صوته مختلفًا عن تلك النبرة المرحة المعتادة، كأن الغيوم قد غطت شمس مرحه.
"أتعلم، هيونغ، لطالما شعرت بأنك بعيد جدًا."
ضيّق تشيونغ ميونغ عينيه بتجهم وقال بنبرة منزعجة بعض الشيء:
"ما الهراء الذي تتحدث عنه الآن؟"
لكن تانغ بو راح يبتسم بخفة، وكأن هناك سرًا في حديثه.
"بالنسبة لهيونغ، الناس نوعان: أشخاص يضربون رؤوسهم، والنوع الثاني هم أشخاص عديمو الفائدة وضعفاء بشكل مثير للشفقة، ويجدر بهم حمايتهم."
ابتسم تشيونغ ميونغ وهو يميل الزجاجة بيديه، يشعر بانقسام داخلي غريب.
"أنت تتحدث كما لو كنت تعرفني جيدًا."
"لا، هيونغ، أنت الوحيد الذي لا يعرف نفسه. لا، في الواقع، أنت جاهل بشكل خاص بهذا الشأن."
"ما الذي قلته، أيها الوغد؟"
"لا، أنا جاد حقًا. حتى الآن، انظر، أنت هنا بمفردك تفكر في أمر ما وحدك."
اخفض تشيونغ ميونغ يده التي رفعها لضرب تانغ بو، وراح يشرب الكحول من جديد.
وبعد أن وضع الزجاجة، تكلم بصوت هادئ، كأن الكلمات تخرج منه بصعوبة.
"إنه ليس كذلك، كل شيء بخير، لا توجد مشاكل."
"إذًا ما الأمر؟"
"هذه هي المشكلة."
"هاه؟"
"لا أعلم حقًا إن كنت أبالغ بالقلق، أم أنني أخدع نفسي بأن كل شيء بخير. لا أعلم أيهما."
مرت لحظة صمت ثقيلة في المكان، كأن الزمن توقف ليحتضن هذا الفراق المفاجئ بين الكلمات، كان الهواء مليئًا برائحة الكحول المختلطة بعبير الزهور التي ما زالت تنمو حول الطائفة، لكنها لم تستطع إخفاء مرارة القلق الذي يعتمل في صدر تشيونغ ميونغ
وكان تانغ بو يراقب تشيونغ ميونغ، مستشعرًا عمق الصمت الذي يلفه.
لقد عرف جيدًا أن تشيونغ ميونغ ليس من النوع الذي يُظهر ضعفه لأحد.
حتى في أحلك الأوقات، عندما كانت الحروب تدور داخل قلبه وتنهار المدن في عقله، كان يبتسم كما لو أن البؤس ليس له موقع في عالمه.
لكن مع مرور الوقت، اختلطت الكذبة بالحقيقة، وانحنى الوهم ليصبح واقعًا.
لم يعد يعلم أحقًا كل شيء بخير، أم أنه يعيش في فقاعة من الأمل الزائف.
كان المكان الذي يجلس فيه هو حقيقة، لكن ماذا لو كانت تلك الحقيقة مجرد خيال مزيّف؟
لا.
هز تشيونغ ميونغ رأسه، طاردًا تلك الأفكار من باله، ووقف ويداه على خصره، مبتسمًا بثقة مُصطنعة، كأنه يحاول إقناع نفسه قبل أن يقنع الآخرين.
"هيونغ؟"
نظر إليه تانغ بو بدهشة طفيفة، كما لو كان يتساءل عن تلك الابتسامة التي تخفي وراءها غيمة من الحزن.
"إنه بخير."
نعم، كل شيء بخير، وهذا يكفي للآن.
لكنه يعلم جيدًا أن هذا لا يعني أنه سيكون دائمًا بخير.
لكن لم تكن طبيعته القلق من أمور لم تحدث بعد، أو التشكيك في كل شيء.
لا، لم تكن كذلك سابقًا.
لكن أكان سيعلم؟ هل سيدرك حقًا ؟ أم أن حلاوة ذلك السم، الذي يسري في عروقه مع كل رشفة، قد أنسته الخطر الذي يترقبه في نهاية الزجاجة؟
كان كمن يغوص في عميق المحيط رغم علمه بأنه لن يطفو مرة أخرى، مستسلمًا لجمال الأعماق.
وهكذا سار تشيونغ ميونغ في طريقه عائدًا إلى الطائفة، خطواته تتردد كصدى على الصخور المكسوة بالطحالب.
كانت الرياح تعزف لحنًا خفيفًا، تحمل معها رائحة التراب المبلل بعد الأمطار، مما أضفى على الأجواء شعورًا بالانتعاش.
بينما كان تانغ بو يتبعه مسرعًا، كان واضحًا أنه يحاول اللحاق به، كطفل يركض خلف أخيه الأكبر في سعيه للحصول على الانتباه.
"انتظرني، هيونغ!" صرخ تانغ بو، وصوته كان مليئًا بالقلق، كما لو كان يحاول ملاحقة أفكاره المبعثرة.
"أسرع!"
رد تشيونغ ميونغ بلهجة غير مبالية، متظاهراً بأنه لا يهتم.
"هيونغ، ما الذي ستفعله الآن؟"
أضاف تانغ بو، مغمورًا في تساؤلاته، وكأن الكلمات تتدافع من فمه كما تتدافع الأمواج إلى الشاطئ.
"لقد كنت أتساءل منذ فترة، ولكن..."
"أجل هيونغ؟"
" ألن تعود إلى منزلك؟"
"ها؟"
جاء رد تانغ بو، مستغربًا من السؤال.
"لا أتعتقد أن جبل هوا هو منزلك. لماذا تتسكع هنا وتاكل وتشرب مجانًا، أيها الوغد؟ على الأقل ادفع ثمن طعامك!"
"لا، هيونغ! أستأخذ مني ثمن الطعام حقاً ؟ ألسنا أصدقاء؟"
تنهد تانغ بو وكأنه يحاول التمسك بخيط من الود.
"ها؟ أصدقاء؟ لا أذكر أنني صديق لوغد مثلك!"
رد تشيونغ ميونغ، وهو يرفع حاجبيه بعبوس، لكنه لم يستطع إخفاء ابتسامة خفيفة.
"تسك تسك تسك... لابد أن أسلاف عائلة تانغ يتلون الآن في قبورهم وهم يشاهدون الشيخ الأكبر يتسول هنا وهناك!"
أضاف تشيونغ ميونغ كلماته مع تذمر طفيف على وجهه، مما جعل تانغ بو يضحك بصوت عالٍ.
وهكذا استمر الاثنان في الهبوط من الجبل، يتشاجران ويتبادلان الكلمات السخيفة، لكن خلف كل تلك المشاحنات كان هناك جو من الود الذي لطالما افتقده تشيونغ ميونغ. كانت مشاعرهم تتلاطم مثل الأمواج، تجمع بين الفرح والحزن، وبين الذكريات القديمة واللحظات الحالية.
لم يكن تانغ بو يعلم ما الذي يدور في ذهن تشيونغ ميونغ حقًا، ولا كانت المشاكل التي تؤرقه قد وجد لها حل.
لكن وجود تانغ بو بجواره كان مريحًا بطريقة ما، وكأن وجوده في تلك اللحظة كان بمثابة طوق نجاة في بحر من الشكوك.
في تلك الليلة كان القمر سعيدًا بعض الشيء، يبعث بأشعة فضية تحمل لمسة من السعادة، لا يزال وحيدًا، لكن النجوم قد أحاطت به بدفئها، ترسم لوحة من الأمل في سماء الليل.
لكن لم يكن يدرك أن هذا الضوء الدافئ ليس سوى آثار قديمة ، قد استمدت من مئات السنين وأن تلك النجوم قد اندثرت منذ وقت طويل، تتلألأ ولكنها بعيدة، غير قادرة على الوصول إليه.
...............
هيون جونغ جلس في غرفة تشيونغ ميونغ، حيث تلاشت الأضواء من حوله وتركزت كل أفكاره في دفتر قديم.
"ساهيونغ، لا أعلم إن كنت قد توقعت ذلك، لقد كنت دوماً تشتكي من أشياء مثل الفشل والندم."
"في ذلك الوقت، لم أدرك كم يمكن أن يكون هذا الشعور مريراً."
ألقى هيون جونغ برأسه إلى الوراء، مغمضًا عينيه، وكأن الصورة التي في مخيلته تأبى مغادرته.
"أشعر بقلبي يتمزق، والدموع تكافح في طرف عيني، كما لو أن آلاف الظلال تسحبني إلى هاوية عميقة. لكن رغم ذلك، لا أستطيع إظهار ذلك."
تغيرت ملامح وجهه، حيث ارتسمت على شفتيه ابتسامة باهتة، غير قادرة على إخفاء الألم الذي يخترق أعماقه.
"ساهيونغ، هل كنت هكذا أيضاً؟"
فراغٍ خانق أحاط به، وكأن الجدران تضيق عليه.
"أشعر بأنني غريب في هذا المكان. أنا في جبل هوا، لكنه ليس جبل هوا أيضاً. جسدي هنا، لكن الغربة تنهش روحي وتقطع أوصالي."
شعر هيون جونغ وكأن قلبه ينزف في صمت.
"كل زاوية من زوايا الطائفة، وكل صوت من أصوات التلاميذ، كان يبدو غريبًا ، كأصداء بعيدة في وادٍ مظلم."
"المكان كان هو نفسه، لكن لا شيء فيه يحمل روح ساهيونغ. كانت الجدران تشعر بالبرودة، وكأنها تهمس بأن كل شيء قد انتهى."
تململ في جلسته، ومرر يده على الصفحة، وكأنها وسيلة لتمسح الآلام.
"لا أزال غير مصدق لما حدث. أستيقظ كل يوم، وكلي أمل بأنه كان كابوساً مروعاً، وأنه بمجرد خروجي، سأرى ابتسامة ساهيونغ، وأستمع إلى تذمره المزعج."
تسارعت أنفاسه، بينما شعر بجسده يثقل أكثر وهو يقرأ الكلمات التالية.
"ساهيونغ بالنسبة لي أنتم لي لا تزالون أحياء أستمع لأصواتكم في كل مكان، لكنني وعلى قيد الحياة أتجول بلا روح كشبح أضاع طريقه."
في كل مرة يتنقل بها بين صفحات الدفتر كان الألم في قلبه يحفر عميقاً، عاجز عن النطق تحكي دموعه عن المشاعر التي انتابته.
لم يبقى إلا صوت همهماته وبكائه المرير المكتوب وهو يشد قبضتيه على الدفتر بيديه.
....................
كان تشيونغ ميونغ عائدًا من المدينة، يترنح بخطوات غير مستقيمة بينما تتراقص زجاجة الكحول في يده.
بطريقة ما، كانت تلك المرة الأولى منذ زمن بعيد—زمن طويل جدًا—الذي يسمح فيه لنفسه بأن يصل إلى هذه الدرجة من الثمالة.
كان لابد له من البقاء متيقظًا لكل شيء في ساحة المعركة، لكنه، في تلك اللحظة، استسلم لشعور الانتشاء.
اقترب من الزجاجة، ورفعها إلى شفتيه، مغمضًا عينيه وهو يبتلعها دفعة واحدة.
"كوااااه، هكذا يجب أن تكون الكحول!"
انطلقت الكلمات من فمه كأنها تعبير عن فرحته الغامرة.
ومع ابتسامة راضية ووجه منتعش، بدأ يلعق شفتيه بسعادة، يستمتع بطعم الحرية الذي افتقده طويلاً.
لكن، بينما كان مستمتعًا بهذه اللحظة، لمح شيئًا غريبًا من بعيد.
على مسافة بعيدة، قرب بوابة جبل هوا، كانت الشمس تسطع بشدة على تلك الرؤوس الصلعاء المستديرة. الضوء الصادر عنهم جعلهم يبدون وكأنهم يتلألأون، مما جعله يغفل عن بقية الزعماء والشيوخ المجتمعين في المكان.
عندما أدرك هوية تلك الرؤوس، تشوه وجهه بغضب شديد، وكأن براكين مستعرة بدأت تغلي بداخله.
"هؤلاء اللعناء! كيف يتجرؤون على القدوم إلى هنا؟"
كانت الكلمات تتردد في رأسه مثل صدى بعيد، مما زاد من حدة مشاعره.
تقدم تشيونغ ميونغ بسرعة نحوهم، خطواته تتسارع، حيث كان يتهامسون فيما بينهم وكأنهم يتآمرون.
كل خطوة كانت تحمل ثقل غضبه، زجاجة الكحول المحطمة تتناثر شظاياها تحت قدميه، وكأنها تعكس حالته الداخلية. كان قلبه يخفق بغضب متقد، وعيناه تتوقدان بشعلة من الانتقام.
أقترب تشيونغ ميونغ من المكان حيث كان يتجمع زعماء الطوائف، زعيم وودانغ، جانغام، كونلن، وشاولين، إضافة إلى عائلة نامجونغ وميورونغ.
بينما كانت الأجواء مشحونة بالتوتر، وكأن هالة من الغموض تحيط بهم.
ومن ثم سمع صوت أحدهم يهمس ببرود:
"على أي حال، جبل هوا قد انتهى. لن يستطيعوا الحفاظ على هيبتهم لوقت طويل."
كانت الكلمات كالسهم، تخترق سكون المكان وتثير فيه بركان الغضب.
"أعد ما قلته، أيها الوغد اللعين؟"
صرخ تشيونغ ميونغ، صداه يملأ الأرجاء وكأن الأرض نفسها ارتجت تحت وقع صوته.
تحولت نظرات الجميع نحوه، ووجوههم التي كانت تحمل علامات الاستهتار بدأت تتجمد في صمت مفاجئ.
كان تشيونغ ميونغ يقف هناك، عاقدًا، ملامحه مشدودة وكأنها منحوتة من حجر.
عرق يتدفق من جبينه، وعيناه تلمعان كالنيران المتأججة، تحملان نية قتل غامرة.
تحولت الأجواء من سكون إلى جحيم خانق، وكأن الغيوم قد اجتمعت لتغلف المكان بظلالها الثقيلة.
بدأت قلوبهم تتسارع، والهمسات تتلاشى، بينما كان تشيونغ ميونغ يتقدم نحوهم، عازمًا على استعادة كرامة جبل هوا مهما كلفه الأمر.
كان الغضب يتصاعد في صدره، وكأن كل شظية زجاجية تمثل جزءًا من روحه المكسورة، بينما كان الآخرون يتبادلون نظرات الذهول والخوف.
في تلك اللحظة، تسربت ابتسامة خفيفة من بانجانغ، زعيم شاولين، وكأنما كان يطفئ نار الغضب المشتعلة في المكان.
كانت ابتسامته هادئة، مفعمة بالاستفزاز، وهو يردد بهدوء:
"أميتابها، لقد أساء سيجو فهمنا."
توجهت أنظار الجميع نحو تشيونغ ميونغ، الذي كان وجهه مشتعلاً كبركان على وشك الانفجار.
"سوء فهم؟"
جاء صوته كالرعد، وابتسامته كانت كالسيف، تكشف عن أنيابه البيضاء في ظل الغضب الذي يعترية.
بينما كانت أصابعه تتلمس السيف في خصره، في تهديد غير مباشر، عينيه، التي كانت تتلألأ كجمرات في الليل، كشفت عن عزم لا يلين، وكأنما كل شغف الحياة يتركز في تلك اللحظة.
تقدمت الأجواء لتصبح مشحونة، وكأن كل شيء حولهم تجمد في الوقت، حيث كانت نوايا تشيونغ ميونغ تتأجج في قلبه، مستعدة للانفجار.
بانجانغ، رغم ابتسامته، كان يدرك تمامًا أن الغضب الذي يعتمل في صدر تشيونغ ميونغ ليس بالأمر الهين.
لكن كان لديه خطط أخرى، وأراد أن يوجه الحديث بعيدًا عن شعلات التوتر.
قال بانجانغ، زعيم شاولين، بصوت هادئ، بينما كان ينظر إلى تشيونغ ميونغ بعينين هادئتين:
"ما كان يقصده زعيم كونلن هو أنه لا يجب علينا أن ندع طائفة جبل هوا تواجه الانهيار لأي سبب."
تشنجت ملامح تشيونغ ميونغ، لم يخفِ الغضب الذي كان يتأجج في داخله بل ازداد اشتعالاً.
كانت يده ما تزال تتلمس السيف في خصره، وكأنما كان مستعداً لقطع أعناقهم بأي لحظة.
ابتسم ابتسامة باردة، كأنما يختبر صبرهم
"وهل يبدو أن جبل هوا على شفير الانهيار؟"
التف الجميع نحو تشيونغ ميونغ، وكانت الأعين تتنقل بينه وبين بانجانغ، كأنما في انتظار شرارة قد تشتعل.
كان بانجانغ متمتعًا بهدوء غير عادي، بينما كانت زوايا شفتيه ترتفع قليلاً، كما لو كان يطمئن رفاقه، لكنه في الحقيقة كان يثير مزيدًا من الغضب في قلب تشيونغ ميونغ.
"لا تدع انفعالاتك تأخذك بعيدًا، سيجو. هناك أمور أكبر من مجرد مشاعرنا"
شعر تشيونغ ميونغ بضغط عصبي يتصاعد في صدره، كأنما هناك صخور ثقيلة تتوالى فوق قلبه.
ومن ثم برزت من شفتي تشيونغ ميونغ ابتسامة ساخرة مليئة بالغضب، وهو يتحدث بنبرة مشبعة بالاستهزاء.
"حسنًا، أعتقد أنني سأكون أحمق وأصدق كلامك هذا. ولكن أخبرني، بانجانغ..."
أجاب زعيم شاولين ببرود:
"ما الأمر، قديس السيف؟"
قال تشيونغ ميونغ بحدة وصوت ساخر، عاكسًا الغضب الذي يتصاعد في داخله
"آمل أن بوذا قد استجاب لصلواتك."
تجلى الدهشة على وجه بانجانغ، حيث اتسعت عينيه لحظة.
"هاه؟"
تابع تشيونغ ميونغ، وهو يشدد قبضته حول مقبض سيفه
"بينما كان جبل هوا يقاتل في المقدمة، قد وصلتنا صلواتك الصادقة وتمسكك في معبدك بتمثال بوذا. لم يستطع قلبي الرقيق تحمل هذا الصوت المزعج، لذا عدت سريعًا بعد قطع رأس تشونما."
تغيرت ملامح بانجانغ، وكبت غضبه بصعوبة، بينما قال
"لا أنكر تضحيات جبل هوا، ولكن لا أعتقد أن هذا أمر قمت بفعله بمفردك."
أجاب تشيونغ ميونغ، وهو يومئ برأٍه
"أجل، لقد أخبرتك. كانت توسلاتكم الجادة هي ما جعلني أشفق على حالكم."
"ما الذي تعنيه بهذا "
صرخ رب نامجونغ وهو يشتعل عاجزاً عن كتمان مشاعره والسكوت عن تلك الإهانة، كانت كلمات تشيونغ ميونغ الساخرة تطعن في قلوبهم وتذكرهم بجرهم أذيال الخيبة في حين القتال المستبسل لجبل هوا.
لكن تشيونغ ميونغ لم يكن ليترك الأمر على هذه الحال
" على أقل تقدير، جبل هوا ورغم كل شيء استطاع الحفاظ على كنوزه، على عكس أشخاص آخرين."
في تلك اللحظة كان بانجانغ وبقية الزعماء يغلون من الغضب عند هذه الكلمات، وقلوبهم تشتعل
تشيونغ ميونغ، كان الشخص الذي سرق كنوزهم وترك تلك الرسالة الوقحة، لكنه الآن يتبجح بهذا بكل بساطة.
لم يستطع التحكم في مشاعره، وكانت شفتاه ترتجفان من الغضب المكبوت.
بينما كان الآخرون يتبادلون النظرات القلقة، أدركوا أن الأجواء قد أصبحت مشتعلة، وأن أي كلمة إضافية قد تؤدي إلى تفجر الصراع.
وفي تلك اللحظة
"ما الذي تعنيه بفقدان الكنوز؟"
...................................................
كان تشيونغ ميونغ يسير في فراغٍ شاسع ، حيث كانت ظلال ذكرياته تتراقص حوله كأنها أشباح قديمة.
هذا الكابوس الذي يطارده منذ أيام يتجلى أمامه من جديد، ولكنه لم يكن كابوساً تقليدياً.
بل، كان كل شيء من حوله مفعماً بجمالٍ غريب، يذكره بلحظات من السعادة اللامتناهية.
الذكريات الجميلة كانت تتراقص في عقله، مشاهد من ضحكات الأصدقاء وأشعة الشمس المتلألئة على وجهه.
لكن، مع كل لحظة جميلة، كان يشعر بضغطٍ غريب، كأن شيئًا غير مرئي يثقل قلبه.
لماذا، وهو وسط كل هذا الجمال، يشعر بالضياع؟
لكنه لم يلبث إلا وأن أدرك السبب فبينما كان منغمسًا في مشاهدة تلك الذكريات، بدأ المشهد يتغير.
أخذت الألوان تتلاشى، وبدلاً من المشاهد الهادئة، وجد نفسه في ساحة معركة.
هنا، كان كل شيء مختلفًا.
الأرض تحت قدميه كانت مغطاة بالغبار والدماء، وصوت الصراخ يملأ الأجواء.
تشيونغ ميونغ وقف وسط الفوضى، يراقب المبارزين وهم يتهاوون، بينما كان قلبه ينبض بشدة.
عينيه تبحثان عن الأمل، لكن كل ما وجده كان خيوط الذكريات تتشابك مع واقعٍ مرير.
في تلك الساحة، تداخلت الذكريات الجميلة مع الألم، مما جعله يشعر بروحه تسحب من جسده.
كان تشيونغ ميونغ يقف وسط ساحة المعركة، جسده مُلطخًا بالدماء—دماء أعدائه ودماء جروحه.
كلما نظر حوله، كانت الجثث ممددة في كل مكان، تتناثر كأنها قطع من كابوس متجسد.
كان المشهد مروعًا، لكن الشعور الذي اجتاح قلبه كان أكثر عمقًا من مجرد الفزع.
كان كابوسا فقط، لكنه لم يفهم لماذا كانت هذه المشاعر حقيقية للغاية.
كأن كل ضربة ودمعة قد حدثت له بالفعل، كأن كل صرخة من حوله كانت صدىً لشيء في داخله.
شعور العجز كان يتسلل إلى أعماقه، كأنما يضغط على صدره، يشعر بأنه غير قادر على حماية أي شيء.
الدماء كانت تسيل من جروحه، وكل نبضة في قلبه تُشعره بالثقل.
لم تكن حقيقية لكنها وبطريقة ما كانت أكثر ألما.
لم يكن قادرًا على حماية أي شيء، وكان الإحساس بالضعف يتسلل إلى أعماقه، مثل ظل ثقيل يرافقه.
وسط هذا الكابوس اللامتناهي، ظهرت ابتسامة على شفتيه، ابتسامة ساخرة من حالته.
كانت تلك الضحكة تتردد في أذنه، وكأنها تتحدى كل ما يحدث حوله.
ضحكته، التي كانت تتصاعد مع كل لحظة من الرعب، جعلته يشعر وكأن العالم من حوله قد تلاشى.
نبضات قلبه تسارعت، وأنفاسه أصبحت تتثاقل، لكنه استمر في الضحك.
لقد تداخلت مشاعر الخوف والألم، وكأنما الحياة والموت يتصارعان في داخله، مما جعله يشعر بأنه على حافة الهاوية، لكنه في الوقت نفسه، كان متمسكًا بشيء ما، شيء غامض.
ومن ثم انطلقت صرخات تشيونغ ميونغ في الهواء، تتردد بين أنين الجرحى وصراخ المعركة
"أين أنت؟"
كان يوجه كلماته إلى الظل الذي كان يطارده في كابوسه السابق.
الظلام الذي يتلاعب به، كأنه كائن حي، يختبئ في زوايا عقله، يسخر منه في كل لحظة.
أي لعبة هذه؟ تساءل بقلق، فالأحداث كانت تتكرر كما لو أن الزمن قد توقف.
لماذا تستمر هذه المشاهد بالظهور أمامه؟
بصره كان مشوشًا، يتنقل بين الجثث والأجساد الممددة، بينما أذنه تلتقط همسات غامضة، كأنها تنقل له رسائل من عالم آخر.
كان الظل يبتسم له، وكأنما يتحدى شجاعته، مما زاد من شعور الضياع الذي كان يحاصره.
في تلك اللحظة، تداخلت مشاعر الخوف والاحباط، وتدفق الألم في قلبه.
كان الإحساس بالعجز يغمره؛ لم يكن قادرًا على مواجهة ذلك الظل، ولا حتى على فهم طبيعة هذه اللعبة القاسية.
بينما كانت أنفاسه تتسارع، شعر بأن صرخاته لم تعد تكفي.
كانت المشاهد تتكرر ككابوس لا ينتهي، لكن في عمق نفسه، كان يبحث عن إجابة، عن بصيص أمل ينقذه من هذا الظلام المرعب.
كان كابوسا لكنه الواقع، كما لو كان شيء في داخله يحول إعادة وعيه، لكن أيمكن لمن انتشى بحلاوة السم أن يفارقه بإرادته؟
....................
"أي كنوز تقصد؟"
في تلك اللحظة، برز تشيونغ مون من بين الحضور.
رغم حالته المزرية، كان مهيبًا وأنيقًا كعادته، مما جعل الجميع يحدقون به برهبة.
سكن الجو بحضوره، وكأن الوقت توقف.
بينما كان تشيونغ ميونغ، الذي لمح قدومه، يركض باتجاهه، وقد تلاشت حدته السابقة كخيال كاذب.
"ساهيونغ، لما خرجت؟ جسدك لا يزال بحاجة للراحة."
قال تشيونغ ميونغ، وعيناه تتفحصان جسد تشيونغ مون، مشبعتان بالقلق، كأنهما تبحثان عن أي علامة تدل على الألم.
"أين كنت؟"
لكن تشيونغ مون سأل بنظرة حادة، وكأن عينيه تلقيان سهامًا نحوه.
"أه، هذا..."
ازاح تشيونغ ميونغ عينيه بعيدًا، محاولًا تجنب نظرات تشيونغ مون الثاقبة.
لكن رائحة الكحول المتصاعدة من جسده كانت كفيلة بكشفه، وكأنها قرعت جرس الإنذار.
"أيها الوغد، أذهبت لشرب الكحول في مثل هذا الوقت؟"
صرخ تشيونغ مون، وقد أمسك برقبته محدثًا آهة من الضيق.
كما راح تشيونغ ميونغ يزم شفتيه بامتعاض، يحاول تبرير نفسه بينما يتجنب نظرات أخيه الحادة.
"لا، ما المشكلة بشرب بعض الكحول بحق؟"
تأوه تشيونغ مون من الجرح في صدره وكأن الألم يتسلل إلى أعماق روحه لذا سارع تشيونغ ميونغ بالاقتراب منه
"ساهيونغ، أنت بخير؟ أيؤلمك جرحك؟"
كانت نبرة تشيونغ ميونغ مفعمة بالقلق، ووجهه يعكس مشاعر متضاربة.
لكن تشيونغ مون، راح يضيق عينيه، وهو يهمس بداخله.
'أنت، أنت من تسبب لي بالألم، أيها الوغد.'
وسط هذه الفوضى، كانت نظرات زعماء الطوائف تتابع المشهد بصمت.
رغم أنهم شهدوا مئات المرات تحولات تشيونغ ميونغ الغاضب إلى كائن لطيف أمام تشيونغ مون.
إلا أن رؤية هذا التحول كانت لا تزال تثير فيهم مشاعر متناقضة من الحنق والرهبة لا سيما حقيقة كونه الشخص الذي قطع رأس الشيطان السماوي.
ومن ثم تقدم زعيم شاولين، ، محاولًا استعادة زمام السيطرة على الأجواء المتوترة.
نظف حلقه بوضوح، بينما كان يرمق الجميع بنظرات لا تخلو من التوتر.
"أنا ممتن لأن صحة زعيم الطائفة بخير. كانت الأخبار تقول إنك في غيبوبة."
"ذلك الوغد..."
همس تشيونغ ميونغ، غضبه يتقد في عينيه كجمرات مشتعلة.
لكن قبل أن يتمكن من الرد، شعر بيد تشيونغ مون الباردة تتوقف أمامه، مما جعله يتراجع خطوة إلى الوراء.
وقف تشيونغ مون بشكل مهيب، وكأنه جبل لا يتزحزح، بينما احتفظ بابتسامة هادئة رغم آثار التعب التي كانت تخفي بعض الألم.
قال بصوت عميق مع ضحكة خفيفة
"حسنًا، القتال في الخطوط الأمامية كان خطيرًا، لذا... أوه، اعذرني، بانجانغ، لا يعرف ما أتكلم عنه. آسف لوقاحتي هذه."
بانجانغ، الذي تلقى هذه الكلمات، شعر بالدماء الساخنة تتدفق من قبضته المشدودة، حيث كانت أنامله تنغرس في راحة يده.
كان التعامل مع تشيونغ ميونغ الذي يهتاج بسهولة ويهاجم بكلماته كالبرق صعبًا بما فيه الكفاية.
لكن تشيونغ مون، الذي يتلو كلمات لطيفة بينما تخفي تحتها شفرات سامة، كان أصعب بمراحل.
تجلى ذلك في الطريقة التي كان يبتسم بها، بينما كانت نظراته تحمل سخرية خفية، مما جعل بانجانغ يتساءل عن مدى عمق هذه الكلمات وما تحمله من نوايا.
وبينما كان الجو مليئًا بالتوتر، كانت الأنفاس تتعالى، وكأن الجميع ينتظر اللحظة التي ستنفجر فيها هذه الديناميكية الهشة.
قال تشيونغ مون بأدب وهو يشير لهم،
"فلتتفضلوا بالدخول، رجاءً."
تقدم من أمامهم، بينما كان زعماء الطوائف يسيرون خلفه، تتجول أعينهم في المكان.
كانت الأضواء تتلألأ من النوافذ، لكنها لم تُخفِ آثار الدمار التي شهدتها الطائفة.
صوت الأقدام كان يتردد كصدى في الفضاء، وكأن المكان نفسه يتنفس بصعوبة.
عندما أدخلهم تشيونغ مون إلى غرفته، جلس بهدوء على الكرسي.
تأملته الأعين، فشعرت بوجود قوة هادئة وعميقة.
كما سارع تشيونغ ميونغ بجلب كأس من الماء البارد، فكان السائل يقطر من جوانبه، مُعبرًا عن العناية التي كان يرغب في تقديمها.
راح تشيونغ مون يقلب بصره بين الكأس في يده وابتسامة تشيونغ ميونغ القلقة، ثم شربه ببطء، مستمتعًا بنكهة الماء النقي.
كان صمت زعماء الطوائف مهيمنًا، وكأنهم حبسوا أنفاسهم في انتظار ما سيحدث.
بينما كانت أفكارهم تتقلب، أدركوا أن جبل هوا لم ينهار كما توقعوا.
شعور خيبة الأمل كان يعبث بصدورهم، فقد كانوا يأملون في رؤية الطائفة في حالة يرثى لها.
لكن قديس السيف قد عاد، محملاً بشرف قطع رأس الشيطان السماوي، مما جعلهم يشعرون بقلق متزايد.
نظرات الغضب القاتلة من تشيونغ ميونغ، والنظرات الهادئة والحادة من تشيونغ مون، كانت تخترق قلوبهم، كأنها خناجر تُدق في الصمت.
لم يكن الأمر أكثر من مجرد سياسة؛ فقد بدت الطوائف متعاونة، لكن خلف الستار كانت تتصارع في صمت.
في أعماق قلوبهم، كانوا ممتنين لبقاء تشيونغ مون، السيف الحكيم لجبل هوا، لأنه الوحيد القادر على تهدئة نيران تشيونغ ميونغ.
لو لم ينجُ من المعركة، لكانت النيران ستلتهم كل ما حولها، مُحولة جبالهم إلى جحيم مستعر.
وضع تشيونغ مون الكأس بهدوء على الطاولة، وصوته يخرج كنغمة موسيقية هادئة، قائلاً
"الان هل يمكنكم إخباري عن أي كنوز كنتم تتحدثون؟"
حينها أخرج بانجانغ من جيبه رسالة، ووضعها أمامه.
تبعه بقية زعماء الطوائف، كل منهم يحمل نظرة مشبوهة.
مد تشيونغ مون يده، ممسكًا بالرسالة، وبدأ يقرأها بعناية.
كان فيها جملة وحيدة مكتوبة بخط فوضوي، تعكس شخصية كاتبها
"إن أردتم كنوزكم فحركوا مؤخراتكم اللعينة."
ابتسم تشيونغ مون ابتسامة هادئة، لكنها كانت تحمل نارًا مشتعلة في داخله.
عرف من كتب تلك الكلمات، مما دفعه إلى إظهار ملامح الضيافة بينما كان قلبه يتأجج بالغضب.
في زاوية عينيه، لمح تشيونغ ميونغ، و أطلق عليه نظرة حادة جعلت قشعريرة تسري في جسده.
لكن تشيونغ ميونغ، الذي كان يعرف تمامًا كيف يتجاهل تلك النظرات، ابتسم بإشراق أكبر، وكأنما يتحدى كل شيء.
تنهد تشيونغ مون، ثم استأنف حديثه بنبرة تحمل بعض الاستنكار
"لا أفهم لماذا يظهر بانجانغ هذه الرسالة لي؟"
لكن بانجانغ، لم يكن غبيًا بأي شكل، فقد أدرك ما يدور في ذهن تشيونغ مون.
لكنه حافظ على هدوئه، متحدثًا بطريقة مدروسة
"حسنًا، كنت قلقًا إذا ما مر جبل هوا بالأمر نفسه أيضًا."
"نحن؟"
سأل تشيونغ مون، مستغربًا.
"أجل، إذا كان الأمر كذلك، فعلينا أن نجد السارق. هذه مسألة خطيرة."
"......"
" حيث تمكن أحدهم من التسلل إلى مخازن الطوائف المرموقة وسرقة كنوزها دون أن يكتشفه أحد."
".... "
" لابد أنه يتمتع بمهارة عالية تفوق الجميع."
كان بانجانغ يلمح بكلماته إلى أن تشيونغ ميونغ هو الوحيد القادر على فعل ذلك.
حيث أنه كان واثقًا من قدرته على تحويل نصر جبل هوا إلى خزي.
لكن تشيونغ مون، الذي أدرك نيته، ضحك ضحكة فاترة، وكأنه يتجاهل كل ما قيل
"أوه، بانجانغ، جبل هوا لم يتبق له أي كنوز بعد أن ضحى بكل شيء في سبيل العالم. أنا معجب حقًا بالثروة الهائلة لزعماء الطوائف."
في تلك اللحظة، كان الغضب يشتعل في قلب نامجونغ هيو، حيث لم يستطع تمالك أعصابه بعد أن استمر تشيونغ مون في تذكيره بشكل خبيث بتخاذلهم بينما قاتل جبل هوا بشجاعة في المقدمة.
فجأة، وبكل غضب، ضرب الطاولة أمامه بقبضته، مما أحدث صوتًا مدويًا في الغرفة.
"زعيم الطائفة، أنت تعلم ما الذي نتحدث عنه، لذا أرجو أن تتوقف عن اللف والدوران هكذا!"
صرخ بصوت مرتفع، مما جعل زعماء الطوائف الآخرين يلتفتون نحوهم بقلق.
عندها تشيونغ ميونغ الذي كان يقف في زاوية الغرفة، و زوايا فمه ترتعش بسعادة وهو يراقب المشهد، سرعان ما تغير تعبيره و تشوه وجهه بغضب عند سماع تلك الكلمات.
كانت عينيه تتلألأ كجمر متقد، وكان مستعدًا في أي لحظة للانقضاض على نامجونغ هيو.
لكن فجأة، تدخل تشيونغ مون، حيث استدار نحوه بحركة سريعة.
”أوتش، ساهيونغ، توقف! أآه!”
ابتسم تشيونغ مون بابتسامة دافئة، بينما يقرص ظهر تشيونغ ميونغ.
الذي تراجع للخلف، وجهه ممتعض ومتجهم، وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة، مما أظهر تضارب مشاعره بين الغضب من وقاحة نامجونغ هيو ومن تصرفات أخيه.
ومن ثم قال تشيونغ مون بصوت أكثر حدة، رغم هدوئه الظاهر، وبوجه أكثر جدية:
"ما الذي يلمح له رب نامجونغ؟"
استمر نامجونغ هيو في الاشتعال بغضبه، غير مدرك للأجواء المتوترة، وصرخ
"أليس جبل هوا هو الذي أخذها؟"
ضرب تشيونغ مون يده الطاولة بقوة، مما جعل الخشب يصدر صدىً قوياً.
كان وجهه يعكس الغضب، وصوته منخفض لكنه يحمل حدة قاتلة:
"هل تتهم جبل هوا بالسرقة الآن؟ هل هذه طريقتكم إذا؟"
في تلك اللحظة، تدخل بانجانغ محاولاً تهدئة الأمور، مستعيدًا السيطرة على الحوار
"أرجو أن تهدئ. بالتأكيد لم يقصد رب نامجونغ هذه الكلمات، لكننا لا نزال قلقين. ربما تكون لعبة من بقايا الطائفة الشيطانية أو من أحد آخر للإيقاع بنا."
قال بانجانغ، وهو يقلب خرزات مسبحته بيديه، محاولاً إخفاء الاضطراب الذي كان يتزايد داخله، بينما كانت أسنانه تصطك معًا.
"خدعة؟ ما الذي تتحدث عنه؟"
رد بانجانغ، مستمرًا في محاولة تهدئة الأجواء:
"أجل، لذا ألن يحل كل شيء إذا ما تفقد زعيم الطائفة ما إذا كانت الكنوز موجودة هنا؟ بالطبع لن نسيء فهم جبل هوا، نحن فقط نريد استعادتها. أرجو أن تتفهم."
لكن تشيونغ مون كرر السؤال كما لو كان لا يفهم الأمر حقًا:
"أنا لا أزال غير قادر على فهم ما تتحدث عنه؟"
بانجانغ، الذي كان يشعر بالغضب، قال وهو يكبح جماح نيرانه
"كما قلت، الكنوز..."
حينها، صاح تشيونغ مون كما لو كان أدرك أخيرًا، وراح يومئ برأسه.
" اووه"
هذا جعل زعماء الطوائف من خلفه يبتسمون بخبث، لكن الكلمات التالية التي صدرت منه جعلتهم عاجزين عن النطق.
قال تشيونغ مون بنبرته الهادئة وابتسامته الدافئة
"لقد تذكرت الآن! في الواقع، لقد تأثرت بشدة عندما أخبرني تشيونغ ميونغ بالأمر."
في تلك اللحظة تشيونغ ميونغ، الذي كان لا يزال يتمتم بانزعاج، اتسعت عيناه بفضول وترقب بينما يميل رأسه متسائلا عن الكلمات التي يقصدها
'لكنني لم اقل شيئا إلا التذمر والشكوى؟'
بينما اتسعت أعين زعماء الطوائف بدهشة، غير مدركين لما يتحدث عنه، قال بانجانغ بصوت مرتبك
"ما الذي تقصده؟"
أجاب تشيونغ مون
"في الواقع، لقد وصلتني النية العميقة والنبيلة لزعماء الطوائف، والتي جعلت كل خيبة الأمل السابقة التي اعترتني عند معرفة أنه رغم مرور الطائفة الشيطانية بجانبكم، لم تحركوا ساكناً حتى وصلوا لجبل هوا."
"هذا..."
كان بانجانغ على وشك قول شيء، لكن تشيونغ مون رفع يده وأوقفه، بينما يهز رأسه
"لا تقل شيئاً، بانجانغ. أنا خجل من نفسي لتفكيري بهذه الطريقة، لكن رغم كل شيء لا أعتقد أنني أستطيع قبول كنوزكم الثمينة. فبعد كل شيء، أليست إرث الطائفة؟"
رد زعماء الطوائف في نفس واحد وبدهشة
"هاه؟"
لكن تشيونغ مون لم يبالي بهم، وصاح بقوة
"تشيونغ ميونغ!"
تشيونغ ميونغ، الذي كان لا يزال مصدوماً في الخلف، سارع لتلبية نداء أخيه، وعينيه تعكسان الارتباك
"نعم، ساهيونغ."
قال تشيونغ مون بحزم
"أحضر الكنوز."
في تلك اللحظة، تحولت تعابير تشيونغ ميونغ المشرقة لأخرى عابسة، لكن تشيونغ مون لم يبالي، وتابع حديثه مع زعماء الطوائف
"سنقبل بامتنان بالأموال والمواد التي أرسلتموها لنا، لكننا سنعيد إرثكم. مشاعركم العميقة ونيتكم النبيلة تكفي."
ثم التفت إلى تشيونغ ميونغ، وتحدث بحدة
"ما الذي فعلته؟"
"هاه؟"
تراجع تشيونغ ميونغ للخلف، متوقعًا أن يتلقى توبيخًا حادًا وتذمرًا لساعات، لكن كلمات تشيونغ مون التالية كانت مختلفة تمامًا عما توقعه
"لا بحق، كيف يمكن لك أن تقبلهم بغيابي؟ مهما كان وضعنا، لا يمكن أن نقبل أن تتخلى بقية الطوائف عن إرثها الغالي لأجلنا. يجب على الناس أن يمتلكوا ضميرًا."
تشيونغ ميونغ، الذي أدرك المعنى الخفي لكلمات أخيه، انحنى باحترام واضعًا يده خلف ظهره مع ابتسامة ماكرة على شفتيه
"لقد كنت قليل الخبرة، زعيم الطائفة. ظننت أن أي شيء قد يكون مفيدًا لمساعدتنا. لا يزال أمامي طريق طويل لقطعه."
هز تشيونغ مون رأسه برضا، وقال
"لا بأس. فقط تذكر ذلك بالمرة القادمة، والآن أسرع بإعادة الإرث."
كان زعماء الطوائف عاجزين عن النطق أمام هذه المسرحية الهزلية.
في المقام الأول، كان جبل هوا، بالأحرى قديس السيف، هو الشخص الذي تعدى على مخازنهم وسرق كنوزهم وأموالهم.
لكن كيف تحول الأمر في لحظة إلى كون هذه المسروقات قد تحولت لدعم أرسلته الطوائف الأخرى لجبل هوا؟
وعلى الرغم من أن هذه المسرحية لم تكن لتنطلي على أحد، إلا أنها كانت شيئًا يعجزهم عن دحضه.
فإذا قالوا إنهم لم يرسلوا شيئًا، فستوجه لهم أصابع الاتهام بكونهم قد تركوا جبل هوا ليموت وحده بينما يقفون متفرجين.
لذا، ما كان من بانجانغ إلا أن يبتسم بمرارة، ويصر على أسنانه، ويشد قبضتيه من الغضب
"هاهاها! إن تفكير زعيم الطائفة عميق حقًا. آمل أن نكون قادرين بهذه اللفتة الطفيفة على مساعدة جبل هوا."
كما راح تشيونغ مون يضحك أيضًا بابتسامة ماكرة
"هاهاها! أنا حقًا خجل من نفسي، لم أعلم أن لبانجانغ هذا التفكير العميق عندما أخف.. أعني عندما ادخر هذه الأموال أثناء الحرب وحاجتنا الماسة إليها. لقد كانت نظرتك بعيدة الأمد حقًا."
"هاهاها!"
"هاهاها!"
في ذلك اليوم، تعالت ضحكتان في الغرفة، لكن في مضمون كل منهما كان معنى مختلفًا. كانت الأولى تبتلع غضبها وحنقها، بينما الأخرى كانت تعبيرًا عن سعادة طفيفة لاستعادة حقوقها.
تعليقات
إرسال تعليق